استقبل المجتمع المصري بشعف المقترحات التي طرحتها لجنة التعديلات الدستورية لبعض المواد وهي 76 و77و 88و 93و179و189 وتتناول هذه المواد شروط المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية وتحديد مدة الرئاسة والإشراف القضائي علي الانتخابات واستخدام القضاء العسكري وتضاربت الآراء حول الاكتفاء بهذه المواد في هذه الفترة الانتقالية وما بين عدم كفايتها والحاجة الماسة لتعديلات أخري أو انتخاب هيئة تأسيسية تقوم بوضع دستور جديد للبلاد…تساؤلات كثيرة طرحناها علي المستشارة تهاني الجبالي القاضية ونائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا في هذا الحوار:
ملائمة ولكن…
*هل التعديلات الحالية التي قامت بها اللجنة كافية لتهيئة المناخ لانتخابات رئاسية قادمة أكثر شفافية؟
**أعتقد أن هذه المواد المقترحة قد تكون ملائمة في إطار إجراء الانتخابات شريطة أن يتم تعديل بعض القوانين التي تتناول مباشرة الحقوق السياسية وتكوين الأحزاب, وذلك لضمان انتخابات حرة ونزيهة. لكن بكل المقاييس فإن التعديلات الدستورية المطروحة حاليا لاتغني عن ضرورة أن نتناول الدستور بشكل أوسع لكي تتلائم التعديلات مع طموحات الشعب المصري وسعيه لدولة مدنية يتحقق فيها التوازن والفصل بين السلطات بما يسمح بعدم تركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية, فهذه كلها لايمكن أن يحققها الدستور الحالي ولايسمح بها. كما يجب أن نؤكد علي أهمية مبدأ المحاسبة والرقابة المتبادلة من سلطات الدولة علي بعضها البعض.
هيئة تأسيسية!
*هل تغيير الدستور بالكامل كان يجب أن ينتظر الرئيس القادم؟
**كنا ننتظر جميعا بعد نجاح الثورة, أن تستند إدارة المجلس الأعلي للقوات المسلحة إلي الشرعية الثورية وليس للدستور, وبالتالي تدعو إلي انتخاب هيئة تأسيسية مهمتها وضع دستور جديد لدولة مدنية ديموقراطية بها توازن بين السلطات وتضمن الحقوق والحريات. أما الآن لايبدو أن ما كنا نطمح إليه هو الخيار القائم لذلك فنحن نحاول أن نطوع أنفسنا للخيار القائم دون أن نتخلي عن طموحنا في دستور جديد وتغيير حقيقي.
مجموعة الـ 25
*هل من الممكن أن نصبح رهينة إرادة الرئيس القادم, وهل ستحقق مطالب الشعب بالدعوة إلي وضع دستور جديد؟
**هناك تخوفات من البعض من عدم إصدار الرئيس القادم قرارا بالتغيير الكامل للدستور, ولذلك تقدمت ومعي مجموعة مكونة من 25شخصية قضائية بمطلب إلي اللجنة القائمة بتعديل الدستور حاليا لإضافة مادة للدستور تتضمن التأكيد علي أن يلتزم الرئيس الجديد بتشكيل جمعية وطنية منتخبة لوضع دستور جديد بالبلاد خلال ستة أشهر. وأعتقد أن هذه المادة تعد ضمانة دستورية لاستمرار التغيير الدستوري.
كذلك طالبنا أن تؤجل الانتخابات التشريعية في هذه الفترة, ويمكننا لمواجهة مايقال حول ضرورة أن يحلف الرئيس اليمين أمام مجلس الشعب أن يتم تعديل هذه المادة بالدستور وتتغير إلي أن الرئيس يقوم بحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا, والمجلس الخاص بمجلس الدولة, والمجلس الأعلي للقضاء باعتبارها تمثل السلطة القضائية مجتمعة لكي لايحدث الفراغ الدستوري.
النظام المختلط هو الأقرب
*أيهما أفضل النظام البرلماني أم الرئاسي للمرحلة المقبلة؟
**النظام الفرنسي هو الأقرب إلينا لأنه يجمع بين مهام محددة لرئيس الجمهورية ومراقبة البرلمان لتنفيذ هذه المهام أيضا يضمن التداول السلمي للسلطة في إطار برلماني, فمهام رئيس الجمهورية في هذا النظام تشمل ثلاث مهام رئيسية هي: شئون الأمن القومي, والدفاع, والعلاقات الخارجية. وينشأ بجانبه مجلس أعلي للعلاقات الخارجية, ومجلس أعلي للدفاع, ومجلس أعلي للأمن القومي, وبهذا يكون قرار الرئيس مراقبا من هذه المجالس وبموافقة البرلمان.
لذلك أري أن النظام المختلط هو الأنسب لنا حاليا لأن من خلاله سيكون لرئيس الجمهورية دور فعلي وليس فقط شرفي, وفي نفس الوقت يحفظ لنا طموحنا في الديموقراطية ووجود نظام برلماني.
تعطيل الدستور يعني…
*هل نعيش فراغا دستوريا في الوقت الراهن أثناء الفترة الانتقالية التي نمر بها؟
**لايعد فراغا دستوريا لأن تعطيل الدستور أو حتي سقوطه بعد الثورات هو أمر معروف, بل علي العكس, هذا التعليق أو التعطيل للدستور لا يشمل الحقوق والحريات العامة للمجتمع فهو لا يشمل المقومات الأساسية للمجتمع أو حقوق الأفراد وحرياتهم. لذلك فالسلطة القضائية تمارس دورها في ضوء أن القوانين القائمة قابلة للتطبيق.
أو بمعني آخر فإن تعطيل الدستور يعني تعليق الأحكام التي تنظم فقط عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية ورئاسة الدولة أما غير ذلك فهي عاصية علي التعطيل وهي بذلك تظل سارية.
التعطيل لايشمل القوانين
*هل هذا الأمر يبرر حصول حزب الوسط في 19 من فبراير الجاري علي حكم قضائي بالعمل؟
**بالتأكيد فإصدار تصريح لحزب ليس له علاقة بتعطيل الدستور كما أشرت, لأنه مجرد تطبيق لقانون الأحزاب السياسية الموجود حاليا. فتعطيل الدستور لايشمل القوانين المطبقة فلايوجد مجال لتجميد القوانين بالنسبة للواقع الدستوري الذي نحياه الآن.
*ماذا عن دستور 1954 حيث طالب البعض بالعودة إليه أو استلهام كثير من مواده؟
**في مصر لدينا ذخيرة واسعة تمثل مادة خام لوضع دستور جديد, بالإضافة إلي خبرات الدول الحديثة لمسارات جديدة تتفق مع معايير العصر. لذلك فإنني ضد الرجوع لدستور سابق وضع منذ خمسة عقود وأفضل أن تظل هذه الدساتير جميعها ذخيرة في تنمية المواد الدستورية وأن تكون بمثابة مصدر ثقافي وفقهي واسع يمكن الاستفادة منها.