وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
منذ أن اهتم الراحل الكبير أنطون سيدهم بفكرة إصدار صحيفة تكون بمثابة لسان حال الأقباط, وهو يضع نصب عينيه الوطن-الأم مصر- فمنذ بداية الأمر اختار لهاوطني عنوانا, وصدر لها ببيت الشعر السابق أعلاه لأمير الشعراء أحمد شوقي ليرسخ مبدأالمواطنة قبل التنظير لهذا المصطلح بسنوات طوال,ويضع أمام القارئ قيمة عظمي للوطن حتي إنه يتنازع والنفس البشرية في الخلد ذاته…!ياله من حب عظيم…
علي أن الأمر إذا كان قد تم هكذا منذ عام1958-عام تأسيس جريدة وطني وحتي اليوم -لكنه حقيقة تخطي الشكل ونفذ إلي المضمون…فماذا فعل؟لقد جعل مرد الأشياء جميعها (أحداثا ومواقف) إلي الوطن…نذكر في هذا السياق ثلاثة أمثلة تطبيقية:
المثال الأول:يكشف في دقة عن فكر أنطون سيدهم لرسالة وطني التي كانت عنده رسالة وطنية لتوصيل صوت الأقباط والمصريين عموما والدفاع عن قضاياهم, ولم يكن يسمح بالخلط وتصوير الأمور علي أنها جريدة دينية,من ذلك تلك القصية (كما ترويها كريمته المهندسة سامية سيدهم) والتي أخبره فيها أحد الأشخاص بأن فلانا كتب في إحدي الجرائد يهاجم المسيحية ويتعرض لمعتقداتنا,وطلب منه أن يكتب ردا علي هذا التعرض ويدافع عن المسيحية,فما كان منه إلا أن قال علي الفور:عاوزني أدافع عن المسيح, هذا ليس دوري,أنا ممكن أدافع عن المسيحيين وأوصل صوتهم إلي المسئولين, ولكني لا أدافع عن المسيح…المسيح هو الذي يدافع عني وعنك.
المثال الثاني:كان للأستاذ أنطون سيدهم إسهامات وطنية في مجال التجارة والمال,حيث قام وعدد من زملائه بالعديد من المشروعات في فترة كانت السوق المصرية تموج بالأجانب واحتكارهم لشتي جوانب الحياة الاقتصادية والتجارية في مصر,ففي عام 1939 أسس مع شريكه عدلي رزق الله واحدا من باكورة مكاتب المحاسبة والمراجعة المصرية التي كسرت احتكار المكاتب الإنجليزية والأجنبية لتلك المهنة في مصر.(كتاب أنطون سيدهم ومشوار وطني)-أبريل 1996.
المثال الثالث:يتعلق بنا نحن العاملون في أسرة تحرير وطني,حيث لاتخط أقلامنا ولو سطرا واحدا يتعلق بقضية ما من قضايا الأقباط إلا وجعلناها هما لا يتجزأ من هموم وقضايا مصر الأم التي يعيشها معنا شركاؤنا في الوطن إخواتنا المسلمون الذين قد يتبنون هذه القضايا علي صفحات وطني أو في منابر إعلامية أخري.
إن القارئ لشخصية أنطون سيدهم يجد زوايا متعددة في شخصيت, فهو المواطن والاقتصادي والمناضل, وكل زاوية تتضمن مبادئ راسخة عاش الرجل وجاهد لأجلها…
بقي أن نذكر أن المناخ الذي نعيشه اليوم في وطني من سكينة وهدوء نفسي يجعلنا ننتج وبندع ونصبح فاعلين في مجتمعنا وفي بلاط صاحبة الجلالة- تلك المهنة التي يصاحبها القلق والتمرد والغيرة…إن هذا المناخ الصحي مرده الأساسي أنطون سيدهم, ذلك الرجل الذي أرسي مبدأ حرية التعبير, وأن ما يكتب من القلب يصل إلي القلب…
تحية إلي هذا الرجل التنويري الكبير الإنسان والكاتب الذي سيظل حيا في العقول والضمائر.