يوم قيامة ربنا يسوع المسيح له المجد يوم غلبة وانتصار, أضاء فيه النور للبشرية وعلي مدي الأجيال وإلي منتهي الدهور, فمن القبر الفارغ خرج النور الذي يبدد كل ظلام.. ظلام الشر.. ظلام الخطيئة.. وينير طريق المجد والخلود.
تعالوا بنا نلتقي بمسيحنا.. مسيح القيامة.. ونستمع لصوته المعطي الحياة القائل: أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلي الأبد (يو11: 25, 26).
فالرب يسوع المسيح له المجد هو معطي الحياة للموتي في القديم والجديد, وهو الذي بقيامته أثبت ألوهيته, وهو مصدر الحياة في هذا الوجود, حياة الجسد, وحياة الروح.
السيد له المجد هو القيامة ذاتها.. فلو كان مجرد مقيم للموتي, لما اختلف عن كثيرين من البشر فعظام أليشع أقامت ميتا, وإيليا في حياته أقام ميتا, أيضا بطرس وبولس, ولكن أحدا من هؤلاء لم يستطع أن يقيم الموتي بدون الرب.
فالقيامة تميزت بثلاثة أمور
القيامة النورانية
فالرب يسوع المسيح له المجد قام بجسد نوراني وبقوة خارجة منه.. لم يصل إلي آخر, طالبا المعونة.. لكنه أمر الموت.. فهرب وهزمته القيامة, وأمر الحياة.. فجاءت خاضعة.. فأعطي للبشرية الحياة فيه.. فيسوع هو القيامة ذاتها, والمعجزة الكبري.
إن الرب يسوع المسيح أقام نفسه ولم يقمه أحد.. وقام ولم ولن يموت, وهو الذي قال: أنا الحي وكنت ميتا وها أنا حي إلي الأبد (رؤ1: 18).
جسد القيامة الممجد, جسد كلي النور والقداسة والحياة الخالدة.. هذا هو جسد الخلود وهو عربون قيامة الأموات.. إنه يعطينا جسد الخلود.. فيكون لنا حياة أبدية, منيرة فيه.
لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح (أف5: 14).
تجديد للحياة
القيامة هي حياة من جديد.. حياة يحياها الإنسان كما قال في سفر الرؤيا: أنا عارف أعمالك أن لك اسما أنك حي وأنت ميت (رؤ3: 1).
وهذه هي كلمات موجهة إلي كل خاطئ.. إن الحياة لا تقاس بالسنين والأيام, وإنما بالفترات الروحية الحلوة التي نقضيها مع الله.. هي وحدها التي تحسب لنا, والتي يقاس بها عمرنا الروحي.
فالخاطئ إذا تاب تعتبر توبته.. قيامة, فهي يقظة روحية وتجديد لمسلك حياته.. وقيامة من الظلمة والضلال.. وقبر الشهوات.
ففي القيامة لا يأس, ولا مستحيل, ولا خوف, ولا قلق, ولا اضطراب.. بل تكون حياة جديدة ملؤها نعمة المسيح, ومحبة قيامته العاملة فينا.
وحياة القيامة ممكن أن يحياها شعب من الشعوب, بعد ثورة من الثورات التي تغير مصيره إلي أفضل وتحوله إلي حياة ثانية.. حياة من نوع جديد.. فيشعر أن حياته السابقة كانت موتا.. وكانت في قبر من الظلمة والقهر والعبودية, وأنه عاد يبدأ الحياة من جديد لتنطوي صفحة الماضي المائت ولتعود بسمة الحياة في حرية القيامة.
ولنا سمات القيامة في حياتنا باستمرار فلا ننظر إلي الوراء ولا نستسلم للضعف والخضوع, ولكن نحيا في جدة الحياة.. حياة جديدة, تسري في دمائنا.. أفرادا, أو هيئات.. أو شعوبا, كما قيل عن عمل الله في الإنسان, أنه يجدد مثل النسر شبابك (مز103: 5).
تعزية وفرح
القيامة تعزية للقلوب الحزينة وفرح في الرب, كما قيل في نبوة أشعياء: وأما منتظرو الرب يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون (أش40- 31).
إن قيامة السيد المسيح له المجد كانت معزية للتلاميذ وكانت لازمة لهم لتثبيت إيمانهم وفرحوا بقيامته وآمنوا بها, وبأنها ممكنة وآمنوا أنهم سيقومون بعد الموت, فمنحهم سلطان الحياة علي الموت الأبدي.. عزاء دخل إلي قلوبهم, فنبت فيهم روح الثقة, وعدم الخوف وبهذه الثقة جاهر التلاميذ بكرازتهم.
بعد أن كانوا قد دخلوا في أحاسيس شتي, إحساس الهزيمة إذا رأوا أن معلمهم مات ودفن في القبر.. إحساس الخوف من اليهود القساة.. إحساس الحزن لفقدان المعلم الصالح والراعي الحنون.. إحساس القلق, فهم أمام مستقبل مجهول.. إحساس الضعف أمام أعداء المسيح رغم ما كان لهم أبواب رجاء مفتوحة وكثيرة.
لكن تتركز كلماته التي قالها لهم.. إنه بعد ثلاثة أيام سيقوم, وهو في كرازته.. وهو في قوته.. وفي صنع المعجزات والآيات حينما شفي عبد رئيس الكهنة.. وحينما أظهر لاهوته في إقامة الأموات.. في قوته حينما جاء اليهود للقبض عليه سألهم من تريدون؟ فقالوا له: يسوع.. فقال لهم: أنا هو, فرجعوا إلي الخلف ووقعوا علي وجوههم.. وحينما صلب.. وقفت الشمس.. لا تعطي ضوءها والسيد مصلوب.. وتزلزلت الأرض, وانشق حجاب الهيكل, وانفتحت القبور وقامت أجساد كثير من القديسين.
مع كل هذه الأحاسيس التي اعتصرت قلوبهم بحادثة الصليب.. لكن حينما قام الرب بمجد عظيم كان الفرح للتلاميذ.. وحل السلام حينما قال الرب لهم.. سلام لكم, حل السلام بين الله والإنسان.. صالح السمائيين مع الأرضيين, وحل السلام بين الإنسان ونفسه.. بين الإنسان وأخيه. ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب (يو20: 20). وأعطاهم السلطان الروحي والمعونة المستديمة وقال لهم: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلي الأرض.
فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس, وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت28: 20).
فالفرح والسلام والتعزية التي ملأت قلب التلاميذ, أعطتهم القوة للكرازة. ويقول القديس كيرلس الكبير: نعم انظروا فإن النار الإلهية المقدسة, قد انتشرت في كل الأمم بواسطة كارزين قديسين.
لنحيا القيامة بفكر جديد حسب وصايا الله المقدسة فنقدم شبعا لجائع, وماء لعطشان, ومأوي لغريب, وكساء لعريان, واهتماما بمريض, وإعالة لمحبوس وهكذا نبحث عن كل محتاج من كل نوع, ونقدم الحب لكل إنسان شريك لنا في الحياة بلا تفرقة, أو تمييز نقدم كل ما لنا من إمكانيات وطاقات لننهض بوطننا العزيز.. الذي يعيش فينا.. مصرنا التي باركها السيد المسيح.