لم تجد روسيا تأييدا لغزوها جورجيا سوي من سورية, وربما لتشابه حروف أسمي البلدين ما يثير السخرية, وإن تشابه البلدان في السوء الاقتصادي والضعف العسكري. ولكن هل حققت روسيا أهدافها, أن كان حقا لديها أهداف؟
ربما يكون الهدف الرئيسي من الغزو الروسي, هو تذكير العالم , والولايات المتحدة الأمريكية بالقوة الروسية, وقدرتها علي إيذاء حلفاء الولايات المتحدة, خصوصا وأن أمريكا قد زادت العيار ##شوية## بقضية الدرع الصاروخية. وبرغم تهديد روسيا لبولندة, إلا أن حاكم روسيا فلاديمير بوتين (الرئيس الروسي الجديد ليس سوي صنيعة بوتين الذي ارتضي الحكم من وراء الستار, ويحرك الرئيس الروسي من وراء الستار) أعجز من أن ينفذ تهديده العسكري مع وجود الاتفاق العسكري بين أمريكا وبولندة.
لا شك أن لدي روسيا الكثير من السلاح التقليدي الذي ما عاد يصلح لعصر الحرب التقنية المعقدة, كما أنه لا شك في أن روسيا قادرة علي إلحاق الأذي عسكريا بالدول المجاورة, لكن من جانب آخر ليس هناك أدني شك في أن روسيا دولة عاجزة علي المستوي العالمي سياسيا واقتصاديا, وحتي عسكريا, فيما لوحدثت حربا ساخنة حقيقية تكون الولايات المتحدة طرفا فيها.
وكلنا يذكر العجز الروسي عن نجدة حلفائه الصرب يوم أقدمت الولايات المتحدة بأسلحتها المتطورة علي قصف يوغسلافيا السابقة, كما أنها عجزت عن إيقاف عملية استقلال كوسوفو أخيرا, فضلا عن انعدام الروس في كل المجالات العالمية, هل ننظر إلي أوليمبياد الصين حين تجاوزت الصين روسيا في اقتناصها الميداليات الذهبية, أمن إلي العجز الاقتصادي الروسي الرهيب الذي يجتاح روسيا, ويجعلها عرضة لأهواء صندوق النقد الدولي!
الغزو الروسي المحدود لجورجيا هدفه البحث عن مجد ضائع. ومن الواضح أن روسيا كانت, ولا تزال تعاني الأمرين من وضعها الحالي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1998, بل ويظهر الأمر وكأن بوتين يتمني عودة الحرب الباردة من جديد حتي يكون لروسيا دور فعال في الشئون الدولية, ولكن هيهات.
وحين ##تفرح## روسيا ##العظمي## بتأييد دولة ليس لها دورا فعالا في السياسة الدولية مثل سورية, فمن المؤكد أن الروس قد بلغوا من اليأس مداهن وإلا فما قيمة التأييد السوري دوليا.
وقد تبين لروسيا أن سياسة الغزو قد عفا عليها الزمن وتخطتها الأحداث, وأن ما فعلته غير مقبول دوليا, وربما دفع جورجيا إلي أحضان الغرب, وليس بمستبعد انضمام بجورجيا للحلف الأطلسي قريبا.
كما يلاحظ أن القوات الروسية قد تجنبت احتلال العاصمة الجورجية, تبليسي حتي لا ينقلب الأمر ضدها, خصوصا وأن حدوث هذا الاحتلال قد يدفع بالمواجهة مع الولايات المتحدة إلي حدود لا تطيقها القدرة العسكرية الروسية القائمة علي الكم وليس النوع في نوعية السلاح.
من الواضح أن روسيا كانت تبحث عن مجد ضائع حين غزت جورجيا. لكن التاريخ لا يعود إلي الوراء, وأن روسيا نفسها لا تطيق, بل ولا تستطيع الاستحقاقات السياسية لحرب باردة جديدة. فعصر العولمة هوعصر الاقتصاد وليس السياسة.
وروسيا لا تملك القدرات الاقتصادية القادرة علي مواجهة متطلبات هذا العصر. ولا شك أن الدب الروسي موجود, ولكنه بلا أسنان ولا مخالب. لقد سقط الاتحاد السوفييتي عسكريا وسياسيا واقتصاديا, وروسيا اليوم ليست دولة عظمي كما تري في نفسها, بل دولة كبيرة, وشعب متعدد لا أقل ولا أكثر.
في روسيا يوجد مجتمع وسلطة, وليس دولة عظمي كما كان الأمر في السابق. وإذا كان من حق روسيا التمتع بنشوة الانتصار علي دولة صغيرة, فهل انتشي الشعب الروسي حقا بهذا الانتصار؟ بل هل اخذت السلطة الروسية رأي الشعب الروسي في الموضوع؟ وبرغم كل ذلك, فمن الواضح أن روسيا لا ترغب بتكرار هذا السيناريو لأنه ##ليس كل مرة, تسلم الجرة##, ويستطيع الروس الحصول علي ترجمة وافية عن هذا المثل العربي من ##الحليف## السوري.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت