في زمن كان يسوده الحب والوئام بين أبناء الأمة ولدت جمعية التوفيق القبطية علي يد مجموعة من الشباب كان يؤرقهم حال البلاد فاجتمعوا بمقهي اللوفر بكلوت بك وكانت بدايتهم صغيرة وهادئة غير أنه سرعان ما تعددت اللقاءات وكبرت الآمال داخلهم فكونوا ناديا صغيرا بدرب الجنينة بعليقة القاضي وفي هذا النادي وضعوا أول نواة لتأسيس جمعيتهم الإصلاحية والتي ليس من أهدافها إعلان العصيان أو التمرد علي السلطات وإنما إشباع رغبات الشعب المصري بأكمله علي أساس الاتحاد الخيري مع بلورة الحركة الوطنية, وبعد فترة وجيزة انتقل الشباب إلي النادي الإنجليزي المصري الواقع فوقبار تيفولي بشارع وجه البركة, وبدأوا بالاجتماع مرتين في الأسبوع في غرفة خصصت لهم مقابل أجر شهري.
اتخذوا لجمعيتهم اسم التوفيقليس تيمنا بالخديوي توفيق وإنما لأنها توفق بين الجميع حاضنة بداخلها نسيج الشعب المصري بأكمله لتسير به إلي الأمام بخطي ثابتة لمستقبل أفضل غير أن الرياح تأتي بما لاتشتهي السفن حيث التهمت النيران بار تيفولي والنادي الإنجليزي والغرفة المتواضعة التي شهدت مولد التوفيق وأتت علي كل شيء من الأثاث والكتب والنشرات ومحاضر الجلسات فكانت صدمة شديدة للجمعية وهي لاتزال في دور التأسيس.
بعد محاولات عديدة حصلت التوفيق علي تعويضا ماليا بلغت قيمته 45 جنيها وهو مبلغ لابأس به في ذلك الوقت فأخذت تنتقل من مكان إلي آخر حتي اشتري لها الدكتور إبراهيم منصور سراي السلحدارببركة الرطلي وهو مقرها الحالي وأوقفها عليها بعد أن رهن أملاكه ضمانا لسداد باقي المبلغ.
عقدت التوفيق أول اجتماعاتها في 24 أغسطس 1891 وكان المؤسسون لها واحد وعشرين عضوا علي رأسهم يعقوب بك نخلةوجبران بك الطوخيوحبشي بك مفتاح,وقاد هؤلاء حركة تنوير هادفة ليس من شأنها انتشال شباب الأقباط فقط وإنما شباب الأمة أجمع, فلاقت قبولا واستجابة وتحولت الجمعية الوليدة فـي غضون أسابيع قليلة إلي جمعية مركزية عريقة تتبعها فروعا في معظم محافظات حتي تجاوز عددها الأربعة عشر فرعا في الوقت الذي لم تكن فيه جمعيات خيرية سوي الجمعية الخيرية الإسلاميةالتي تكونت عام 1870 والجمعية الخيرية القبطيةالمتكونة في 1881 فكانت المرة الأولي التي تقوم فيها جمعية مركزية في هذا الزمن القياسي بتكوين هذا العدد الهائل من الجمعيات الفرعية مما اعتبر حدثا جديرا بالإعجاب أشعل ثورة الإصلاح فتهافت أفراد الشعب علي التوفيق وعقدت الاجتماعات والدراسات لبحث كافة المشاكل التي تؤرق المجتمع مع توضيح أسبابها وكيفية معالجتها.
اعتنقت التوفيق عام 1891 الدفاع عن قضية المدارس القبطية وأطلقت دعوة لتعليم الفتيات ومن هذا المنطلق أقامت الجمعية كلية للبنات عام 1909 كما افتتحت مدرسة للفنون الطرزية لتدريس التدبير المنزلي عام .1939
ورأت التوفيق ضرورة تشكيل مجلس ملي للأقباط وسعيت نحوه حتي نجحت في عودته عام 1892 وفي العام نفسه قادت المدرسة الإكليريكية تحت إشراف الأيغومانوس فيلوثاوس وأطلقت التوفيق دعوة لتعيين رواتب للإكليروس تغنيهم عن مد اليد والاعتماد علي الصدقات.
لإيمانها بتأثير الكلمة في الإصلاح قامت التوفيق بدور مؤثر في ظهور جريدة مصروتسهيلا لطبع الجريدة اشترت الجمعية مطبعة لها عام 1895 وكانت ثالث مطبعة بعد المطبعة الأميرية والمعارف والهلال ونجحت التوفيق من خلالها في إصدار مجلتهامجلة التوفيقلتصبح لسان حال الجمعية وصدر العدد الأول في 8 سبتمبر 1896وكانت توزع علي المشتركين مجانا بخلاف خمسة قروش في العام مقابل نفقات البريد وبلغ توزيعها الأسبوعي 1000 نسخة وهو رقم قياسي في ذلك الوقت وكان العدد الأول حافلا بالدعوة لإحياء اللغة القبطية ونجحت التوفيق من خلالها في إحياء ذكري الشهداء حيث إنها أول من احتفلت بعيد النيروز وذلك في عام 1892, وأصبح ذلك تقليدا سنويا, وحرصت الجمعية علي أن يكون لهذا العيد صفة قومية لتوطيد العلاقات بين أبناء الوطن الواحد فأصبح من التقاليد أن يكون الخطيب من الأخوة المسلمين المشاركين كما وضحت التوفيقالحجر الأساسي لمكتبها عام 1894 وشملت أمهات الكتب والمراجع المهمة.
في عام 1895 قدمت خدمت خاصة بدفن الموتي للفقراء مجانا كما أقامت مستشفي لعلاج غير القادرين مقابل مبالغ رمزية ولتحقيق كل ما ترجو إليه التوفيقولتعذر المال كانت تقيم الليلة التشخصيةوهي عبارة عن حفلة خيرية كانت تقام بدار الأوبرا الخديوية ويحضرها عدد كبير من الفنانين أمثال محمد عبد الوهاب,ومنيرة المهدية,وأم كلثوم,وأمير الكمان سامي الشواوغيرهم من عمالقة الجيل الذين كانوا يتباورون في عمل الخير, فكانت تحقق تلك الليلة فائضا لا بأس به تستعين به الجمعية في تدعيم أوجه أنشطتها ثم استحدثت الجمعية وأقامت سوقا خيرية تضم أشغال يدوية ومعروضات لتلاميذ المدارس وبضائع المحلات التجارية الكبري وأقيمت أول سوق عام 1923 تحت رئاسة الأنبا كيرلس والسيدة صفية زغلول حرم الزعيم سعد زغلول فكانت رئيسة الشرف وحرم مرقس باشا الرئيسة العاملة فكانت مناسبة وطنية تسجل مشاعر عصرية لأمة واحدة.
بزغ منالتوفيقجمعية الشبية المصريةبناديها الوطني واشترك في مجلس إدارتها بعض الأخوة المسلمين أمثال علي باشا رفاعةوسليم باشا حمديوإسماعيل بك عاصمإلي جانب أعضاء جمعية التوفيق.
وهدف هذا النادي إلي توطيد العلاقات وبث روح الألفة بين أفراد الأمة الواحدة من خلال الألعاب الرياضية والأنشطة التنموية.
هكذا استمرت التوفيقتؤدي رسالتها في الإصلاح وتعليم الفتيات ومساعدة الفقراء,فكانت رائدة في شموخها ورسوخها وتمسكها بمصريتها عبر سنوات الزمن الجميل.
المراجع: مجلة التوفيق العدد الأول سنة 1938
مصر والأقباط في مائة عام
رشدي أمين