هل نحن كآباء وأمهات مؤهلين لتربية أبنائنا؟؟ سؤال يراودني كثيرا كلما واجهت موقفا مع ابنتي لم استطع تحديد رد الفعل المناسب لهذا الموقف, خاصة أن ردود الأفعال للموقف ذاته تختلف تبعا لمتغيرات كثيرة أهمها المرحلة العمرية. فكيف نتأكد أننا نربي صغارنا بشكل علمي صحيح مبني علي أحدث الدراسات العلمية؟ وهل نهتم جميعا بأهمية أن نتثقف ونتعلم لنربي أطفالنا جيدا أم فقط نعتمد علي الموروثات؟ وهل باتت مجدية؟ وإن كان من المفيد أن نتثقف لنتعامل معهم بشكل صحيح فما هي الأبواب التي نطرقها حتي نتزود بالمعلومات الصحيحة؟ هل قراءة الكتب المتخصصة في تربية الأطفال تكفي أم أننا نحتاج لمصدر آخر يمكننا من التفاعل معه وإلقاء سيل من الاستفسارات عليه كالدورات التدريبية المتخصصة؟ وهل توجد بالفعل. وأين؟ سنتعرف معا علي إجابات هذه التساؤلات.
تحدثنا إلي بعض الآباء والأمهات حول هذا الموضوع لنتعرف علي آرائهم فقالت إحدي الأمهات موظفة بمجلس الدولة: هو في دورات زي كده؟, بالتأكيد لو في هروح. وأحد الآباء صحفي يقول: دورات ليه هو إحنا مش قادرين نربي أولادنا, طب ما إحنا اتربينا من غير دورات ولا تدريبات. كما قالت أم أخري: نفسي يكون في دورات لتربية الأبناء تساعدني في التعامل مع أبنائي. لكن أحد الآباء محاسب له رأي مختلف فقال: إحنا بس نصرف علي تعليمهم وأكلهم. وبعدين نبقي نفكر في الدورات والتدريبات.. ممكن يكون أسهل أننا نقرأ كتب في التربية.
د. منال عبدالفتاح رئيسة قسم تربية الطفل بكلية البنات بجامعة عين شمس قالت: تكمن حاجاتنا إلي التربية الأبوية إلي الجهل بثقافة تربية الأبناء وعدم فهم خصائص مرحلتي الطفولة والمراهقة فمثلا ماذا يعلم الآباء والأمهات عن أزمة الثلاث سنوات لدي الطفل أو عن فترات عناده وتمرده وكيفية التعامل معه في كل فترة. أو عن حق الطفل في أن يعبر عن نفسه بالكلام أو بالحركة أو بالرسم أو بالكيفية التي يختارها. كذلك ماذا عن وعي الوالدين بكيفية تحديد قدرات طفلهما وتنميته فيما هو متميز فيه. أيضا ماذا عن إدراكهما بمسئوليتهما عن عدم شعور الطفل بالإحباط أو الخوف أو عدم الثقة بالنفس أو أي صفة سلبية. وهل يعلم الوالدان عنهما يجب أن يكونا متفقين علي كل كبيرة وصغيرة متعلقة بأسلوب تربية الطفل ومعاملته.
غالبية الآباء والأمهات يجهلون كثيرا من هذه الأمور ولا يحاولوا البحث عن مصدر علمي يتعرفوا من خلاله علي كيفية تربية أبنائهم وإنما يعتمدون فقط علي الطريقة التي تربوا بها بل ويعتقدوا أنها الأفضل. وهنا يقعوا في خطأ كبير لأن الثقافة حولنا تتغير وكذلك طريقة تفكير الأطفال نتيجة لعوامل عدة أهمها وسائل الاتصال والإعلام. يرجع عدم تفكير الآباء في توعية أنفسهم بالأسلوب الصحيح لتربية الأبناء إلي كثرة مشاغلهم والاكتفاء بأن أطفالهم يذهبون للمدارس ويتعلمون التهذيب بالمنزل.
اتفق مع الرأي السابق الدكتور ماهر الضبع أستاذ علم النفس بالجامعة الأمريكية وأضاف أن الأب المصري والشرقي يعتقد أن دوره تجاه أبنائه يقتصر علي توفير المأكل والمشرب والتعليم والعلاج. وينسي دوره الرئيسي في صياغة شخصية الطفل وتسديد احتياجاته النفسية, وألا ينمو ذي شخصية مشوهة بها عيوب كثيرة ينتج عنها سلوكيات خاطئة يزيد من خطأ الوالدين الاعتماد علي طرق التربية الموروثة. فالدراسات الحديثة تثبت يوما بعد يوم خطأ معظم الأمور الموروثة. وفي النهاية يتسبب الوالدين في إنتاج جيل مشوه والجيل التالي له سيكون أكثر تشويها.
لذا فعلي الوالدين تثقيف أنفسهما من خلال قراءة الكتب الخاصة بتربية الأطفال ومشاهدة البرامج التي يقدمها الإعلام في هذا الصدد وإن أمكن الالتحاق بدورات تدريبية تؤهلهما لتربية أطفالهما. ويؤخذ علي الجهات المعنية بالطفولة عدم إتاحة مثل هذه الدورات فلن نجدها إلا لدي بعض الجهات الدينية وحتي هنا أيضا فهي غير متوفرة إلا في الصيف!!.
أين تلك المؤسسات المعنية بالطفولة وبالتربية وبالمجتمع؟ أين تلك الجهات المهمومة بمستقبل الأطفال؟.. شباب وقادة المستقبل؟ أين هم من إتاحة فرصة التثقيف والتعلم للآباء والأمهات حتي يصبحوا مؤهلين لتربية أبنائهم؟.
إحدي هذه الجهات كلية رياض الأطفال بجامعة القاهرة. تحدثنا إلي عميدتها السابقة الدكتورة مني جاد وهي أيضا نائبة رئيس لجنة قطاع دراسات الطفولة بالمجلس الأعلي للجامعات. وأكدت علي أن المبادئ العلمية لتربية الأبناء أمر مهم جدا ينبغي علي الوالدين إدراكها. وبالفعل قدمت اللجنة توصية عام 2005 للمجلس الأعلي للجامعات لإدراج منهج التربية الوالدية في جميع الكليات بالسنة الثانية أو الثالثة أي في سن الزواج. وإلي الآن لم يخذ بها. وتحدثنا كثيرا في وسائل الإعلام عن أهمية إضافة هذا المنهج في مرحلة التعليم الثانوي بأنواعه ولن نستطيع مخاطبة وزارة التربية والتعليم بذلك رسميا لأنه ليس لنا صفة أو سلطة عليهم خارج نطاق مرحلة رياض الأطفال. المثير للتعجب أن هذا العلم موجود ببعض الدول العربية ودول الخليج ونحن مازلنا ننادي به حتي الآن… ولا حياة لمن تنادي!!.
نحن في حاجة شديدة لدراسة هذا العلم حيث إننا نطلق تساؤلات بسيطة جدا عن تربية الأطفال من أشخاص ذوي مراكز علمية مرموقة ولكن ليس لديهم فكرة عن الأساليب العلمية الحديثة للتربية. كما أن هذا العلم من شأنه الحد من المشاكل التي نواجهها مع الأبناء وأيضا لتلك التي تحدث لهم وهنا نحقق مبدأ الوقاية خير من العلاج.
أما عن عدم قيام كلية رياض الأطفال بإتاحة الدورات التدريبية لتأهيل الآباء فقالت د. مني إنه لم يصلنا طلبا واحدا من أي شخص لعقد مثل هذه الدورات ولكننا علي استعداد تام لعقدها إذا استشعرنا وجود طلبا ولو قليلا عليها.
هناك أيضا دورا علي وسائل الإعلام يتمثل في زيادة عدد البرامج الإعلامية المتخصصة والدورية التي تتحدث فقط عن تربية الأبناء وستكون مجدية جدا وستصل لكل الفئات. فمسئولية تأهيل الوالدين تقع علي المجتمع كله.