تفتخر مصر بعدد كبير من العلماء والخبراء القادرين علي الابتكار لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته ومنهم العالم الكبير الدكتور أحمد زويل وإطلاقه لفكرة المدينة العلمية والتي جار التخطيط لها حاليا بعد موافقة المجلس العسكري علي إنشائها.
حول المدينة العلمية لزويل وما السيناريوهات المتوقعة منها للنهوض بالبحث العلمي في مصر, في الوقت الذي لم تحظ فيه الجامعات المصرية بأي ترتيب في قائمة أفضل500 جامعة…لذلك أجرتوطني هذا التحقيق.
البحث العلمي…وتقدم المجتمع
في البداية تساءل الدكتور ماهر الدمياطي محافظ بني سويف والرئيس الأسبق لجامعة الزقازيق : هل نحن في حاجة بالفعل لمثل هذا المشروع؟ وأجاب قائلا: بالفعل نحن نحتاج لنهضة علمية بحثية تقف وراءها الدولة بكل تأييد ودعم لأن مثل هذا المشروع العلمي من شأنه تحقيق تقدم لمصر علي كافة المستويات ومن خلال أفضل الوسائل العصرية, لأن البحث العلمي والمعرفة عماد الاقتصاد الحديث, لذلك نتمني تسير كافة الإجراءات والخطوات لتنفيذ هذا المشروع بلا أي تعقيدات, بل والعمل علي مساندة الفكرة من كافة قطاعات المجتمع, وذلك لترسيخ البحث العلمي في مصر. مؤكدا علي أهمية الاستفادة من الطاقات العلمية والبحثية الهائلة في مصر والتي يصفها بأنها تستحق كافة الامكانيات التي تمكنها من تحقيق تقدم علمي حقيقي يتلامس مع واقع المجتمع واحتياجاته وبما يتواكب مع التطورات الجارية في العالم.
واستطرد د.ماهر الدمياطي قائلا: نتمني أن نري هذا المشروع علي أرض الواقع في أقرب وقت ممكن, وأن يكون مركزا للبحث العلمي المتقدم يقتضي به في كل محافظات مصر التي ينتشر فيها العلماء والباحثون في كل التخصصات مما يعود بالنفع لخدمة القضايا الوطنية وعلي رأسها الصحة والنهوض بالصناعة المصرية والابتكارات الجديدة لأن هذا هو الاقتصاد الحقيقي, فالغناء والثراء اليوم هو غناء وثراء المعرفة ومن ثم الاقتصاد, لذلك فالهدف هو إحداث نقلة نوعية في طرق وأساليب البحث العلمي وتعظيم الاستفادة القصوة من نتائجه علي أيدي خبراء متمكنين في كل التخصصات.
أضاف محافظ بني سويف قائلا: يجب أن تكون مسألة البحث العلمي عقيدة ثابتة في مجتمعنا ه سبب تقدم أي أمة, ويجب أن يكون لدي المسئولين قناعة وثقة تامة بذلك, والبحث العلمي والاستفادة من نتائجه هو القاطرة الحقيقية نحو رفاهية المجتمع.
المشروع…والتكلفة
أوضح الدكتور ماجد الشربيني رئيس أكاديمية البحث العلمي بقوله: المدينة العلمية لزويل هدفها إنشاء قاعدة علمية متقدمة في مصر وهذا المشروع سوف يتكون من جامعة وعدد من مراكز التميز البحثية في العلوم المتقدمة مثل علوم المواد وعلوم النانو والبايو تكنولوجي, بالإضافة إلي منظومات أخري لتمويل مخرجات البحث إلي منتجات فاعلة في المجتمع مثل الحضانات التكنولوجية ومراكز تسويق مخرجات البحث العلمي, مؤكدا أن مصر في احتياج لعمل قواعد علمية بهذا الحجم, مشيرا إلي أن المشروع يتكلف حوالي 2مليار جنيه وأنه تم فتح حساب بنكي لجميع مساهمات المجتمع في هذا المشروع.
وفي مقارنة بين المدينة العلمية لزويل ومدينة الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية بالإسكندرية أوضح د. الشربيني أنها تتكون من أربعة مراكز بحثية وأنشئت لتكون مركزا لتطوير البحوث وربط العلم بالتنمية, وألا يوجد فيها جامعة مثل مدينة زويل العلمية. مؤكدا أن مصر تحتاج عددا من المدن العلمية في تخصصات مختلفة وأنها لاتهدف للربح ومعتمدة علي التنافسية وتنمية القدرات العلمية وأن الحكومة قامت بمساندات كبيرة للمدينة كتخصيص أرض جامعة النيل بمساحة 117فدانا وتوسعت لتصل إلي 250 فدانا في منطقة الشيخ زايد كما ساهمت الحكومة بتمويل مبدئي لبدء المشروع مشيرا إلي عرض القانون علي المجلس العسكري ومجلس الوزراء حيث منحت الموافقة عليه, كما ينص علي القواعد واللوائح التي تنظم العمل بالمدينة العلمية وينتظر موافقة مجلس الشعب في الدورة القادمة.
أكد أن التركيز حاليا علي التمويل وتكوين الهياكل الحديثة وأنه تم تحديد مجلس الأمناء من 6علماء من الحاصلين علي جائزة نوبل العالمية. مشيرا إلي وجود عدد 20جامعة حكومية بإجمالي عدد 2.4 ملايين طالب و20جامعة خاصة بإجمالي 70 ألف طالب في حين أن عدد السكان هو 83 مليون نسمة, وبالتالي فإن مصر في احتياج لمزيد من المدن العلمية والجامعات وعدد المراكز التابعة للبحث العلمي والأكاديمية 14مركزا ويبلغ عدد مركز البحوث والدراسات بالوزارات 211 مركزا وبالجامعات114 مركزا, مؤكدا أن أكاديمية البحث العلمي بمثابة بيت خبرة لكل العلماء المصريين داخليا وخارجيا.
أشار إلي أن مدينة زويل ستكون أحد الدعائم الرئيسية لتحقيق اقتصاد قوي وفعال وأن الحكومة تهدف في الأربع سنوات القادمة إلي أن تصل ميزانية البحث العلمي إلي 2% من الدخل القومي بدلا من0.4% مؤكدا أنه لايمكن الوصول إلي هذه النسبة إلا من خلال مشاركة المجتمع الصناعي والمدني في التمويل.
كيانات علمية لامركزية
أشار الدكتور أحمد صقر عاشور أستاذ الإدارة بجامعة الإسكندرية والمستشار لدي الأمم المتحدة إلي أن إحياء فكرة إنشاء كيان للبحث العلمي بهذا الشكل المتوقع شئ طيب للغاية خاصة بعد تغير كل الآفاق مع ثورة 25يناير وتحمس المجتمع وتجاوبه مع الأفكار والمشروعات القومية المطروحة علي الساحة سواء كانت اقتصادية أو علمية.
وأضاف مستشار الأمم المتحدة قائلا: لكن يبقي ألا تكون المسألة مجرد تخصيص كيان علمي فقط, وإنما توجه عام لكل من المجتمع والدولة للاهتمام بالبحث العلمي, ودعم القطاعات الإنتاجية علي أسس علمية مدروسة, بما يساهم في إحداث تنافسية للصناعة المصرية بل والاقتصاد بكل قطاعاته. إذ مشروع مدينة زويل العلمية يمثل واحدة من الكيانات العلمية التي يمكن أن يكون لها مساهمة تخدم مجالات وقطاعات بعينها في الزراعة والصناعة والصحة.
استطرد قائلا: فضلا عن إنشاء كيان علمي مركزي رائد ومتطور يستطيع أن يتطرق لآفاق جديدة لكن لابد أن تكون هناك كيانات أخري موازية وغير مركزية وذلك لخدمة صناعات محددة, فمصانع الملابس مثلا يكون مصاحبا مركز أبحاث متخصص وكذلك الأمر في الصناعات الكيماوية أو القائمة علي الثروة البحرية أو في مجالات الطاقة الشمسية.
كما طالب د.أحمد صقر بإنشاء جامعات للدراسات العليا والبحث العلمي بشكل مستقل عن الجامعات الحكومية, نظرا لأن الأخير أصبحت مكبلة بتخريج دفعات من حاملي البكالوريوس بإعداد هائلة وبالتالي أصبحت قدراتها علي القيام بالبحث العلمي غير موجهة.
مشروع زويل والجامعات الخاصة
من جانبه قال الدكتور محمود الشريف رئيس جامعة سيناء إن مشروع المدينة العلمية لزويل علي قدر كبير من الأهمية بالنسبة لحجم الرجل كعالم مصري حاصل علي جائزة نوبل فضلا عن أن زويل له رؤية محددة حول دور التعليم والبحث العلمي وهذا الدور هو السبيل لإحداث نهضة حقيقية في أي دولة كنهضة ماليزيا وكوريا الجنوبية وسنغافورة فكل هذه الدول قامت علي تفعيل البحث العلمي ودعمت تماما دور التعليم والتي قدمت نماذج للعالم هائلة. إذ فهذا المبدأ خضع للتجربة ولم يعد مبدءا نظريا وأن التصور سليم من الناحية العلمية, فهي ليست مجرد معامل أبحاث ولكن تعليم وبحث علمي كامل للصناعة, مؤكدا علي عدم وجود تعارض بين المدينة العلمية المزمع إنشاؤها والجامعات الخاصة, بل هي مرشحة بشدة للاستفادة من التجربة لأن الجامعات الحكومية يقابلها صعوبات تتعلق بالكثافة العددية.
وأوضح الدكتور محمد شبل الكومي رئيس جامعة مصر الدولية أن مدينة زويل العلمية هي مدينة بحثية وليست تعليمية وأن الجامعات الخاصة سيكون لها دور بالمشاركة بأوائل الخريجين لإنتاج المزيد من الأبحاث العلمية, وأن د.زويل له تصورات في وضع اشتراطات معينة للمؤهلين لهذا المشروع. كما أن المدينة ستضم مراكز للتميز وسيتم التركيز فيها علي مجالات الطاقة وتأثير المياه علي التربة وتكنولوجيا علوم المياه والموارد الطبيعية فهذا المشروع ليس مجرد جامعة ولكن مدينة متكاملة للأبحاث والتكنولوجيا كما أنها غير قائمة علي الربح.
ربط البحث العلمي بالمجتمع
وفي هذا الإطار أوضح الدكتور محمد رأفت رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا :إن مدينة زويل العلمية تهدف إلي ربط البحث العلمي بالمجتمع, ولاتعارض بين أي مراكز بحثية والمدينة العلمية. بل بالعكس ستقوم علي خدمة جميع المراكز البحثية في الجامعات والمدينة سوف تجلب تمويل من كل دول العالم وبما أن المشروع هو مدينة متكاملة للعلوم والتكنولوجيا وستركز علي الطاقة وتكنولوجيا المياه فإن خريجيها سيكونون مؤهلين للمنافسة في السوق العالمية.
وطالب الدكتور طه سكر عميد كلية العلوم جامعة المنصورة وعضو جمعية عصر العلم بتدعيم الجامعات بالتوازي مع مدينة زويل العلمية وعدم إهمال الجامعات سواء الخاصة أو الحكومة علي حساب المدينة العلمية المزمع إنشاؤها موضحا أن الجامعات مؤسسات ضخمة أولي بالرعاية والدعم من قبل الدولة. مشيرا إلي أن هذه المدينة سوف تجتذب أوائل الثانوية العامة مؤكدا أن مصر غنية بالطاقات والموارد البشرية, التي تعتبر قاطرة التنمية في أي دولة, مشيرا إلي أن مشكلة البحث العلمي في أي بلد هي الموارد البشرية لكن مصر غنية بهذه الطاقات.
ورفض الدكتور عبد الرحمن الصاوي رئيس الجمعية العلمية للاتصالات بناء مدينة علمية علي أنقاض جامعة وتشريد طلابها وأساتذتها وهذا الأمر غير موضوعي أو منطقي ومصر في احتياج إلي العديد من المدن العلمية ولكن في نفس الوقت ذاته يطالب متخذي القرار بنوع من التريس وترك الأعمال القائمة كما هي مستمرة والعمل علي تقويتها وتصحيحها إلي أن تظهر لها ملامح, كما طالب بإجراء حوار حول إقامة المدينة ثم صدور قرار سياسي بشأنها.