كانت أصداء تقديم الرئيس السوداني عمر حسن البشير واسعة في كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية والعالمية ومازال اسم موريس لورينو أوكامبو يتردد ويكتسب شهرة وانتشارا عالميا,وكما يقال عنه ويوصف بأنه صائد العسكريين من قادة الدول الاستبدادية وما كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلا أحد هؤلاء القادة والزعماء العرب الذي لا يختلف عن معظم القادة العرب في الاستبداد والطغيان وحكم الفرد.
أزمة البشير هي أزمة الشعور العربي الإسلامي الذي يظهر علي السطح ملتحفا بشعارات العزة والكرامة من جانب أنصار الحل العروبي القوماني وأصحاب الحل الإسلامي الأممي وما بين العروبي القوماني والإسلامي الأممي تسكن كافة الأزمات والمصائب الخارجة من رحم أفكار هذين التيارين أصحاب الحلول المؤجلة علي الدوام والذي يتبدي من خلال قراءة معظم الأطروحات مدي العجز والقصور في عرض هذه الأطروحات بالرغم أن الأطروحة الآنية تسكن في رحاب الدولة الديموقراطية صاحبة الحريات الفردية والجماعية والمعتصمة بكرامة الإنسان وحريته قبل النداء دوما بكرامة الأوطان وحريتها لأن الأوطان لاتكون حرة وتعيش في كرامة وعزة إلا بعزة وكرامة وحرية مواطنيها,وليس بعزة وكرامة الزعماء والقادة.
فالدول الديموقراطية لاتعرف القائد الملهم ولا تتباهي بالزعيم الموهوب فالإلهام والموهبة لاتكون في هذه الدول إلا بالقدر الذي يتهيأ معه أكبر قدر من المصلحة والرفاهية والسعادة والزمن واكتمال وتطابق منظومة الحقوق والواجبات أي بمعني أدق: تفعيل سيادة القانون والدستور اللذين يجعلان كافة المواطنين متساوين أمام سلطان واحد فقط هو الدستور والقانون.
أصحاب أطروحة القومانية العربية والأممية الإسلامية يمثلان أزمة في كل البلدان العربية ويمثلان عودة للوراء إلي ماقبل التاريخ الإنساني أو ما قبل الدولة وبتعبير أقرب للفهم إلي ما قبل القبيلة.
كيف يتراءي لأصحاب الحل القوماني العروبي أن حل كافة الأزمات والمشاكل,بل قل:كافة المصائب التي تعيشها الأوطان العربية مؤجل علي شرط واحد فقط,وهو الوحدة بين الأوطان العربية,أو تطبيق الشريعة الإسلامية والعمل علي عودة الخلافة الإسلامية.
التناقض في الرؤي والتصورات يتبدي في أزمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير فنجد الذين يحرقهم الشوق إلي العدل هم أنفسهم الذين يؤرقهم الخوف من العدل وهذا التناقض ذاته هو المقياس الذي تقاس به مشاعر وأحاسيس ووجدان العرب والمسلمين فهم يتوقون إلي العدالة والحرية وهم يتمنون الديموقراطية وتبادل الحكم والسلطة وفي ذات الوقت هم من يساندوا أنظمة الطغيان والفساد والقتل والاستبداد!!
طبعا..وعلي المستوي الرسمي تجد معظم الأنظمة العربية الاستبدادية بطبعها وطبيعتها تساند الرئيس السوداني عمر حسن البشير لأنهم من قماشة استبدادية واحدة في النسيج والصنف ولكنهم يختلفون في الدرجات اللونية الاستبدادية وهذه المساندة لا غرابة فيها إذ كيف ينكر مستبد الاستبداد علي غيره أو ينكره عليه؟!!والغريب في الأمر أن الشعوب والجماهير العربية تتضامن من حكام الأنظمة العربية ويتضامنوا معها في مساندة أنظمة الطغيان والاستبداد للرئيس السوداني عمر حسن البشير.
ولكن الأشد غرابة أن يتضامن الكاريزما والمثقفون والسياسيون والعديد من الكتاب والمهنيين مع الشعوب والجماهير والأنظمة الاستبدادية ليكون لهم موقف واحد ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيف ومحاكمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
وهذا هو رأي جماعة الإخوان المسلمين في مصر بزعامة مهدي عاكف رئيس مكتب الإرشاد في مصر وزعيم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين والذي صدر متصادما مع رأي جماعة الإخوان المسلمين في السودان بزعامة حسن التروابي ففي الوقت الذي:طالب حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن الترابي الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب توقيفه لدي المحكمة الجنائية الدولية بالتنحي عن السلطة حتي إن كان بريئا داعيا الحكومة السودانية لإطلاق الحريات العامة وتعديل قوانين الصحافة والأمن لتتواءم مع الدستور الانتقالي والتعامل بمسئولية في قضية البشير.
وقال نائب الترابي إنالمطلوب من الخرطوم أن تغير قوانين الأمن والصحافة لتتوافق مع الدستور لإجراء الحوار الداخليوأضاف لإجراء حوار في الداخل لابد من توفير الحريات لكل القوي السياسية.
وبالرغم من ذلك تجد جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحسبما نشر علي لسان مرشدهم في 2009/3/8 بالمصري اليوم,حيث كشف محمد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل الجماعة وفدا لها للسفر إلي السودان للتضامن مع الرئيس السوداني عمر البشير بعد صدور مذكرة لاعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية يأتي ذلك بعد تشكيل إخوان الأردن وفدا للقاء السفير السوداني في عمان.
وقال عاكف لـ المصري اليوم,إن وفدا من الجماعة سيسافر إلي السودان للتضامن مع البشير لتعرضه لمؤامرة تقودها المصالح الغربية ضد العالمين العربي والإسلامي.وكذلك الشيخ يوسف القرضاوي الذي أنتج للرئيس السوداني خطبه من خطب الجمعة في دولة قطر ليدافع فيها عن البشير باعتبار أن البشير رمزا للإسلام وممثلا لوحدة الأمة!!هل الشعوب والمجتمعات العربية لديها بعض من الوعي بمصالحها بجانب مثقفيها ومفكريها ووكلائها الاجتماعيين الغائبين أصلا من الساحة الاجتماعية بفعاليات الاستبداد واحتكار المعرفة بصالح المجتمع وهم علي النقيض تماما؟أعتقد أن إجابة السؤال تتبدي في كيفية تعامل الشعوب والجماهير ومعهم المثقفين والمفكرين في جملة الأزمات التي تمر بها الشعوب والمجتمعات العربية.
أزمة السودان مثلها مثل أزمة حماس مثل أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم,ومثلها في ذلك مثل الفيلم المسيء لمشاعر المسلمين وللقرآن الكريم,والذي يحمل عنوانفتنةمثل كتابآيات شيطانيةلسلمان رشدي,مثلسي.ديكنيسة الإسكندرية مثل محاكمة وإعدام صدام حسين,مثل روايةوليمة لأعشاب البحرلحيد حيدر مثل أزمة الحجاب في فرنسا وأزمة مصافحة شيخ الأزهر لشيمون بيريز ومقابلته لكبير الحاخامات اليهود في مصر,مثل العدوان علي العراق وأفغانستان ولبنان وتهديد إيران حتي يبقي الأمر في نهاية المطاف مثل أزمة وفاء قسطنطين وأمور الأسلمة ومسائل التنصير.في الأزمات السالف ذكرها وغيرها كثير نجد الشعوب والجماهير تنتفض كالثور الهائج ولعلنا شاهدنا المظاهرات ضدوليمة لأعشاب البحر لدرجة أن قال البعض:من يبايعني علي الموت!!ولم تفكر الجماهير كيف تموت وماهو السبيل إلي الموت ومن أجل ماذا تموت؟
وانتهت الأزمة ومازالت الرواية المسيئة تطبع بلغات عديدة منها اللغة العربية وإذا كانت العلة التي يتعلل بها أصحاب الوهم القوماني أو التوهم الإسلامي بأن المعايير التي تعاير بها المحكمة الجنائية الدولية أو ما تم التعارف علي تسميته بالشرعية الدولية تغفل محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قادة الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل فإن هذا ليس معناه ترك المجرمين من قادة الدول العربية والإسلامية أحرارا يعيثوا ظلما ويتجبروا فسادا ويتمادوا في الطغيان لأن ذلك ليس معناه ترك المجرم المتاح مادام المجرم غير المتاح محاكمته غير متاح القبض عليه وتقديمه للعدالة الدولية ومحاكمته ثم أنه في الجانب الآخر فإن قادة الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل لم يرتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بحق شعوب ومجتمعات أوربا وأمريكا وإسرائيل لأن الحاكم هناك ليس بزعيم أو بقائد أو بملهم وموهوب وأن الأمور والشئون السياسية بتلك الدول لاتسير حسب تعليمات السيد الرئيس وإنما تتم معبرة عن رأي الإدارة السياسية التي تعبر عن رؤية المجتمع وهذه واحدة والأخري أن العدالة الدولية أو الشرعية الدولية ليست بمنتج عربي-إسلامي وإنما هي منتج غربي علماني ينحاز للإنسان لا للأديان وأن هذا المنتج ليس له بديل حضاري آخر غير البديل الراهن والذي يعجز العرب والمسلمين عن إنتاج بديل آخر مغاير له أو حتي إنتاج قانون لمحاكمة الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء فهم من يعاملون الشعوب علي أنهم رعايا مملوكون لهم هم وليس باعتبارهم مواطنين,وهم أصحاب الاستبداد والفساد والطغيان فهل من لايقدر علي الفساد والاستبداد والطغيان العربي/الإسلامي يكون بمقدرته مواجهة الطغيان الغربي-العلماني المنحاز للمجتمعات والدول والمنحاز ضد بعض دول الفساد والإرهابي والتطرف والطغيان.
وعلي جانب آخر فقد نشرت بعض الصحف الإلكترونية خبرا عن صحيفةبيرفيل في بيونس آيرسالأرجنتينية أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو يدرس احتمال فتح تحقيق في جرائم إسرائيل التي ارتكبت خلال عدوانها الأخير علي قطاع غزة ونقلت الصحيفة أوكامبو قوله ندرس الموضوع إننا في مرحلة التحليل لم أقرر بعد ما إذا كنا سنجري تحقيقات لكن هناك إمكانية لذلك,وأشار أوكامبو إلي أنه يتوقع الحصول علي وثائق حول أستخدام إسرائيل قذائف حارقة بالفوسفور الأبيض المحرمة دوليا في مناطق مأهولة خلال عدوانها علي غزة.وأوضح أوكامبو أنه يدرس الشكاوي التي رفعها في يناير وزير العدل الفلسطيني علي خشان أمام المحكمة بشأن قيام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في القطاع.
وتلقت المحكمة الجنائية الدولية 213 شكوي بشأن جرائم إسرائيل في القطاع لم ينظر فيها مكتب المدعي العام لأن إسرائيل لم توقع علي معاهدة روما التي أنشأت هذه المحكمة.
فهل من حق العرب والمسلمين أن تتضامن شعوبهم وجمهورهم ومفكروهم ومثقفوهم وكتابهم وأحزابهم السياسية مع طغيان الأنظمة العربية الحاكمة مادامت الشرعية الدولية تنحاز ضد بعض قادة الطغيان والاستبداد والفساد في تلك الدول؟!!وهل الشرعية الوطنية المعطلة خير,والشرعية الدولية المفعلة شر؟
أعتقد أن الاختيار دوما للمجتمعات الحرة هو الجدير بالاحترام والتقدير أما المجتمعات المستعبدة فلا خيار لها سوي طرائق الاستبداد فلتختار منها أي طريق تشاء!!وفي النهاية سؤال:لماذا صمت صوت النذير المعتصم بالشرعية الدولية في مواجهة البشير المعتصم بالشرعية القبائلية؟!بل ولماذا صمت عن جرائم إسرائيل في غزة في الحرب الأخيرة غير المتكاملة,والتي استخدمت فيها الأسلحة لمجرم استخدامها دوليا بالرغم من وجود تقرير دولي يدين إسرائيل؟!.