تعد مادة الدايوكسين من الملوثات العضوية الضارة جدا بالصحة, وبكل ما حولنا في الطبيعة, حيث تدخل في نطاق ما هو معروف لدي علماء الطبيعة باسم مجموعة الاثني عشر مكونا الأشد ضررا علي البيئة, وذلك لأنها مادة شديدة السمية, ويمكن تصور مدي السمية الفائقة لمادة الدايوكسين إذا علمنا أن الجرعة المميتة منها تقل عن نصف ميكرو جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم البشري, وهو ما يعادل جزءا واحدا من مليوني جزء من الجرام, ويكفي اللتر الواحد منها لإبادة مليون شخص في الحال وإصابة مليون آخر بالأمراض والعاهات.
وتضم عائلة الدايوكسين حوالي 419 مركبا كيميائيا, ولكن ثبت من التجارب أن منها 30 مركبا فقط له تأثير ضار وسام بنسب متفاوتة وأن أكثرها سمية هو الدايوكسين المعروف علميا باسم تتراكلورو ديبنزوبارا دايوكسين ويشار إليه اختصارا (TCDD).
تنتج مادة الدايوكسين من احتراق المواد الكيميائية التي تحتوي علي مادة الكلور مع المواد الكربوهيدراتية وكمنتج ثانوي للعمليات الكيميائية, حيث تتفاعل المواد الكيمائية التي تحتوي علي عنصري الكلور والأكسجين ويتكون الدايوكسين عند ارتفاع درجات الحرارة وينتشر في طبقات الجو, وعندما تهطل الأمطار تتشبع به البحار والأنهار والتربة الزراعية وينتقل إلي الأسماك والنبات والحيوان واللحوم والألبان والبيض ومنها إلي الإنسان. ويتراكم في النسيج الدهني, حيث يتميز بخاصية التراكم الحيوي.. كذلك يمكن أن ينتج الدايوكسين من مصادر طبيعية مثل البراكين وحرائق الغابات, ومن أمثلة الصناعات التي ينتج الدايوكسين كمخلف منها صناعة الورق وصناعة المبيدات الحشرية. كذلك من أخطر المصادر التي تلوث البيئة بالدايوكسين حرق المخلفات الصلبة مثل العبوات البلاستيكية, حيث يشكل المخلفات الصلبة 95% من الدايوكسين الموجود في الجو.
من ناحية أخري فإن تخزين مخلفات الزيوت المعدنية التي تحتوي علي نسبة مرتفعة من الدايوكسين يتيح الفرصة لانتشار الدايوكسين في البيئة المحيطة, وتلوث الأغذية والأعلاف وتوجد نسبة مرتفعة من الدايوكسين تصل إلي 97% في اللحوم والبيض ومنتجات الألبان, ويرجع ذلك إلي تلوث العلف المستخدم في تربية الدواجن والأبقار وهو ما حدث بالفعل في بلجيكا عندما تلوث الدجاج والبيض بالدايوكسين نتيجة لتلوث العلف الحيواني, وقد تبين في عام 1976 أن مادة (TCDD) موجودة بنسبة قليلة في الجو المحيط بأحد المصانع في إيطاليا نتيجة حريق هائل في هذا المصنع.
وتكمن خطورة تلوث البيئة بالدايوكسين أو دخول مثل هذه المواد الضارة إلي الجسم في أنها تبقي لفترات طويلة, نظرا للثبات الكيميائي الشديد لهذه المركبات, كما أنها تتراكم في التربة الزراعية دون أن تتحلل أو تتغير لعشرات السنين حتي تبدأ في التحلل وتحتاج إلي عشرات أخري من السنين حتي يضمحل أثرها.
ولا يذوب الدايوكسين في الماء, وإنما يذوب في دهون وشحوم الحيوانات التي لا تستطيع التخلص منه بسهولة, مما يؤدي إلي تراكمه ليصل إلي تركيز عالي يزيد علي تركيزه في الجو المحيط به عدة مرات ففي الأسماك الملوثة مثلا نجد أن نسبة الدايوكسين تصل إلي حوالي مائة ألف مرة نسبة وجودها في الوسط المحيط بها (الماء) وهناك بعض الأفراد يمكن أن يتعرضوا إلي جرعات عالية من الدايوكسين, نظرا لطبيعة عملهم أو طعامهم فنجد أن مستهلكي الأسماك في كثير من المناطق في العالم يتعرضون لمخاطر الدايوكسين, وخاصة مناطق صيد الأسماك الملوثة, وكذلك العاملون في صناعة الورق أو في أماكن التخلص من المخلفات, ويمكن القول بوجه عام إن حوالي 90% من التلوث بالدايوكسين أو تعرض الأفراد لمخاطر الدايوكسين هو من خلال تناول المواد الغذائية الملوثة بهذه المادة.
تنتقل مادة الدايوكسين من السيدات الحوامل إلي الأجنة عبر المشيمة, وكذلك من الأم لطفلها عن طريق الرضاعة, وفيما يتعلق أيضا بتأثير الدايوكسين علي صحة الإنسان فقد ثبت أنه بالتعرض لفترات قصيرة وجرعات مرتفعة من الدايوكسين يؤدي إلي الإصابة بمرض حب الكلور والذي ينجم عنه ظهور الخراجات والنتوءات والتقرحات الجلدية الشبيهة جدا بمرض حب الشباب ولكنها في حالة حب الكلور تعم الجسم وتكون مستديمة لسنوات وقد تم التعرف علي هذا المرض عام 1897, كما لوحظ انتشاره في عام 1930 بين عمال رش المبيدات وقد تم معرفة علاقة هذا المرض بمادة الدايوكسين في عام .1960
أما عند التعرض لجرعات عالية من الدايوكسين ولفترات طويلة فإن ذلك يؤدي إلي الإصابة بالسرطان والسكر والتخلف العقلي ونقص المناعة, كذلك نقص في الهرمونات الجنسية.
إن الأشخاص المعرضين لمخاطر الدايوكسين يجب الكشف عليهم من خلال تحديد مدي التلوث في عينات من الدم أو في لبن الأمهات مع متابعة أي ظواهر مرضية أخري قد تظهر عليهم ويتم تحليل العينات الملوثة بالدايوكسين بواسطة أجهزة بالغة التعقيد وباهظة التكاليف ولا تتوفر إلا في عدد محدود جدا من معامل التحليل علي مستوي العالم وهي مشكلة كبيرة يجب حلها.
ولحماية الأفراد من التعرض لمخاطر الدايوكسين ينصح بتناول وجبات غذائية متوازنة تحتوي علي كميات كافية من الخضروات والبقوليات, كذلك التخلص من الدهون الموجودة في اللحوم, وتناول منتجات الألبان منخفضة الدهون مع معاملة الأغذية حراريا بشكل سليم يمكن أن يقلل من مخاطر التلوث بالدايوكسين وتراكمها في أنسجة الجسم, ويجب عدم التخلص من المخلفات الصلبة أو البلاستيكية بطريقة الحرق المكشوف قرب التجمعات السكنية.