يطرح هذا المقال سؤالين:
ماهي معوقات حوار الثقافات؟
وكيف يمكن تجاوز هذه المعوقات؟
ثمة مشكلات جديرة بالاهتمام فيما يختص بمعوقات حوار الثقافات,وتأتي في مقدمتها مشكلة الأصولية,أي تناول الحاضر والمستقبل باعتبارهما امتدادا للماضي.وفي إطار هذه الرؤية تطرح الهوية الثقافية في الماضي, وتتحول إلي كينونة متحجرة وغير قابلة للتطو,ويترتب علي ذلك الغياب الكامل لأي نقد ذاتي.ومما يساعد علي هذا الغياب هيمنة المحرمات الثقافية للحفاظ علي التراث الثقافي المقدس دون المساس به.والنقد,في هذه الحالة يوجد فقط إلي ثقافة الآخر إما علي أساس سياسي أو ديني.أو كليهما.هذا بالإضافة إلي النظرة العرقية للثقافة,أو الثقافة بعد أن يتم تفتيتها علي أسس عرقية وإقليمية,استنادا إلي تحيز ثقافي,وثمة عنصر آخر معوق لحوار الثقافات هو التعصب الثقافي الناتج عن التيار الأصولي ويتمثل في أن الثقافة العربية تنطوي علي اكتفاء ذاتي,ومن ثم الرفض اللاعقلاني للحضارة الحديثة.والنتائج المنطقية المترتبة علي هذا الرفض هي استبعاد الحضارة العربية من مسار الحضارة الحديثة.
أما فيما يختص بالسؤال الثاني, وهو عن كيفية تجاوز معوقات حوار الثقافات فمن الممكن صياغته علي النحو التالي:كيف يمكن إقامة حوار بين المجتمعات المتقدمة صناعيا والمجتمعات النامية؟
وفي عبارة أخري,هل من الممكن أن يتبني العالم الثالث,وبالأخص العالم العربي,تكنولوجيا المجتمعات المتقدمة صناعيا,بما فيها التكنيك الأدبي,بمعزل عن القيم الثقافية المرتبطة بهذه التكنولوجيا,وأن يتقدم تقدما حقيقيا بمعني أن يصبح منتجا,وليس مستهلكا للثقافة التكنولوجية؟
كل هذه الأسئلة هي في حقيقتها تدور علي التفاعل بين الثقافات والأساس الذي ينبغي أن يستند إليه هذا التفاعل هو الهويات القومية والثقافية في إطار كوكبي وبمنظور حضاري شامل يدفع نحو الإبداع المستقبلي دون استبعاد الحاضر الذي يتميز بالتناقضات الجدلية التي تحكم العالم المنقسم علي نفسه,ومحاولة تجاوز كل أنواع التقسيمات.
إن الاتصال المبكر بين الثقافتين العربية والأوربية كان خاليا تماما من أية قسمة.مجال الفلسفة والعلم في العصر الوسيط قد برهن علي أن العلماء والفلاسفة العرب كانوا قادرين علي تمثل الثقافة اليونانية وعلي إثراء الثقافة الأوربية في نفس الوقت بمعني أنهم قد أمدوها بمعطيات التطور.
مثال علي ذلك تأويل ابن رشد لفلسفة أرسطو الذي أدي إلي تأسيس مدرسة الرشدية اللاتينية.وقد تكررت هذه الظاهرة في مجالات الفيزياء والطب والرياضة والجبر.
وقد أفضي هذا الاتصال,علي الصعيد الثقافي إلي حركة التنوير الأوربية التي كانت أساس الثورة الصناعية والتحديث بإرسائها قواعد المنهج العلمي العقلاني.وقد كان مثل هذا الاتصال ممكنا في العصر الوسيط حيث كان الإطار المرجعي للثقافتين واحدا,وأعني به الرؤية الكونية الدينية.ولكن بعد حركة الإصلاح الديني انشطر الإطار وافترقت الثقافتان كل في اتجاه معاكس ومضاد للآخر.وقد ساعد نشوء الرأسمالية,التي أفرزت الاستعمار باعتباره ظاهرة اجتماعية اقتصادية سياسية للأيديولوجية الرأسمالية علي توسيع الهوة الثقافية وعلي تدعيم القسمة بين المستعمر(بكسر الميم) والمستعمر(بفتح الميم) أو بين المجتمعات الأوربية وغير الأوربية.
والآن هل, في الإمكان استعادة المنظورة الحضاري المفقود في إطار الثورة العلمية والتكنولوجية؟
الجواب قد يكون بالنفي حيث أن الثورة العلمية والتكنولوجية قد أفضت إلي توسيع الفجوة الحضارية بين الثقافات الأوربية وغير الأوربية.بيد أن مجال الأدب هو أكثر المجالات حيوية لإجراء حوار بين الثقافات من حيث إنه يمكن أن يسهم في إعادة طرح الهوية الثقافية القومية في إطار منظور حضاري شامل.وهذا يستلزم أولا طرح المنظور القومي للهوية بهدف استكشاف مدي إمكانية تكامل الهوية القومية مع المسار الحضاري العام.
ويأتي التنوير في مقدمة الوسائل لتحقيق هذا التكامل الذي يفضي إلي حوار الثقافات.