انتقد مثقفون وحقوقيون وأقباط استمرار بعض التيارات والشخصيات في استخدام الفتاوي الدينية في العملية الانتخابية مع قرب الانتخابات البرلمانية مطالبين الحكومة والجهات الإشرافية باتخاذ إجراءات صارمة لتطبيق القانون علي المخالفين لاسيما أن هذه الدعاية والفتاوي من شأنها ترسيخ التمييز الديني رغم صدور مرسوم قانون بتجريم التمييز إلا أنه لم يدخل إلي حيز التنفيذ بعد.
فمازالت بعض التيارات الدينية تستخدم شعار ## الإسلام هو الحل ## كما ظهر واضحا علي المنشآت العامة بالفيوم والإسكندرية رغم حظر قانون الانتخابات لهذه الشعارات في حين ذهب بعض شيوخ مثل الشيخ محمود عامر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية بمحافظة البحيرة إلي حد تجريم التصويت في الانتخابات للمسيحيين, والعلمانيين والليبراليين والمسلم الذي لا يصلي,وقوله بأن التصويت لهم حرام شرعا, وهو ما لقي استياء شديد وسط الساسة والأقباط لخطورة هذه الفتاوي علي مستقبل الديمقراطية في مصر معتبرين أن هذه الفتوي تهدف إلي الفتنة والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد, خاصة أن صاحبها عرف عنه إصداره فتوي قبل ثورة 25 يناير بأسابيع حرم فيها التظاهرات ضد الرئيس السابق حسني مبارك كما أنه أصدر فتوي أخري تحرم أيضا محاكمة مبارك.
وكان عدد من قيادات الدعوة السلفية قالوا إن التصويت للمرشح الذي يعترض علي تطبيق الشريعة الإسلامية يدخل في باب الشهادة الزور, وهي من أكبر الكبائر, وبررت القيادات خوض السلفيين الانتخابات رغم الفتاوي السابقة,بتجريم ممارسة السياسة بأن هناك ضرورة في دخول السلفيين البرلمان حتي لا يتم ترك إدارة البلاد للعلمانيين والليبراليين, وكذلك من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله عند إعداد الدستور.
كما أعلن القيادي السلفي سلامة عبد البديع المرشح عن دائرة بني سويف أثناء مؤتمره الشعبي أن التصويت لمرشحي حزب النور صدقة جارية ثوابها يصلك لمئات الأعوام أما عدم التصويت للحزب فهو سيئة جارية ذنبها يبقي لمئات الأعوام.
الدكتور علي أبو الحسن رئيس لجنة الفتوي في الأزهر سابقا اعترض علي هذه الفتاوي وقال إن استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية لا يجوز, مشيرا إلي أن من يستغل الشريعة من أجل مصالح سياسية دنيوية آثم. وقال أبو الحسن إن الانتخابات عملية سياسية, لا يجب إقحام الدين فيها, فلا يجوز إطلاق الفتاوي التي تحض الناس علي التصويت لمصلحة شخص دون الآخر , مشددا علي ضرورة حض الناخبين علي التصويت للأصلح, بغض النظر عن ديانته أو لونه أو جنسه, وحذر أبو الحسن من الفتاوي التي تصدر ضد فئة معينة من المصريين, لاسيما الأقباط, معتبرا أنها قد تؤدي إلي الفتنة, وحرق النسل والزرع.
وانتقد الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق فتوي تحريم التصويت للأقباط والليبراليين واصفا إياها بـالنكتة, وقال إن هذه الفتوي لا أصل لها من الدين والعلم, وأنها تتناقض مع كافة الشرائع, مؤكدا أن الكثيرين يتصدون للفتوي بغير علم وهؤلاء لا يجب أن يستمع إليهم أحد و الليبرالية لا تتعارض مع الإسلام فهي معناها التعددية والحرية وقبول الآخر وأيضا هي لا تقتضي الخروج علي الشريعة.
وقال الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, والمرشح علي قائمة الكتلة المصرية بشمال القاهرة أن هذه الفتوي تخالف قانون الانتخابات الذي يحظر استخدام الشعارات الدينية كما أنها تخالف الدستور المصري وهو أمر من شأنه تهديد العملية الديموقراطية ووحدة وسلامة المجتمع .
في حين يري عادل الضوي القيادي البارز بحزب التجمع أن هذه الفتاوي من أخطر ما يهدد مستقبل السياسة المصرية والديموقراطية بوجه عام والأقباط بوجه خاص لأنه يتعمد مخاطبة مشاعر البسطاء باللعب علي أمور دينية.
وأضاف أن هذه الفتاوي والدعاية الدينية يجب أن يطبق عليها القانون من خلال اللجنة المشرفة علي الانتخابات والتي تحظر الدعاية الدينية وتطبيق قانون تجريم التمييز لأن هذه الفتاوي تدخل في إطار التحريض ضد طائفة من طوائف الشعب , كما أنه يستخدم الدين في غير موضعه لأن الدين من الثوابت ولا يجب استخدامه في السياسة ويجب علي الشعب ألا ينخدع كما حدث في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية.
يتفق مع الرأي هاني لبيب الكاتب والباحث الذي يري أن الفوضي القانونية والاجتماعية أدت إلي حالة من الهيمنة لشيوخ التطرف في مغازلة الإسلاميين في محاولة لاستقطاب مزيد من البسطاء والتيارات الإسلامية بتوظيف الدين وربط الانتخابات بمبادئ الثواب والعقاب والجنة وهذه الورقة يتم استخدامها حينما تشعر التيارات الإسلامية بضعفها وقلة شعبيتها فتبدأ بمخاطبة البسطاء باسم الدين.
وطالب الدكتور منير مجاهد منسق جماعة مصريين ضد التمييز الديني بضرورة تطبيق القانون علي الدعاية والفتاوي الدينية لأنها تمثل خطرا علي مستقبل المواطنة والتعايش وترسخ التمييز علي أساس الدين وتزيد من الاحتقانات في وقت تعرضت فيه مصر لإدانة دولية بسبب انتهاك الحريات الدينية.
أما محمود علي الباحث بجمعية تنمية الديمقراطية يؤكد أن هناك أزمة داخل المؤسسة الرسمية للدولة لغيابها عن مراقبة وتفعيل القوانين وهذا ما يؤكد أننا لا نعيش أزمة تشريع قوانين بل أزمة تفعيل القوانين لترك حالة الانفلات من جانب التيارات التي مازالت تخطيء في حق الدين بتوظيفه في أمور لا يصح أن يدخل فيها ويؤثر علي العملية الديمقراطية ويخل بمباديء المواطنة ويدخل في إطار التحريض المباشر ضد الأقباط والليبراليين وهذا سيجعل من البرلمان المقبل برلمانا دينيا لا يعبر عن طوائف الشعب.