بالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما, شكلت الأيام القليلة الماضية دفقا من المتاعب. فقد بذل جهدا إضافيا لمساعدة العائلات الأمريكية علي تجنب المزيد من إخطارات حبس الرهن, وكذلك توالت جهوده في اتجاه زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان, وتبني قمة الوظائف.
وتلت ذلك جولة في مين ستريت لمواصلة الدفع في اتجاه فرص العمل. ويتزامن ذلك مع صريحات بن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي, المواكبة للتجديد له لفترة ثانية في منصبه, والتي يذكرنا بها بأن وول ستريت تم إنقاذه, حتي وإن كان مين ستريت يغرق. ويتعين علي المرء أن تكون له أعصاب قوية لكي يتعامل مع هذا كله.
وهناك مفارقة يمكن أن تكون بالغة الدلالة. فقبل إعلان الرئيس أوباما عن نواياه بصدد زيادة القوات الأمريكية في أفغانستان, أشارت التقارير إلي إرسال 30 ألف جندي إضافي للقتال هناك. وتقدر الإدارة الأمريكية أن الوصول إلي ذلك, يعني تكلفة قدرها مليون دولار للجندي الواحد سنويا, وهو ما يعني التزاما إضافيا قيمته 30 مليار دولار سنويا, علي امتداد مدة تتراوح بين ثماني إلي عشر سنوات مقبلة.
وهو ما يعني أن الولايات المتحدة ملزمة بإنفاق حوالي تريليون دولار علي الحرب في أفغانستان, خلال السنوات العشر المقبلة.
ويقول مستشارو الرئيس إنه ينبغي أن يركز علي تقليص العجز في خطاب حالة الاتحاد الذي سيلقيه في يناير المقبل, وأن أمريكا لا تستطيع التعهد بالتزامات جديدة في ما يتعلق بتوظيف الوظائف.
ويشن المحافظون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي معا, حملة من أجل التخفيضات الفورية في الإنفاق, حتي وإن كان شطب الوظائف يتسع نطاقه. ومن شأن ذلك أن يترك الرئيس أوباما في وضع يشير معه إلي أن الحكومة الفيدرالية قد بذلت ما في وسعها, وأن الاقتصاد ينمو, وأن القطاع الخاص هو الذي يتعين عليه أن يوفر الوظائف.
دعونا ننسي ذلك. إن الولايات المتحدة تواجه متاعب جمة, حيث إن 49 مليون أمريكي لا يتمتعون بالأمن الغذائي.. بمعني أنهم يتعرضون للجوع بانتظام. وهناك 36 مليون أمريكي يتلقون في الوقت الحالي كوبونات الطعام, للمساعدة في تغذية عائلاتهم. وهناك 17 مليونا يعانون من البطالة أو البطالة الجزئية. وتعرض أصحاب ثلاثة ملايين منزل لحبس الرهن هذا العام.
وحبس الرهن يتصاعد, ليس بسبب القروض المبالغ فيها, وإنما لأن عائلة من كل ثلاث عائلات فقدت عملها. بل إن الاقتصاديين الذين يستعين بهم الرئيس أوباما, يشيرون إلي أن البطالة ستظل عند مستويات غير مقبولة, أي في حدود ما يزيد علي 8%, علي امتداد السنوات المقبلة.
والاقتصاد الأمريكي ربما ينمو في الوقت الراهن, ولكن الأمريكيين لا يشهدون التعافي. فنحن لا نزال ننزف الوظائف والبيوت, وخطوط الائتمان يتم إيقافها, والرعاية الصحية يتم حجبها, والطلاب يجبرون علي التوقف عن الدراسة, والفصول تزداد ازدحاما.
يتعين علي الرئيس أوبأما أن يدرك نطاق الأزمة, لا أن يقلل منها, وأن يصعد جهوده للتعامل معها, ولا بد له من التحرك بجرأة وعلي نطاق يتفق مع حجم المشكلة.. أولا, عليه أن يستهدف مناطق الألم. فعلي نطاق وقت أطول مما ينبغي, ركز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والخزانة الأمريكية علي مناطق الكسب, وقام بري أوراق التكهن بينما ذبلت جذور الاستثمار.
ووول ستريت يدفع الآن المكافآت, ولكن البنوك الكبري لا تزال محجمة عن إقراض الاقتصاد الحقيقي. ونحن بحاجة إلي برامج وظائف مباشرة ومستهدفة.. وبحاجة إلي التصدي لحبس الرهن وطرد السكان من منازلهم. وقد آن الأوان للتركيز علي مساعدة من كانوا ضحايا الأزمة, ولم يكونوا سببا لها.
ثانيا, لا بد من دعم القانون وفرضه. فهذه الأزمة وقعت في المقام الأول بسبب الإقراض المتوحش والمراهنة غير الحقيقية, وكل ذلك جري الاحتفاء به, وليس التصدي له عبر رجال الأمن.
وتم تجاهل القوانين المضادة للتمييز في الإقراض, كما تم تخفيف تأثير قوانين حماية المستهلك, بينما شق القائمون بالإقراض طريقهم علي أسس استغلالية. وحتي اليوم تقوم المصارف بفرض رسوم جديدة وبمعدلات فائدة عالية, علي بطاقات الائتمان من طرف واحد. وقامت الإدارة الأمريكية بصورة رشيدة, بالدعوة إلي وكالة جديدة للحماية المالية للمستهلك.
ولكن بينما يضغط اللوبي المصرفي علي الكونجرس, يتعين علي الإدارة الأمريكية أن تستخدم سلطاتها لفرض القانون.
ثالثا, يتعين إيقاف اقتصاديات العمل بالقطارة, وبدء الاستثمار في الناس. فلا بد من تقديم العون للمدن والولايات التي تواجه عوائد متقلصة ونفقات متزايدة. وعلينا أن نتيح العمل للشباب, وأن نجعلهم يبقون في مدارسهم. علينا تحقيق التزام جديد بإعادة بناء أمريكا.. بما في ذلك الطاقة الجديدة والبنية التحتية للقرن الحادي والعشرين, والاستثمار في الأبحاث والتنمية.
وعلينا أن نجمع ذلك مع السياسات التي تضمن أن أموال دافعي الضرائب, سوف تأتي بوظائف في أمريكا وليس في الصين. علينا أن نتحدي من يقفون في الحزبين الجمهوري والديمقراطي أمام تنفيذ هذه البرامج.
لقد وجدت أمريكا وهي في ذروة ثروتها خلال رئاسة ليندون جونسون, آخر الرؤساء الليبراليين العظام, أنها لا يمكنها أن تشن حربا علي الجانب الآخر من العالم, وأن تبني مجتمعا عظيما داخل الوطن, حيث ضاعت حرب جونسون علي الفقر داخل أدغال فيتنام.
والآن تتعرض أمريكا للدمار, وتتهاوي بنيتها التحتية, ويتم تحويل صناعتها إلي الخارج, ويتم تأجيل الاستثمارات الحيوية في مستقبلها لسنوات عديدة.. ألم يحن الأوان لبناء أمريكا؟
عن البيان الإماراتية