صدقت التحليلات التي تعرضت لتطور الأحداث في إسرائيل وتحديدا حال صعود بنيامين نتنياهو لمقعد رئاسة الوزراء حول احتمال حدوث تصادم في المواقف بين إدارة باراك أوباما وتوجهاته من أجل التقدم نحو حل سلمي للقضية الفلسطينية علي أساس الدولتين وبين الوزارة الإسرائيلية الجديدة بتحالفاتها الدينية المتشددة وفي المقدمة حزب شاس,فضلا عن التطرف الذي يبديه وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان والذي تلقي شعاراته الرافضة لمزيد من التنازلات للجانب الفلسطيني قبولا متزايدا بالشارع الإسرائيلي.
المثير للقلق أن حالة من التساؤلات المشوبة بالاستهجان سيطرت علي كثير من المراقبين حول تبدل المواقف في إسرائيل فبينما أعلنت حكومة إيهود أولمرت عن تفاصيل مهمة مع الجانب الفلسطيني تمثلت في تقسيم القدس وذلك بنقل الأحياء الواقعة بشرق المدينة للسيادة الفلسطينية وجعل الأماكن المقدسة تحت إدارة هيئة دولية وأن يتم تبادل أراضي وتنسحب إسرائيل إلي حدود 1967 مع تعديلات في الكتل الاستيطانية وربط قطاع غزة بالضفة الغربية,كما اتفق علي أن لاجئي 48 لن يستطيعوا العودة إلي إسرائيل.
بعدئذ جاء نتنياهو ليعلن عدم التزامه بأي شئ تم بين حكومة أولمرت والسلطة الفلسطينية. كما اتضح بصورة جلية تصادم المواقف بين الإدارة الأمريكية وحكومة إسرائيل في زيارة نتنياهو الأخيرة للبيت الأبيض فيما يخص الحل علي أساس الدولتين كما يري أوباما,في حين يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي كثيرا من الشروط الأمنية واللاءات مقابل الموافقة علي قيام دولة فلسطينية جنبا إلي جنب إسرائيل.
أيضا لم يخف نتنياهو خططه بشأن هدم مسار السلام الذي تمهد عبر سنين من العمل الشاق فأعلن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل في احتفال أقيم مؤخرا بمناسبة الذكري الثانية والأربعين لاحتلال القدس الشرقية أقيم علي التلة الفرنسية أو تل الذخيرة الذي شهد معارك ضارية بين القوات الإسرائيلية والقوات الأردنية خلال حرب يونية 1967.
علي أية حال يقول المحللون إن نتنياهو ليس بالشخصية الغريبة عن الشارع الإسرائيلي فهو رئيس الوزراء التاسع لإسرائيل وأول رئيس وزراء مولود بعد تأسيسها فقد جاء مولده في 21أكتوبر1949 بتل أبيب.
واسمه بالكامل بنيامين بيبي نتنياهو وهو ينحدر من أصول ليتوانية بالاتحاد السوفييتي السابق ثم هاجر جداه لأمه إلي الولايات المتحدة.
في سن 14سنة هاجرت الأسرة إلي أمريكا وتحديدا في بنسلفانيا وهناك أكمل تعليمه, وقبيل العودة إلي إسرائيل كاد بيبي -وهو الاسم المفضل لدي المقربين له- يحمل شهادات علمية في العمارة والإدارة والعلوم السياسية بجامعة هارفارد ومعاهد أخري.
ولخبراته عين نائبا بالسفارة الإسرائيلية في واشنطن سنة 1982 ثم سفيرا لإسرائيل خلال المدة من 84-1988. بعدها اختير عضوا بالكنيست الإسرائيلي وخدم بالحكومة الإسرائيلية تحت رئاسة إسحق شامير حتي عام 1992 وبعد سنة فاز برئاسة الليكود اليميني.
نتنياهو ألف عدة كتب منها كتابان عن الإرهاب. وهو بعكس شيمون بيريز لم يكن يثق في الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات واشترط لبدء أي مفاوضات معه أن يلتزم بإدانة الإرهاب.
إبان رئاسته للوزراء خلال المدة من 96 إلي 1999 سطع نجمه باعتباره رجل الاقتصاد ذو الرأسمالية الذي يرعي الطبقات الدنيا حيث حقق انتعاشا اقتصاديا,لكن سياسته تجاه الملف الفلسطيني برزت في ثلاثة لاءات لاتزال لصيقة بفكره: لا للانسحاب من مرتفعات الجولان, لا لمفاوضات حول القدس, ولا لمفاوضات تحت أي شروط مسبقة.
خلال نفس الفترة أجري نتنياهو مفاوضات مع عرفات برعاية إدارة الرئيس كلينتون وبسببها واجه معارضة من اليسار الإسرائيلي كما فقد الدعم من اليمين لكنه وقع أيضا في عدة فضائح وتحقيقات بتهم فساد,ومن ثم هبطت أسهمه لدي المواطن الإسرائيلي واعتزل السياسة مؤقتا عقب هزيمته أمام إيهود باراك في الانتخابات العامة سنة 1999.
في عام 2002 عينه آرييل شارون وزيرا للخارجية بعد انسحاب حزب العمل من الائتلاف الحكومي.بعدها تقلد منصب وزير المالية في ائتلاف جديد برئاسة شارون.لكنه لم يدعم مفهوم دولة فلسطينية في المستقبل علي الرغم من إعلانه الرغبة في ذلك بمناسبتين سنة 2001.
وفي عام 2004 هدد بالانسحاب ما لم يتم إجراء استفتاء عام علي الانسحاب أحادي الجانب من غزة ورفض شارون اقتراحه فقدم هو استقالته في 7أغسطس2005 قبل إقرار الكنيست للخطة.
عقب رحيل شارون من الليكود صعد نتنياهو لصدارة حزب الليكود في 20ديسمبر2005 بعدها قاد المعارضة.
وفي يناير 2009 أبلغ مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط توني بلير أنه سوف يكمل سياسة حكومتي شارون وأولمرت بمد نطاق المستوطنات في الضفة الغربية وذلك في انتهاك صريح لخريطة الطريق ولكن بدون بناء مستوطنات جديدة.
إبان ولاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون كان جو لوكهارت المتحدث الرسمي للبيت الأبيض وصف بنيامين نتنياهو عقب مقابلة شخصية بالشخص غير المريح والبعيد عن قول الحقيقة…فهو صدق وصف المسئول الأمريكي في ظل اللاءات المعروفة عن نتنياهو وإصراره علي أن يكون الدفن مصير عملية السلام وبيد حكومته أم أن الرجل يضع نصب عينيه برنامج إيران النووي وطموحات طهران العسكرية وبعد ذلك يتفرغ للمشكلة الفلسطينية؟!.. الشهور القادمة ربما تفصح عن نوايا الرجل هذا إن قدر لحكومته البقاء خاصة وأن تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما والحائزة علي أعلي الأصوات في انتخابات 10فبراير الأخيرة تقف بالرصاد في خندق المعارضة وتتحين الفرصة لإعادة التواصل مع الجانب الفلسطيني.