عندما تكاثرت الأحداث المؤسفة التي تحدث يوميا في المدارس بدأ رصدها بأنواعها المختلفة وإن كانت كلها تتسم بالعنف والغضب والقسوة معا. مدرس يفقد طفلة إحدي عينيها ليس بسبب فهي في حوش المدرسة تشرب. طفل في المرحلة الابتدائية يطعن زميلا في مثل سنه بمطواه. ثلاثة صغار يغتصبون زميلا لهم. مدرس يغتصب طفلا داخل أحد فصول المدرس ويصوره صورا عارية مخجلة ويهدده بالصور حتي لا ينطق ويظل يفعل هذا الفعل الفاضح والمقزز عدة مرات حتي ينكشف الموضوع ولا يستطيع الطفل أن يستمر في صمته. و.. و.. إلي آخر هذه الأحداث المؤسفة التي تتوالي بشكل يدمي. كيف يحدث هذا داخل مدرسة كنا نعتبرها محرابا مقدسا للعلم ونصور المدرس بأنه كاد أن يكون رسولا؟ كيف تحولت الأحوال وانحدرت الأمور إلي حد أن تكون جرائم يندي لها جبين العلم؟!
ولكن البداية لهذا الفساد والتدهور بدأت من الأسرة والبيت حيث تفاقم العنف والغضب والشدة في التعامل بين الوالدين وفلذات أكبادهم. فالطفل الذي يعيش بين والدين يقهرانه بالعنف وسوء المعاملة داخل بيت انعدم فيه الهدوء واللطف وضاعت منه مشاعر الحب ولمسات الحنان والإحساس بالأمن والأمان والطمأنينة وكلمات التشجيع والحث علي الفضيلة, مثل هذا الطفل يشب كارها كل شئ ناقما يتشرب العنف ويهرب من منزله ويتطاول علي مدرسيه مثلما يتطاول علي والديه مستعدا للتعامل بالعنف ويحمل في حقيبته بين كتبه وكراريسه مطواة أو سيفا أو جنزيرا لزوم المواقف التي سوف تواجهه مع زملائه أو مدرسيه لا فرق بين الاثنين, وهو يعرف مقدما أن والده أو والدته سوف تسرع إلي المدرسة حاملة معها غضبها وعنفها لتناصر ابنها أو ابنتها ضد المدرس أو المدرسة التي أذت ولدها وتأخذ حقها بيدها فتضرب وتسب وتهدد وبعد ذلك تسرع إلي قسم الشرطة تحرر محضرا تشكو فيه وتطالب بعقاب رادع للمجرم الذي ارتكب جريمته. تتكرر هذه الصورة وإن اختلفت في بعض جوانبها وتفاصيلها. ويسود العنف إلي حد أن تحتاج المدارس لوجود رجال البوليس لحماية المدرسة والتلاميذ من العنف الذي يصل إلي حد القتل والإيذاء الجسدي النفسي, ويحتاج إلي تفتيش حقائب التلاميذ وإخراج أدوات العنف من هذه الحقائب.
ولكي نعرف كيف وصلت الأمور إلي هذا الحد من الخراب لابد أن نستعيد السلوك الذي كان يحدث في أيام الهدوء والتفاهم والعلاقات الطيبة بين أولياء الأمور وبين المدرسين كانت التربية في البيوت أهم من الطعام والشراب, وكان الحب والسكينة والحنان وحضن الأب والأم يحيط بالأبناء. ولم يكن هناك غضب وعنف إلا نادرا.
وكان الأب والأم يتابعان أيضا حالة أولادهما الدراسية وسلوكهم مع مدرسيهم وعلاقتهم الطيبة. وعندما يحدث نوع من العقاب لأولادهما كان الأب والأم يقفان إلي جانب المدرس أو المدرسة ويوبخان أولادهما ويرفضان مسلكهم غير السوي. وكان الأولاد يدركون ذلك ويخشون والديهما ويخشون مدرسيهم ويراجعون سلوكهم ويسارعون إلي الأسف لمدرسيهم, وكان التلميذ يحترم مدرسه كما يحترم والديه ويحترم كل كبير حتي الغرباء الذين لا يعرفهم. في هذا المناخ كان الآباء والأمهات يتضافرون مع المدرسين ويشاركونهم في توجيه أولادهم. ونستطيع أن نقول إن اجتماع مجالس الآباء في المدارس دوريا كل شهر وكان له تأثير جيد في سير العملية التعليمية. ونستطيع أن نقول بصدق إنه كان هناك تعليم جيد وتربية سليمة واستفادة حقيقية من العملية التعليمية. فهل نستطيع أن تعيد الأمور إلي ما كانت عليه؟! إنها أمنية نرجو أن تحدث وتتحقق.