جاء حكم المحكمة الإدارية بتحويل القضايا المتعلقة باللجنة التأسيسية إلي المحكمة الدستورية ليزيد الموقف تأزما حيث شعرت المحكمة الإدارية أن هناك صراعا سياسيا حول الدستور فأراحت نفسها بتصدير المشكلة للمحكمة
جاء حكم المحكمة الإدارية بتحويل القضايا المتعلقة باللجنة التأسيسية إلي المحكمة الدستورية ليزيد الموقف تأزما حيث شعرت المحكمة الإدارية أن هناك صراعا سياسيا حول الدستور فأراحت نفسها بتصدير المشكلة للمحكمة الدستورية العليا.
والحقيقة هي أنه عندما يكون هناك صراع سياسي حول الدستور فأنه يفقد معناه كونه وثيقة توافقية تكتب لصالح الوطن وليس لجماعة سياسية أو حزب أو فصيل سياسي,والأفضل تأجيل كتابة الدستور عن طبخه لجماعة معينة, فقد قدمت مسودة يوم 10 أكتوبر وبعد أقل من أسبوع وقدمت مسودة أخري يوم 14 أكتوبر, ولكن الدكتور جابر نصار عضو اللجنة التأسيسية قال أن هذه المسودة تم تعديلها ثلاث مرات ولم تقدم للناس, وربما في خطتهم تقديم النسخة كاملة وتعجيل الاستفتاء عليها من دون خضوعها للحوار الوطني.
جاءت مسودة الدستور تعكس الحالة السياسية في مصر, فمن يتأمل المشهد السياسي يجد كل مساوئ عهد مبارك مضافا اليها مساوئ الدولة الدينية والتطرف الديني, ونفس الكلام حدث في مسودة الدستور, فقد جاءت حاملة لكل مساوئ دستور 1971 مضافا إليها مساوئ الدولة الدينية, حتي أن تفريغ المبادئ الدستورية من مضمونها بإحالتها للقوانين ذكرت 59 مرة في مسودة الدستور وهو نفس العيب الجسيم الذي كان في دستور .1971
سنركز في هذه المقالة علي ملامح وسمات الدولة الدينية كما جاءت في مسودة الدستور,ففي المادة الأولي مصر هي جزء من الأمتين العربية والإسلامية!! ولكنها تعتز فقط بإنتما~ها لافريقيا ولحوض النيل, رغم أن العكس هو الصحيح, فمصر جزء من أفريقيا وحوض النيل بينما ينتمي إلي الأمتين العربية والإسلامية. تأتي المادة الثانية كما هو معروف كعصب للدولة الدينية كما كانت في دستور 71 ولكن أضيف إليها مادتان كارثيتان وهما المادة (221)والتي جعلت الفقه والتراث الإسلامي كله هو مصدر التشريع, والمادة (4) والتي جعلت تفسير هذا الفقه وهذا التراث منوطا به هيئة كبار العلماء بالأزهر علي غرار هيئة تشخيص مصلحة النظام بإيران, وقد صدق الفقيه الحقوقي الكبير الأستاذ عبد الله خليل بقوله أن هذا الدستور جمع أسوأ ما في الدستور الإيراني والدستور الباكستاني والفقه الوهابي البدوي السعودي.
المادة الثالثة أعطت للمسيحيين واليهود الحق في أحوالهم الشخصية واختيار قيادتهم الروحية , وهي حقوق مقررة منذ صدر الإسلام, وحجبت ذلك عن باقي الديانات!!. وفي المادة الرابعة الخاصة بالأزهر اعطاه الدستور حق التمويل من ميزانية الدولة من أجل نشر الدعوة الإسلامية عالميا,كما أن هيئة كبار العلماء به هي التي تفسر للسلطات الثلاثة كل ما يتعلق بالشريعة, والخطورة في هذا ليس فقط تقييد المشرع برؤية الأزهر ولكن الأخطر شبهة تحويل القضاء إلي قضاء شرعي, حيث ينتظر القاضي رأي الأزهر في معظم القضايا المطروحة عليه.
المادة (6) تفرغ الديموقراطية من معناها ومضمونها بتقييدها بالشوري,وأيضا اعطت هذه المادة شرعية لقيام أحزاب دينية.
المادة (37) تقول أن ##حرية الاعتقاد مصونة##, وكانت في مسودة 10 اكتوبر بنص ##حرية الاعتقاد مطلقة##, وهناك فرق شاسع بين كلمة مطلقة ومصونة, ولكن المادة لم تكتفي بهذا بل اضافت ## وتكفل الدولة حرية إقامة دور العبادة للأديان السماوية الثلاثة علي النحو الذي ينظمه القانون##,وهذا النص الشاذ يقيد حق الاعتقاد بما يعرف بالأديان السماوية التي يعترف بها الإسلام فقط, بل أن المتطرفين قد يطعنون في اليهودية والمسيحية بزعم أنها حرفت,أما ترك حرية بناء المساجد والكنائس للقانون فهذا يعني استمرار الوضع القائم, فلن يصدر قانون أبدا يساوي بين المسجد والكنيسة ومن ثم سيستمرون في اعتماد الخط الهمايوني والشروط العشرة المجحفة كقانون, في حين سيستمر إطلاق وتيسيربناء المساجد. المادة (68) فتدمر المساواة بين الرجل والمرأة بتقييد حقوق المرأة بالشريعة الإسلامية وما يترتب علي ذلك من تطبيق رؤية الفقه الجائر علي حقوق المرأة.فإذا أضفنا إلي ذلك مادتين وضعتا بخبث شديد لتحديد هوية الدولة الدينية وهما المادة (222) التي تجيز نقل العاصمة من القاهرة والتي فسرها الفقية الحقوقي عبد الله خليل بأن واضعيها فكروا في دولة الخلافة واحتمال نقل العاصمة إلي اسطنبول مثلا أو إلي القدس كما قال صفوت حجازي بأنها ستكون عاصمة الخلافة,أما المادة (223) فتجرد الدستور من تحديد هوية الدولة وتعطي للأغلبية البرلمانية حق تحديد علم الدولة وشعاراتها وأوسمتها وخاتمها ونشيدها الوطني,أي أن كل ما يتعلق برموز هوية الدولة ترك في يد الأغلبية البرلمانية المتوقع أن تكون إسلامية… فنكون بذلك أمام تخطيط واضح للدولة الدينية هوية وقوانين وقضاء ورقابة دينية وعاصمة وثقافة.
والأخطر من ذلك خلو مسودة الدستور كلها من كلمة واحدة عن الدولة المدنية ,كما أنها تخلو تماما من أي اشارة إلي مواثيق حقوق الإنسان الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الأقليمية كمرجعية دولية للحقوق والحريات.
إذا مر هذا الدستور الكارثي سيترحم الناس علي دستور 1971 بعد أن كان المأمول كتابة دستور حداثي علي قرار دستور .1954