عندما سئل الزعيم النازي أدولف هتلر عن سبب إبادته لليهود أجاب ”بأنه يأخذ الثأر ممن سفكوا دم المسيح”.. والعجيب أن السيد المسيح لم يطلب منه ذلك أو من غيره , بل أراد هتلر أن يصبغ جرائمه بصبغة الدين ويكون الدين هو الكبش (الجاني) وليس (الفوهور) الألماني..!!
في يوم 10 فبراير 2008 طارت قلوبنا فرحا وطار معها النوم من أعيننا ومن منازلنا ومن كل ما لنا , فقد فازت مصرنا الحبيبة بلقب أبطال أفريقيا لعام2008 , ولست جديرا أو قديرا كي أصف مقدار السعادة التي اجترفتنا جميعا نحن المصريين ولا أظن أن أحدا – أيا كان – لم يفرح ولم يتهلل بأولادنا الأبطال الذين شرفوا اسم مصر والمصريين.
لم أكن متابعا للكرة المصرية منذ سنوات طويلة , لكن كثيرين نصحوني أن أري هذا الفريق وبالفعل رأيت وشهدت وفرحت وافتخرت أن لنا مثل هذا الفريق العالمي الذي شرفنا وتوجنا , ولكن كمصري قبطي أقول كادت أن تموت هذه الفرحة وأن تغتالها بعض التعليقات وربما بعض المشاهد لكن انتمائي ومصريتي ومحبتي الجارفة لبلدي مصر جعلتني أفرح وأفرح ومازلت فرحا رغم التعليقات التي جاءت لتعكر صفو الفرحة للكثير من المصريين فقد رأيت أن أتساءل: ما شأن الرياضة أن ينقل لنا اللاعب السياسة وهمومها عندما أعلن أحد اللاعبين عن تضامنه مع غزة؟ وما شأن الدين عندما يصرخ المذيع أن اللاعب الفلاني أو العلاني هو البركة وهو المؤمن؟ أليس الباقون أيضا مؤمنين؟ وما شأن النزعة التعصبية للدين علي فريق يمثل المصريين جميعا مسلمين وأقباطا؟ بل والأخطر قد سارع البعض في الشوارع لسب ولعن (صموئيل إيتو) بأحط الشتائم والسب لبلده ودينه وكأن الملعب صار أرض النزال للمعركة والحرب بين دين وآخر, وقد شاركنا هذا الشعور بعض من إخوتي المسلمين المستنيرين.
إن شبحا قاتما بدأ يخيم منذ سنوات طويلة علي مصرنا وفي شتي المجالات والآن نراه ينزل أرض الملعب الرياضي, فمن يشاهد أو يسمع تعليقا علي المباريات يشعر أن أولئك الأبطال يمثلون فقط ( مصر الإسلامية ) ولا يعبئون بـ 12 مليون مصري قبطي قلقوا لقلقهم , وتعبوا لتعبهم , وصلوا لنصرتهم وأخيرا فرحوا لفرحتهم ومازالوا يفرحون.
لقد وصل الزج بالدين إلي جزئيات حياتنا , إلي التعليم إلي الشارع إلي المواصلة إلي الوجبات إلي الملابس حتي إلي الشاطئ حيث الرمال والشمس والهواء الذي نتنفسه.
* ففي التعليم تجد الدين في الكتاب والكراس والسبورة والفسحة والامتحانات وتجد أغلب المدرسين قد صاروا دعاة ومؤمنين وإن تصدي لهم مصري حتي وإن كان مسلما فربما ينسفوه!!
* وفي الشارع تجد الدين علي الأسوار وفي الأسواق والسيارات بل والعناوين فربما تجد من يقوم بنفسه دون تصريح من بلدية بتغيير اسم الشارع الذي يسكنه لاسم إسلامي وهو لا يعلم من هو وماذا كان عمله وقد أعطينا مثلا لهذا عن شارع ( قرة بن شريك ) وهو سفاح ودموي لكل المصريين – كما كتب عنه الأستاذ أنيس منصور – وإن تجرأ أحد علي تغييره يغيروه هم من فلان ( الحي ) إلي فلان (المرحوم )!!
* وفي السيارات الأجرة تجد السائق يسب ويلعن ويركبك العفاريت وأنت داخل السيارة ومع هذا يسمعك خطبة نارية عن الآخرة والحساب وكأنه صار مندوبا لمبيعات ترويج الدين بين الركاب , وإن اعترضت تحتمل العقاب بل وتحملك رجليك حيث تريد لأن المؤمنين الركاب قد حكموا معه بنزولك!!
* أما الجديد فتجده في رنات التليفون فربما تسمع عن يمينك تليفون يرن ( الله أكبر ) وعن يسارك تليفون آخر يرن بـــ ( دقي يا أجراس دقي ) وتجد من يجاوبك بالسلام عليكم بدلا من ألو وآخر بــ ( أغابي ) وهي كلمة قبطية تعني محبة!!
* في الوظائف أيضا لا تعيين لغير المسلم أو المحجبة وربما بعد عشر سنوات سيكون الإعلان أكثر تحديدا ” لا تعيين إلا للأزهري فقط ”!!
* أما أسماء المحلات فقد تأسلمت أو تنصـــرت مثل (ألبان مكة أو صيدلية اليرموك أو بقالة المحبة أو كوافير الروماني أو مخبز المناهري)!!
* حتي المباني لم تسلم من الدين فهذا (برج الصالحين وذلك برج الضالين وتلك فيلا هدي المؤمنين وذاك برج مينا العجائبي الأمين) , وفي تلك البنايات ربما تجد المصعد يزفـــك إلي الأدوار العلوية بنغمات دينية إسلامية أو ملصقات لصور دينية مسيحية!!
* وهناك مؤسسة ثقافية مصرية اسمها ( ساقية الصاوي ) قد أسسوا فيها ناد اسمه النادي الصيفي الإسلامي ولا نعلم هل ستكون الرياضة فيها إسلامية؟ وماذا عن رياضة الجمباز والكاراتيه وهي ألعاب أجنبية فرنجية؟! بل لعل ما رصده لنا الباحث نبيل عبد الفتاح (مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية) يؤكد لنا أن الدين اجتاح الثقافة المصرية إذ كتب يقول:” إن تخصيص ندوة كاملة لداعية سعودي في معرض الكتاب يشير إلي تجذر النفوذ الديني الوهابي الذي أثـــــر ومازال في التيار الإسلامي المصري بفعل رأس المال الوهابي النفطي بما يحمله من تقاليد وقيم بدوية”.. وتابع بقوله:” وهذا يعكس حجم النفوذ السعودي في القطاع الثقافي الذي كان التأثير الوهابي عليه محدودا وها هو يجد له منبرا وهابيا في أهم تظاهرة ثقافية مصرية…”!!
إن ما قاله السيد صلاح أبو إسماعيل إن ” المسلم الهندي أقرب إلي المسلم المصري من القبطي المصري ” يعد الفرشاة التي لونت أغلب مصرنا باللون الديني وشعرنا بسببه أو بغيره بأن مصرنا صارت أحــادية الهويــة , أحادية الثقافة , أحادية الفكر , وشعر المسلم بأنه وحده في مصر لا يشاركه أخوه القبطي , ومثله تصريح مرشد الإخوان المسلمين ( السيد مهدي عاكف ) بأنه يوافق بأن يحكمنا ماليزي مسلم!!
وهذا الفكر عينه هو الذي يدشن ويرسخ الانتماء للدين لا للوطن حتي وإن جاء ماليزي أو باكستاني أو أفغاني فهم ليسوا أجانب ما داموا مسلمين!! بعكس ما نراه نحن بأن المصري الحقيقي يتميز عن أخيه بحبه للوطن وولائه لأرضه , أما دينه ففي قلبه وفكره ويترجمه علي أرض وطنه حبا وولاءا وانتماءا!!
لقد صارت فكرة المدنية وفكرة الأمة المصرية بعيدة كل البعد عن نبض الشارع ونبض ساكن الشارع , لقد ماتت الفكرة التي تبناها يوما (دستور 1923 بقيادة سعد زغلول ومصطفي النحاس باشا ) وأصبحنا الآن نعيش علي الأرض التي صارت ( تتكلم ديني ) بعدما كانت يوما ما أرضا ( تتكلم عربي )!!
إن هذه النزعات الدينية التي نسقيها كل يوم فتاوي وشعارات سوف يأتي يوم عليها تصبح لنا ثعابين وسموما ستلدغ الجميع , ولا أظن أنها تنمو بمفردها أو بصورة ذاتية بل تكبر بقدر ما نهيئ لها مناخا ملائما لها , وهي تزداد إنتاجا بقدر ما ننكمش نحن أمامها , وتقوي وتكبر مخالبها بقدر ما نضعف ونخور وندفن رؤوسنا في رمالها.
نحن لسنا ضد التدين لكننا ضد التصنــع به , ولسنا ضد الدين لكننا ضد من يتاجرون بنا وبالدين , لقد قال كارل ماركس:( إن الدين أفيون الشعوب) وقد عرف التجار أن يبيعوه لمصرنا ليخدروا به كل مجالات حياتنا, لقد ازدهرت أوربا لأنها فصلت الدين عن الدولة وعن التعليم وعن الشارع وعن الأكل بعدما كانت في العصور المظلمة تغرق هي أيضا في وحل التصنع بالدين المسيحي لذا نرجو أن يسكن الدين في المساجد والكنائس , وأن يملأ القلب والمشاعر بالنفائس , وأن نفعـــل الضمير لينهض بحالنا البائس راجين ألا نفرضه علي أحد أو نسلـــطه سيفا بيد أحد أو نذيبه شرابا للمواطن رغب في هذا أو أرغم علي هذا!!
نريد أن نعيش في بلد اسمه مصر , سكانه هم المصريون لا الماليزيون وأبطاله من المصريين المخلصين , ونيله يسقي مرقص وأحمد وحسين , وخيره لنا ولغيرنا حتي إن كان ابنا لغزة أو لسونج يانج أو للبشير أو جارانج, إن نيل مصر هو الحبل الذي يربط كل المصريين كحزمة واحدة متماسكة.
لقد أخطأ هتلر بإقحام الدين في جرائمه , والفرنجة عندما رفعوه علي الصليب وقوائمه , فهل نخطئ نحن ونقدمه علي مائدة التعصب وولائمه!!؟
الكاتب عضو بالنقابة العامة للصحافة والإعلام بمصر
[email protected]