مع تصاعد التظاهرات الفئوية التي تطالب بزيادة الدخل حتي يتماشي مع الأوضاع الاقتصادية الحالية يطل علينا خبر أثار الشجون داخل كل فرد يبحث عن قوت يومه, يؤكد أن اتحاد الكرة المصري تعاقد أخيرا مع المدرب الأمريكي بوب برادلي ليكون المدير الفني مقابل 37 ألف يورو شهريا وهو ما أثار حفيظة رجل الشارع الذي لا يعرف ما جدوي هذه الأموال الطائلة التي يتم صرفها علي كرة القدم المحلية في وقت تتصارع فيه فئات الشعب بحثا عن لقمة العيش.
والسؤال الذي يطرح نفسه ونحاول الإجابة عليه هل لعبة كرة القدم تحديدا هي استثمار له عائد أو مشروع تجاري يستحق كل هذه الأموال التي قد تعود بالفعل علي القائمين عليها بالمكسب, أم كما يري المواطن البسيط أنه مال سايب والأفضل توزيعه علي الأسر الفقيرة, وكما علق أحد قراء جريدة الأهرام في رسالة ساخرة إلي البريد قال فيها: أعطوني فقط ألفين جنيه وأنا أقوم بتدريب المنتخب!!
في البداية يؤكد علي عصام عبدالمنعم مدير تسويق النادي الأهلي أن تعاقدات المدربين سواء الأجانب أو المصريين إنما تتم بناء علي خطة محكمة وأسس علمية ليست فقط بناء علي آراء المديرين والخبراء الفنيين وذلك لأن هذه التعاقدات تعود بالنفع علي الأندية وتحقق مكاسب جيدة إذا تم استثمارها الاستثمار الصحيح.
وأضاف أن المدير الفني هو المسئول عن نجاح فريقه والصعود به إلي البطولات العالمية التي تجلب الملايين من الجنيهات, كما أن العقد الذي تم إبرامه بين النادي الأهلي ووكالة الأهرام والذي بلغ 141 مليون جنيه هو مبلغ كبير ومكسب للنادي جاء نتيجة صعود النادي لقمة الأندية محليا وأفريقيا هذا بخلاف الشعبية الجماهيرية كل هذه العوامل ساعدت علي التفاف الشركات التجارية نحوه ونحو المباريات الخاصة به.
منظومة اقتصادية كاملة
يقول أحد المتخصصين في الاقتصاد إن كرة القدم نظومة كاملة من الاقتصاد الذي يعود بالنفع والمكاسب علي النادي أو المنتخب فهو ليس فقط تعاقد للمدير الفني بملايين الدولارات أو شراء لاعبين فقط ولكن هذه خطوة بسيطة في طريق المكاسبا لتي لا حصر لها, وعلي سبيل المثال عندما يفوز المنتخب المصري ببطولة كأس الأمم الأفريقية مثلا يتعاقد علي إقامة مباريات مع منتخبات كثيرة مقابل مبالغ مالية كبيرة بجانب صرف مبالغ كبيرة من الشركات الاستثمارية الكبيرة كراعية لهذا المنتخب وأيضا مكافآت رجال الأعمال وتبرعاتهم للاتحاد, هذا بخلاف الإعلانات وحقوق الرعاية وهكذا.
أما نادر شوقي وكيل لاعبين معتمد من الفيفا ومدير مدارس فريق الأرسنال الإنجليزي في مصر فيقول: تعد كرة القدم صناعة أو تجارة قديمة عائدها كبير ومكاسبها مضمونة لذا فإن القائمين عليها أو المساهمين بها عدد ليس بقليل من رجال الأعمال والمستثمرين, ونجد أن كل نادي له أهدافه الاقتصادية التي يسعي إليها.
ويضيف نادر أن الاستثمار في لعبة كرة القدم بكل ما يعود منها من مبالغ لابد أن تدار وتسوق جيدا لتحقق المكاسب المرجوة.. فهذا الاستثمار وهذه التجارة لا تنضب ولا تبور بل مستمرة حتي في الدول ذات الاقتصاد المنخفض رغم الأسعار الكبيرة التي نقرأها حول تعاقدات المدربين أو اللاعبين.
يؤكد الدكتور حمدي عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق أن تنافس الأندية بينها وبين بعضها يجعل هناك المكسب والخسارة والتفاف الجماهير الغفيرة نحو نادي والبعض الآخر للنادي المنافس, كل هذا يستقطب الإعلانات التي تعود بإيرادات علي الأندية, لذا فإن التعاقد مع المدربين بهذه المبالغ التي نسمع عنها أو نقرأها في الجرائد إنما هي مجرد أداة لاستثمار أعلي, أضف إلي ذلك أيضا رجال الأعمال الذين لهم دور لا يمكن تجاهله في رعاية نجم كرة قدم أو نادي بأكمله وهذا بالتأكيد له مردود لديه فهو كرجل أعمال يتعامل بالأموال يعرف جيدا ما سيعود عليه من هذه الرعاية أو حتي من خلال الهدايا التي يقدمها سواء معنوية أو أموال وهكذا وبطبيعة الحال يستفيد النادي من هذه الرعاية لتطوير إمكانياته وسد أي نقص بواجهه.
بذخ وإهدار للعمال العام
يختلف الأستاذ أيمن أبوعايد رئيس القسم الرياضي بالأهرام ورئيس رابطة النقاد الرياضيين مع الآراء السابقة ويقول: هذه التعاقدات للمدربين وشراء اللاعبين إنما هو بذخ وإهدار للمال العام وغير قائم علي معادلة صحيحة أو دراسة جدوي محسوبة تتناسب مع أوضاع الأندية أو أوضاع البلد الحالية, وهذه الأرقام الكبيرة آخرها عقد المدرب الأمريكي للمنتخب الوطني هو بالفعل استفزاز للمواطن البسيط خاصة أنه من الناحية العملية لا جدوي لما يصرف بهذا الشكل في الوقت الحالي.
يضيف أبوعايد قائلا: ليس لدينا ضوابط نحكم بها علي هذه الأموال وإذا ربط النادي بين التعاقد مع مدرب أجنبي بمدي الإقبال الجماهيري مثلا فهذا أمر لا يعقل لأن جمهور النادي الأهلي مثلا سوف يأتي مباريات ناديه سواء بوجود هذا المدرب أو بغيره, وإذا عقدنا مقارنة بين إدارات الأندية والمتخبات داخل مصر سوف نجد أنها مختلفة عن حسابات الإدارات في الخارج, فنحن هنا نعمل بلا حساب ولا رقيب, إنما في الخارج فينظر إلي كل الجبهات وما سيعود منها بالمال علي النادي إذا قام بشراء لاعب أو تعاقد مع مدرب مثل عائد البث الفضائي, عائد البطولات, عائد الرعاية والإعلان وكل هذه الأمور, أما إذا نظرنا للنادي الأهلي – علي سبيل المثال – نجد أنه تعاقد مع المدرب البرتغالي مانويل جوزيه بمبلغ يصل إلي 80 ألف يورو شهريا, فإذا تم حسابه بعائد الإعلانات وعقد الرعاية الأخير الذي تم مع وكالة الأهرام والبالغ 141 مليون جنيه خلال ثلاث سنوات مقابل خروج نادي من بطولة أفريقيا وكأس مصر وخسارة العائد الذي كان يمكن أن يحصل عليه النادي, نجد أن المحصلة النهائية مقابل كل هذه التعاقدات هي افتقاد المخطط البياني للمكسب والخسارة.
وهذا الكلام لم يختلف عما هو عليه في المنتخب والتعاقد مع مدرب أجنبي يحصل علي مبلغ متقارب مع المبلغ الذي كان يتقاضاه مع المدرب الوطن, بل إن هذا المدرب الوطني – حسن شحاتة – رفع رصيد المنتخب وأوصله للعالمية وحصد معه الجوائز والبطولات بعكس هذا المدرب والذي يحصل علي 37 ألف يورو شهريا وهو أمريكي – أي ليس لديه الخبرة والحنكة الكروية التي لدي المدرب الأوربي أو المدرب البرازيلي مثلا – فلا رصيد يذكر لدي منتخبات أمريكا في كرة القدم لذا يبقي السؤال مطروحا لماذا الاستعانة بهذا الأجنبي تحديدا؟!
وأخيرا يري عزمي مجاهد المتحدث الإعلامي لاتحاد الكرة أن التعاقد مع المدرب الأمريكي بوب برادلي لم يكن تعاقدا باهظ الثمن مقارنة بالعقد الذي كان مبرما مع الكابتن حسن شحاتة بل يقترب منه وفي ذات الوقت لم يتعاقد الاتحاد مع مدربين من أوربا أو دول أمريكا الجنوبية هم الأكثر شهرة في هذا المجال تماشيا مع إمكانات الاتحاد وظروف البلد الحالية, هذا من جانب أما من جانب آخر فإننا بتعاقدنا مع المدرب الأمريكي ومع هذا الحدث فإننا صنعنا دعاية إعلامية عالمية لمصر في جميع أنحاء العالم من خلال تغطية مؤتمر التعاقد في جميع وسائل الإعلام الخارجية وجميع الصحف العالمية مما أدي إلي تردد اسم مصر في كل دول العالم.
ويضيف مجاهد أن تقدم الشعوب يقاس بتقدم المستوي الرياضي بها وهناك بلاد كثيرة تتخذ هذا النهج وتصنع حضاراتها في هذ الشأن – أي الشأن الرياضي – مثلما فعلت إحدي أندية الإمارات وتعاقدت مع الكابتن مارادونا كمدرب بملغ 500 مليون دولار سنويا والآن كل ما يتعلق بمارادونا يتم استثماره مثل بيع تذاكر لحضور التدريب وعمل تي شيرتات له وبث فضائي وكل هذا يعود قطعا بالنفع المالي.