قامت التجربة الأمريكية علي فلسفة واضحة أن أمريكا بوتقة انصهار للمهاجرين ومن خلال الثقافة والقيم الأمريكية يبدأ المهاجر تدريجيا الإندماج في البوتقة بحيث يخرج بعد عدة سنوات جزءا من العالم الجديد بدرجات مختلفة حسب
قامت التجربة الأمريكية علي فلسفة واضحة أن أمريكا بوتقة انصهار للمهاجرين ومن خلال الثقافة والقيم الأمريكية يبدأ المهاجر تدريجيا الإندماج في البوتقة بحيث يخرج بعد عدة سنوات جزءا من العالم الجديد بدرجات مختلفة حسب سرعة استيعابه لهذا العالم, ولكن بالنسبة لأبنائهم فهم بلا شك سيخرجون كجزء أصيل من هذه التجربة ثقافيا وقيميا.
في العقود الأخيرة تغيرت الفلسفة الأمريكية من بوتقة الانصهار إلي تمجيد التنوع كقوة للمجتمعات, ومع وجاهة مقولة ##التنوع قوة## إلا أنها كانت لها آثارها السلبية علي أمريكا والغرب, كانت الفلسفة الجديدة قائمة علي تشجيع التنوع الثقافي للمهاجرين مع تعليمهم القيم الأمريكية والغربية, ولكن للأسف فإن هذه الفلسفة تضخمت أثارها السلبية بشكل كبير في ظل العولمة وذلك لتداخل الثقافي والديني مع القيمي, وأصبح الكثير من المهاجرين معزولين في ##جيتوهات## ثقافية وقيمية ولغوية أيضا, فهناك مناطق داخل الولايات المتحدة اللغة الأولي فيها الإسبانية, وهناك مناطق أصبحت تعيش وكأنها في بلدانها الأصلية, ولم تكتف هذه ##الجيتوهات## بالإنحراف عن القيم الغربية فقط ولكنها أصبحت تعادي هذه القيم.
وإذا استمر التنوع والتفتيت بهذا المعدل ستتحول أمريكا خلال عدة عقود إلي جزيئات متنافرة لا يربطها سوي صرامة تطبيق القانون, فقد حمل المهاجرون القيم السلبية من مجتمعاتهم الاصلية ولم تنجح قيم المجتمعات الجديدة ولا صرامة القانون في جعلهم يتخلون, وتدريجيا بدأ الفساد يتزايد. وتعدي الموضوع إلي مسألة الفرص المتساوية التي كان يتيحها المجتمع الأمريكي, لم تعد الفرص متساوية كما كان في السابق, فمن الصعب الحصول علي وظيفة بدون توصية, ودخلت المحسوبية والوساطات في الوظائف, فالهندي يميل للتوسط للهنود واللاتيني يفعل نفس الشئ والمسلم يقوم بالشئ نفسه.
وصلت الآثار السلبية إلي درجة أخطر من هذا, فهناك أحياء في أوروبا يخشي المواطنون الاصليون من الدخول فيها خوفا علي حياتهم مثل سكن المغاربة والجزائريين في ضواحي باريس والجيتو المسلم في بلجيكا وبعض الشوارع التي يسكنها مسلمون في الدول الاسكندنافية.
الأخطر أن التواصل الثقافي والقيمي مع المجتمعات الأم وصل إلي الجيل الثاني, فهناك ما تسمي ظاهرة التطرف الجهادي لدي بعض المولودين في أمريكا وبعض أبناء الجيل الثاني من الباكستانيين في بريطانيا…. وصلت الأزمة إلي أن المنظمات الإسلامية في الغرب تطالب رسميا بتطبيق الشريعة علي الجاليات المسلمة, وقد دفع هذا التخوف بعض الولايات الأمريكية لعمل استفتاءات رسمية لحظر تطبيق الشريعة الإسلامية.. ولكن في نفس الوقت وخوفا من الإرهاب طالبت بعض الشخصيات الغربية البارزة بتطبيق الشريعة علي الجاليات المسلمة كحل لمشاكلهم (كما اقترح رئيس أساقفة بريطانيا) وإذا تم ذلك في المستقبل فمعني ذلك التضحية بآخر رابط يلملم هذه الجزيئيات المختلفة وهو سيادة القانون.
الهوس الأمريكي بفكرة التنوع جعلها تصل إلي هذه الحالة, فكل شئ يزيد عن حده ينقلب إلي ضده, ورغم وجاهة وصحة مقولة ##التنوع قوة## إلا أنه عند نقطة معينة يكون التنوع ضعف وخطر علي المجتمعات.