حمل خبراء ومفكرون الأمن مسئولية حادث الإسكندرية لعدم تعامله مع التهديدات الموجهة للكنائس بحزم, بالإضافة إلي ترك المظاهرات التي تتعرض للرموز الدينية المسيحية دون رقيب, وطالبوا بتطوير الطرق التي يتبعها الأمن في الكشف عن مثل هذه الجرائم نظرا لاتباع الجماعات الإرهابية لطرق مختلفة لإنجاح مخططاتهم.
كما طالبوا بسرعة مواجهة الأزمة بنشر وتعزيز قيم التسامح ومكافحة الأفكار المتطرفة في المجتمع وتطوير المناهج التعليمية, حتي يعود ذلك علي المجتمع بالنفع, وبالتالي مواجهة القوي الظلامية في المجتمع.
حول هذه الأفكار كان لـوطني هذا التحقيق:
قال الدكتور عادل سليمان الخبير العسكري ومدير المركز الدولي للدراسات السياسية والمستقبلية إن طبيعة الحادث هو إرهابي ولكن مع استغلال الاحتقان الطائفي الموجود في المجتمع حاليا, وارتداء الحادث للقميص الطائفي تسبب في صدي وردود فعل غاضبة, وربما يكون تنظيم القاعدة هو السبب وربما هناك خلايا أخري داخل مصر تواصلت مع التنظيم في الخارج وتم التنفيذ داخل المجتمع نظرا للظروف الراهنة.
أصابع الاتهام تتجه الآن للإرهاب الدولي نظرا لترابط الأفكار الخارجية مع التوتر الموجود بالداخل, واستغلال هذا الفكر للنفوس الضعيفة, وخطورة الحادث الأخير يعود لدمج العمل الإرهابي مع الاحتقان الطائفي, وبالتالي إضفاء صبغة طائفية إرهابية دون حصر الموضوع في اتجاه واحد فقط, ومع ذلك بدأت المطالب الطائفية تظهر دون تحليل الموقف ومعرفة أبعاده, وترك المجتمع القضية الأساسية والاتجاه للمشكلات الطائفية وهو ما ساعد علي تفاقم الأحداث, وهو ما يخدم الجهة التي تقف وراء الحادث.
أوضح د. عادل أن التهديدات التي خرجت مؤخرا من تنظيم القاعدة لم يتم التعامل معها بحزم وكان لابد من وجود تنسيق مع القوات العراقية, وللأسف تم اتباع طرق أمنية بدائية وتقليدية لم تحل من تنفيذ هذه التهديدات.
الإرهاب الدولي يبحث عن النقاط الضعيفة في أية دولة, وتنظيم القاعدة لا يبحث عن اسهتداف أجانب أو مناطق محددة, ولكنه يبحث عن تخريب الدول حسب المشكلات الموجودة بكل دولة, وهو ما قام به في العراق ودول أوربية, وفي مصر بحث عن المناخ الطائفي, وبالتالي يثير القلاقل داخل مصر, ويزيد من الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين, وكذلك إشاعة مناخ عدم الثقة في الدولة وأجهزتها.
والحادث الأخير سمح بتدخل جهات أجنبية في الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط وخلق مشكلة بين الشرق والغرب, والدفاع عن الأقليات في المنطقة, وهو الهدف الذي يحقق للقاعدة لمزيد من الأهداف مع بعضها البعض.
أوضح د. عادل سليمان أن القضية التي علي المجتمع أن يواجهها هي الإرهاب, الذي يعود للمجتمع خلال الفترة الحالية, حتي لا يدخل المجتمع في النفق المظلم وسيادة مناخ التسعينيات من حيث انتشار الحوادث الإرهابية التي استهدفت مصر وخلفت الدمار والخراب, وبالتالي لابد من مواجهة هذا الفكر فورا.
من جانبه قال فؤاد السعيد الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إن جريمة الإسكندرية كشفت عن ضرورة تعديل الخطاب الديني وتعزيز قيم التسامح والمساواة, ومواجهة حالة الاحتقان السائدة, خاصة أن الداخل عليه المسئولية الكبري في الحادث وليس الخارج, نظرا لوجود عناصر تبحث الاحتقان والفرقة بين المصريين علي أساس الدين.
شدد السعيد علي أن التسرع في إصدار الأحكام واتهام جهات أجنبية بارتكاب الانفجار يعد خطأ كبيرا, خاصة أن جهات التحقيق لم تكن انتهت بعد من مهمتها, وإن كانت الإيجابية الوحيدة من إلقاء الاتهام علي الخارج هو تهدئة المجتمع والنفوس المشحونة, ونزع فتيل التوتر, لأن لحظات ما بعد الانفجار تشهد أقاويل عديدة, وبالتالي ربما كان الاحتقان سيصل لمرحلة خطيرة يصعب السيطرة عليه, ومن ثم ربما يمكن قبول هذه التصريحات ولكن بشكل مؤقت.
دعا السعيد إلي تطوير قدرات وإمكانيات جهاز الشرطة نظرا للطرق الحديثة والمختلفة التي تتبعها الجماعات الإرهابية, وعلي سبيل المثال تمكنت شرطة دبي من الكشف عن تفاصيل اغتيال المبحوح ومقتل سوزان تميم لامتلاكها الأجهزة الحديثة والتدريب الجيد, وبالتالي لابد من مساعدة أجهزة الأمن المصرية وتزويدها بالأدوات اللازمة وكذلك التدريب المستمر لضباط الشرطة حتي يكونوا في غاية الاستعداد والكشف عن مثل هذه الجرائم.
حذر السعيد من اختزال تفجير الإسكندرية في مطالب قبطية عادلة تتمثل في ضرورة إصدار قانون موحد لبناء وترميم دور العبادة, وقانون للأحوال الشخصية, وإنما لابد من مواجهة التمييز علي أساس الدين, وضرورة الإسراع في تطوير مناهج التعليم وبث موضوعات تدعم الترابط الاجتماعي بين المصريين, ومواجهة قوي التطرف, وإعلاء الفقه الإسلامي المصري علي الفقه الوارد من الخليج العربي, خاصة أن المجتمع المصري لديه خبرات كبيرة في التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين ربما لا تتوفر في بلدان أخري مجاورة.
قال أحمد سيف الإسلام المحامي الناشط الحقوقي إن الدولة وأجهزة الأمن تراخت في حماية كنيسة القديسين خاصة أن هناك تهديدات كانت واضحة من قبل بعض التنظيمات الإرهابية, بل كان اسم الكنيسة ضمن عدد من الكنائس المستهدفة ليلة العام الجديد, ومع ذلك لم يتم اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة, ولذلك حدث العمل الإرهابي طالما لم يكن التعامل الأمني بحجم المسئولية.
أوضح سيف الإسلام أن حقوق الأقباط هي حقوق مصرية, ولابد من الإسراع بحل المشكلات المتراكمة ومواجهة المناخ المحتقن وتعزيز المساواة بين المصريين, ومواجهة كل الأفكار المتطرفة حتي لا تسيطر هذه الأطراف علي المجتمع.
نوه أحمد سيف الإسلام إلي أن الأزمة الراهنة التي يشهدها المجتمع المصري حاليا تتطلب تدخل الدولة بحزم في التعاون مع المجتمع ومعالجة همومه, فاللحظة الراهنة تتطلب التدخل الحاسم والسريع, والتراخي في التدخل يعجل بتفكك المجتمع.
أوضح أن المجتمع في الفترة الأخيرة يشهد بعض التغيرات وربما من أكثر الأسباب التي تزيد من الاحتقان في المجتمع هو قيام البعض باتخاذ قرارات فردية دون مراعاة الشأن العام, كما حدث في العمرانية, وبالتالي علي القيادات الموجودة في الدولة أن تكون صارمة في تعليماتها بعدم استفزاز المواطنين, والخروج من الأزمة الحالية بهدوء.
وعلي المثقفين أن يكون لهم دور في مواجهة الأزمة الحالية وإعلاء صوت العقل, كذلك علي رئيس الجمهورية أن يتدخل بحسم لحماية المجتمع وحقوق كل المصريين, وعدم التعامل مع الأقباط باعتبارهم أقلية, وإنما هناك حاجة للتدخل العاجل والسريع والحازم.
ومجلس الشعب وأجهزة الدولة عليها تنفيذ توصيات تقرير الدكتور جمال العطيفي الذي خرج في سبعينيات القرن الماضي ولاتزال توصياته سارية ويمكنها نزع فتيل الأزمة.
من جانبه قال الدكتور منير مجاهد منسق جماعة مصريون ضد التمييز الديني: المجتمع وصل إلي مرحلة ينبغي فيها نشر التنوير وتنقية المناهج التعليمية من الأفكار المتطرفة التي تكرس التمييز داخل المجتمع, وسرعة إصدار القوانين التي تعالج التوتر الطائفي مثل قانون دور العبادة الموحد وقانون تكافؤ الفرص, وقانون الأحوال الشخصية لكل المصريين.
أوضح د. منير أن وجود الأمن في ظل حالة الطوارئ تسبب في الترهل الأمني وضعف الإجراءات المتبعة والتعامل مع التهديدات التي خرجت للكنائس بشكل حازم وفعال, مع ضرورة الوضع في الاعتبار أن وجود الأمن وحده أمام الكنائس ليس هو الحل, بل لابد من تنوير المجتمع وبث مناخ التسامح ومكافحة العنف.
وعاد منير إلي محاسبة المقصرين وتعقب الجناة ومعاقبتهم سريعا وتدخل القيادات العاقلة في الأزمة لنزع فتيل الاحتقان.
من جانبه قال ناصر أمين مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة إن حادث الإسكندرية نتيجة تراكمات عديدة في المجتمع سببت احتقانا شديدا, وبالتالي كانت النتيجة هي عمل إجرامي استهدف مواطنين أبرياء, ولذلك من أجل مواجهة هذه الحوادث ومنع تكرارها لابد من مواجهة الاحتقان الطائفي من جذوره واتباع بعض الحلول العاجلة مثل وقف السجال الديني في الفضائيات ووسائل الإعلام وإعلاء قيم المواطنة والمساواة, وغرس قيم التسامح وقبول الآخر.
وكشف أمين النقاب عن البدء في حملة لمنع التمييز داخل المجتمع وتقديم بلاغ للنائب العام ضد الشركات والمؤسسات والمطاعم التي تكرس للتمييز داخل المجتمع, وترفض تعيين أصحاب الديانات الأخري لديها, وهو الأمر الذي يؤدي إلي انقسام المجتمع علي أساس الدين.
أوضح أمين علي أهمية مساءلة ومحاسبة كل المسئولين عن بث التمييز داخل المجتمع, سواء كان التمييز ضد غير المسلمين أو ضد المسلمين, حتي يعود المجتمع المصري إلي سماحته وقبوله للتعددية, ومن أجل تنفيذ ذلك لابد أن يتدخل القانون بقوة ومنع هذه الممارسات, والإسراع في إقرار قانون تكافؤ الفرص ومنع التمييز.