ما بين هجرة شرعية وهجرة غير شرعية عاش المصريون سنوات طويلة, أعقبت ثورة1952, وحتي ثورة يناير 2011, واختلفت الأسباب فبينما كان التأميم سببا رئيسيا لهجرة المصريين, ومنهم نسبة كبيرة من الأقباط, جاءت هجرة المثقفين بعد نكسة 67, ثم جاءت مرحلة البحث عن حياة كريمة قادت المصريين إلي هجرة للدول النفطية وغير النفطية بحثا عن المال والاستقرار ومابين كفيليذل ومياه تبتلع الشباب ضاعت أحلام الشباب عليباسبور الهجرة, ووطن فاتح ذراعيه دائما لوداع أبنائه.
وفي خضم بحثنا عن أسباب هجرة المصريين تأتي أحداث الأحد الدامي لتزيد تمسك الأقباط بوطنهم بعدما سالت علي أرضه دماء الشهداء الذين خرجوا مطالبين بحقهم في المساواة في وطن ليس لهم وطن غيره, وفي هذا التحقيق استطلعنا آراء متخصصين حول تغيير فكر الأقباط تجاه الهجرة من الوطن.
أثر ماسبيرو علي الهجرة
بداية يؤكد الدكتور مختار الشريف الأستاذ بجامعة المنصورة أن الهجرة بصفة عامة ليست رغبة من طرف واحد, بل رغبة بين طرفين, الأول راغب في الهجرة, والطرف الثاني راغب في استقباله. والهجرة حالة فردية, هناك تخصصات مطلوبة وهناك عوامل إنسانية مثل اللجوء الديني, ولكن تظل كلها حالات فردية, كانت هناك فترات تاريخية تم فيها فتح باب الهجرة الجماعية مثل هجرات اليهود في نهاية القرن الـ 18 وبداية القرن العشرين, وهجرات الأرمن, ولكن الوضع تغير الآن ولا تستقبل الدول هجرات جماعية لمجرد الإنسانيات ولكنها تريد قوة إنتاجية, وليست كل الرغبات الفردية تقابلها رغبات من الطرف المستقبل وفي مصر ازدادت الهجرة بعد التأميم, وهاجر جميع الأقليات من الأجانب من انتماءات ودول مختلفة, وهؤلاء صنفوا علي أنهم مسيحيون واعتبروا في الإحصائيات أقباطا, الأمر الذي يظهر أن هناك أعدادا كبيرة من الأقباط هاجروا, وكان هناك مسلمون أيضا هاجروا بعد 52 وتركوا أملاكهم, ولعل البعض لايزال يذكر أن منطقة وسط العاصمة تم تفريغها من السكان تماما, وتناولت السينما المصرية هذا الموضوع في أحدا أفلام نجيب الريحاني عندما استدعاه صاحب المحل وأخبره أنه باع له المحل ويسافر إلي جنوب أفريقيا, هذا الموضوع حدث بالفعل علي نطاق واسع.
ويضيف د.مختار الشريف: إذا تكلمنا عن الهجرة بعد ثورة يناير أو أحداث ماسبيرو فأستطيع أن أؤكد أن من قرر أن يهاجر فهو قد حزم أمره مسبقا, أما الموجودون فقد زاد هذا الحادث من تمسك المسيحيين بالأرض والوطن لأن هذه الأرض هي له مثل الآخر, أما ما حدث ويحدث من الآخر فلن نستطيع الآن أن نصل لدقائق الأمور فالكل يتبرأ من هذا الحدث الدامي, وهناك من يرغب في عدم الحديث فيه, وحيث إنه حادث بشع فلم يدعي أحد بطولة القيام به وغسلوا أيديهم منه. أما ما نشاهده الآن من تفسيرات نفسية وتطييب للخواطر علي الفضائيات من أجل امتصاص الصدمات النفسية التي أوجدها الحدث فكلها كلام لا طائل منه بل معاد ومكرر, وكفانا كلاما وكفانا لجان تقصي حقائق منذ أيام العطيفي حتي الآن.
يضيف الشريف: النقطة الحرجة هي تغير الوضع وحادث الأحد الدامي كان نقطة حرجة, فوسط سخونة الأحداث وكل العوامل التي كانت قادرة علي إشعال مصر بأكملها وجدناها رغم الألم الشديد علي الشهداء, وعمليات التحريض الشديدة التي مارسها الإعلام والتي كانت قادرة علي أن تشعل الوطن, وجدناها فشلت وكشف المواطنون تناقض التصريحات الرسمية ولهذا أقول بصراحة إن المؤشر الرئيسي الذي أظهرته الأحداث أن الناس أصبحوا أكثر إصرارا علي البقاء ويؤكدون أن مصر وطنهم مثل الآخرين, كما أؤكد أن طبيعة المصريين ليست دموية حتي بين المسلمين وبعضهم من سنة وشيعة في مصر, حتي في أشد الفترات صعوبة لم يكن القتل جماعيا, لأن مصر مجتمع وسطي وسوف تعبر هذه المحنة.
في وقت المحن تعود النخب
يتفق معه الكاتب والباحث سليمان شفيق ويضيف:النخب لاتفكر في الهجرة عندما يمر الوطن بمحنة بل يعودون, وقد يفكر البعض في الهجرة الداخلية من الأماكن المشتعلة إلي أماكن أكثر هدوءا.
وهناك ظاهرة تم رصدها وهي أنه كلما اشتد التعصب كلما تمسك الأقباط بالوطن, ونجد الكنسية المصرية عندها لاهوت الأرض أولا قبل العقيدة بل أنه جزء من العقيدة, فالكنائس المصرية الثلاث تقدم المصرية علي العقيدة, فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة القبطية الكاثوليكية, والكنيسة القبطية الإنجيلية, لأن الوطن جزء من العقيدة, وهذا غير موجود في أي مكان ولم يعرف الأقباط الهجرة بسبب الاضطهاد الديني, فأيام عبد الناصر هاجر البعض بسبب التأميم, وأيام السادات بسبب التعليم, ولورجعنا للاضطهاد فإنه منذ عام1972 وحتي 2010 قتل 92 قبطيا وجرح 611 وهناك تتحدث عن حوادث فردية.
لكن خلال العشرة شهور الأخيرة قتل 57 قتيلا,وأكثر من 500 جريح بمعدل 6قتلي ور50 جريحا شهريا, الأخطر أنه في الفترة السابقة كانت الجماعات الدينية المتطرفة الإسلامية هي التي تتحمل نتيجة العنف والتعصب, ومن عام97 أصبح مسئولية عامة المسلمين المتعصبين. ففكرة حرق الكنائس لم تكن موجودة وكانت كلها تعتداءات بالقتل, ولكن خلال الـ 10شهور فقط حرقت وهدمت ثلاث كنائس…فالأقباط باقون رغم كل شئ.