جاء قرار تنحي حسني مبارك عن منصبه كرئيس لمصر الأول من نوعه ليصبح الحلم حقيقة بوجود الرئيس السابق علي أرض مصر كانتصار لانتفاضة شعبية حقيقية غيرت من مشهد الحياة السياسية بشكل عام. ويصبح الأمر ممكنا بعد ما بات مستحيلا لعقود طويلة استسلمنا فيها لسيناريو الرئيس الراحل -مهما كانت فترة ولايته- ليتكرر ذلك المشهد ثانية لمجئ آخر وما كان علي الشعب إلا الخضوع والانتظار للرحيل حتي يتسني التغيير.. هنا كانت النهاية الحاسمة ليسدل الستار في الحادي عشر من فبراير الجاري. ويبدأ تداول السلطة بإرادة الشعب كصفحة جديدة تسطر فيها رأيه تقرير المصير نحو التنمية والاستقرار..
تري ما المشهد السياسي بمصر بعد إدخال مفهوم الرئيس السابق؟, وهل من منهجية لتداول السلطة في كافة الهيئات والمؤسسات علي مستوي الوطن كله فيما بعد؟
منهجية لتداول السلطة
قال حمدي الأسيوطي أمين الحريات بحزب التجمع والمحامي بالنقض: ما قام به شباب 25 يناير بعد تنظيمهم عبر الفيس بوك والذي تعاملت معهم الجهات السياسية بمصر باستهانة شديدة استطاعوا من خلاله تحقيق ما عجزت عنه الأحزاب لعقود طويلة من تغيير منظومة سياسية كاملة ولا سيما وجه التاريخ بأكمله وبمصر, وإذا ما استمرت الثورة بذات الحماس والإصرار بالتأكيد سيصبح لدينا ديموقراطية حقيقية تسمح بوجود رئيس جمهورية سابق.
أضاف الأسيوطي: لقد أصبحنا علي أعتاب دولة جديدة ومسألة وجود الرئيس السابق ستصبح منهجية لتداول السلطة داخل النقابات أو الهيئات أو الأحزاب, الكل ينتفض من أجل التغيير ومحاربة الفساد.
أهمية تعديل الدستور
اتفق مع الرأي السابق أمينة شفيق الكاتبة الصحفية التي قالت: محمد نجيب هو أول رئيس سابق لمصر لكنه لم يأخذ حقه كما يجب ليصبح حسني مبارك هو أول رئيس سابق من وجهة نظر المصريين لكونه الشخصية التي ظلت في الحكم مدة 30 عاما, وما يدعني قوله أنه من خلال ما حدث مع الرئيس السابق حسني مبارك سيتخذ موقف حاسم تجاه مسألة تولي رئيس ما للحكم لأكثر من فترة وهو ينطبق علي رؤساء هيئات وأحزاب, وهنا يتأكد لنا أهمية تعديل الدستور بما يسمح من خلاله بفكرة التعددية وتداول السلطة ووجود نظام برلماني حقيقي يثري هذا المبدأ.
الرئيس المتنحي
أوضح مجدي حلمي نائب رئيس تحرير الوفد والناشط الحقوقي: فكرة الرئيس السابق تطلق علي من هو في تداول سلطة أو وفق انتخابات حرة نزيهة, وبالتالي من يترك السلطة بإرادته هنا يسمي بالرئيس السابق وهو علي خلاف ما حدث مع مبارك باعتباره الرئيس المتنحي نتيجة لاشتعال ثورة أمام رئيس ظالم جعلته يتخلي عن منصبه ليصبح أول رئيس مصري يترك السلطة رغما عن إرادته وهو علي قيد الحياة بعدما كانت السلطة في يد رئيس واحد حتي يوم رحيله.
الرئيس الأوحد !
أكد سعيد عبدالحافظ رئيس مؤسسة ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان: بحق تعد تجربة جديدة فلأول مرة يتعامل الشعب المصري مع الرئيس السابق إلي الحد الذي تجدنا فيه الآن يصعب علينا ترديدها لكونها غريبة وجديدة علي مجتمعنا, وفي تقديري أن السلطة السياسية في مصر كرست مبدأ وجود الرئيس الأوحد في أغلب الهيئات وبمجرد نجاح الانتقال السلمي للسلطة, فإن الأمر سينعكس تدريجيا علي باقي مؤسسات المجتمع بأكمله لتصبح منهجية واضحة لتداول السلطة.
يختاره .. يحاسبه .. يغيره
ألقي محمود أباظة رئيس حزب الوفد السابق الضوء علي ذلك فقال: ما حدث يفرض علي مجتمعنا التطور والاتجاه نحو الحداثة من خلال فكرة تداول السلطة وشغل المناصب لمدة محددة مع توالي الأجيال وهي مسألة طبيعية كان علينا أن نخطوها منذ سنوات لكن ما كنا نعيشه هو حالة استثنائية, فأي منطق يقبل بأن يحكمنا رئيس واحد مدة 30 عاما ومن هنا جاء التغيير. والأمر يلزم أن يكون لدينا فكرة الرئيس السابق ووزير سابق ورئيس حزب سابق لينتقل ذلك الفكر لباقي المؤسسات لصالح المجتمع.
قال محمد منيب المحامي والناشط الحقوقي: ما عايشناه مدة 30 عاما من الاستبداد بالسلطة والحرمان من أي حراك سياسي إلا في حدود هامشية كانت تسمح بالتنفيس, وهو ما لم يعد واضحا مقبولا لدي فئات المجتمع بل إنه يمكن القول إن هذا النظام الفاسد هو الذي أشاع الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد, والدليل الأزمة التي مررنا بها تكشف عن المعدن الأصيل للمواطن, فالكل يد واحدة دون تفرقة بين مسلم ومسيحي, إلي جانب ما كان يمارسونه من قهر وقمع لأي حديث متعلق بالإصلاح.