مازلنا نحبوا في خطواتنا المتعثرة نحو إصلاح شئون التعليم. التعليم الذي بدونه تفقد الأمة أساس نهضتها وتقدمها ورفعة أمرها, كلما خطونا خطوة تعثرت أقدامنا ورجعنا إلي الخلف. تعددت وتوالت الأحداث في شأن التعليم وتوالي وزراء التعليم وزيرا يليه آخر ولكل واحد منهم وجهة نظر ورأي وخطة لإصلاح أحوال التعليم المتدهور, وتختلف رؤية الوزير التالي له ويختلف رأيه وخطته لإصلاح التعليم, ولا ينصلح حال التعليم, فليس هناك خطة ثابتة ورؤي محددة وثابتة يركن إليها المعنيون بشئون التعليم تحدد الخطوات الثابتة التي تقود إلي الارتقاء بالتعليم, واعتبار أن العملية التعليمية ليست هي المدارس والأبنية وليست هي الكتاب المدرسي أو المقررات داخل هذا الكتاب وتنقيتها من اللغو والحشو والنصوص التي لا تبني بل تقود إلي الهدم, إنما الذي يؤثر في العملية التعليمية إلي جانب كل ذلك هو العنصر البشري: الإنسان, المعلم, المربي, المهموم بالقيام بواجبه علي أفضل وجه. ثم التلميذ والطالب الذي يحمل حقيبته ويسعي إلي مدرسته من أجل العلم والتعليم, والبيئة التي ولد فيها الطفل وتربي وتشرب الأفكار وترسب في عقله أهمية التحصيل والتعليم وجدية ذلك والرغبة الحقيقية في التعليم والاستفادة والتحصيل واحترام المدرس أو المدرسة التي سوف يتلقي منها العلم.
والخطر الحقيقي أن كثيرا من هذه القيم تحلل وتلاشي واختفي وتحول التعليم داخل المدارس إلي عملية مظهرية ومجرد مظاهر ومناظر وشكل للتعليم, ولنبدأ بالمدرس وهو الأساس, ولابد أن يقوم بالعملية التعليمية مدرس مؤهل وتربوي تم تأهيله وتدريبه علي القيام بمهمته التعليمية, وأن يحدد له كادر محترم يمكنه من أن يعيش حياة كريمة تحميه من ذل الحاجة والاحتياج وتدفعه إلي احترام دوره التربوي فيشرح الدروس بإخلاص وضمير واحترام لذاته وإيجاد علاقة طيبة بينه وبين التلميذ أو الطالب الذي يلقي عليه الدرس.
أما التلميذ أو الطالب فلن يفلح إلا إذا كان طالبا للعلم والمعرفة بالفعل, محترما للمدرس الذي يتلقي علي يديه العلم, مصغيا راغبا في الاستفادة, فالمدرس ليس عدوه أو غريمه, إنه في منزلة الأب أو الأخ الأكبر وذلك إذا كان قد تربي علي احترام الأب والأخ الأكبر بالفعل وتعود أن يستمع إلي إرشادهم ويقدر ما يبثونه في عقله من قيم ومبادئ وأفكار بناءة.
ولكن تعالوا لنري ما الذي يحدث في مدارس اليوم, الكثير من المدرسين غير مؤهلين تربويا وعشرات المدرسين معينون مؤقتون بالحصة أو الشهر والمرتبات متدنية رغم الكادر الذي تحقق لبعضهم, والمدرسون بعضهم أو معظمهم لا يهمهم في قليل أو كثير هل يفهم التلميذ الشرح أو يتابع بالفعل ويستفيد؟!, ويؤجل الشرح والتعليم إلي المجموعة الدراسية وإلي الدرس الخصوصي الذي أصبحت الحصة الواحدة فيه بأكثر من خمسين جنيها, ويكتفي ببضع ورقات يلخص فيها المنهج وطرق الإجابة ليستطيع الطالب أن يضعها في ورقة الإجابة يوم الامتحان, وينجح وينتقل إلي السنة الدراسية التالية, وقد نسي كل شئ عن السنة التي مضت, ولم يعد بين المدرس والطالب أية علاقة إنسانية أو احترام حقيقي.
أما الطالب فهو يكتفي بأنه اصطاد النجاح, ولا يهمه إذا كان استفاد شيئا مما سبق أن صمه وحفظه عن ظهر قلب, المهم أنه نجح وغالبا أنه لجأ إلي الغش بشكل أو بآخر, وتتوالي السنوات والنجاح أو الفشل دون استفادة حقيقية من الدراسة بل إن الكثير من التلاميذ والطلبة لا يذهبون إلي مدارسهم إلا قليلا لإحساسهم بأنهم لا يأخذون استفادة حقيقية من ذهابهم.
وتظل العملية التعليمية الصورية مستمرة وكله تمام, والتعليم في تدهور متقدم إلي الخلف.
أما العنف والعنف المضاد داخل أسوار المدارس والحوادث المرعبة فله حديث آخر.