بخروج الشاه في 16 يناير 1979 وعودة الخوميني إلي إيران من منفاه في باريس يمكن القول إن مرحلة جديدة بدأت في الشرق الأوسط والعالم أطلق عليها البعض ## الصحوة الإسلامية## ,ولكنها فعليا كانت بعثا راديكاليا متطرفا انتهي بما يعرف حاليا بظاهرة ##الإرهاب الدولي##, حيث تنافست الأصوليات في المنطقة علي من يكون فيها الأكثر تدميرا وخرابا ودموية.
جاء الخوميني وفي ذهنه تطبيق أفكاره التي أوردها عام 1970 في كتابه المعنون ##حكومة الإسلام:ولاية الفقيه##. وولاية الفقيه وفقا لفكر الخوميني هي بمثابة حكم القانون الإلهي علي النحو الذي يفسره ويطبقه الفقيه العادل أو ظل الله في الأرض الممثل للإمام السابع الغائب موسي الكاظم. في 29 مارس 1979 أجري الخوميني استفتاء لتحويل إيران لجمهورية إسلامية وجاءت نتيجة الاستفتاء كما هو متوقع بالموافقة بنسبة 99% ليعلن الخوميني بعدها أن يوم 1 أبريل 1979 هو اليوم الأول لـ ##حكومة الله## !!!.
ولم تتأخر إيران الإسلامية كثيرا عن إصدار دستور أخطر ما جاء فيه بالنسبة لدول المنطقة هي المادة 154 التي تتناول التزام إيران المقدس بضرورة تصدير الثورة, بإلاضافة إلي المادة العاشرة التي تعيد التأكيد علي فكرة الخلافة الإسلامية حيث تقر ##أن جميع المسلمين يشكلون أمة واحدة##. وفي نوفمبر 1983 أعلن الرئيس علي خامنئي( المرشد العام الحالي) ## لو ظلت الثورة محصورة في داخل نطاق الحدود الإيرانية فإنها سوف تتعرض للسقوط تحت ضغط هجوم الأعداء##.
وبموجب قدسية تصدير الثورة تم إنشاء ## المنظمة العالمية لحركات التحرير الإسلامية## والتي ضمت من خارج إيران حزب الدعوة الإسلامية بالعراق والكويت, وجبهة التحرير الإسلامي بالبحرين, والمنظمة الثورية لشبه الجزيرة العربية بالسعودية, وحزب الله وحركة أمل بلبنان, وجيش الحراس ومنظمة النصر بأفغانستان.
وبموجب إسلامية الدولة الإيرانية تمت أكبر عملية تغيير لوجه إيران الحضاري, ورافق ذلك بالطبع عمليات دموية علي نطاق واسع حيث طالت عمليات الإعدام بدون محاكمات والقتل العشوائي عشرات الآلاف من الإيرانيين, ومما يؤسف له أن أكثر العمليات دموية تمت في ظل وجود رئيس الوزراء حسين موسوي وابن عمه علي خامنئي المرشد الحالي للثورة الإيرانية الذي كان رئيسا للدولة وقتها, وقد اضطر أكثر من ثلاثة ملايين إيراني إلي الهجرة الإجبارية خلال السنوات الأولي للثورة.
وتبنت الثورة أسوأ معاني التطهير والتنوير, فكانت تعني بالتطهير تنظيف الروح من كافة الرذائل وطرد أولئك الذين لهم معتقدات إسلامية غير كافية من مؤسسات الدولة علي حد تعبير رئيس الوزراء وقتها حسين موسوي, أما التنوير فهو إزالة الآثار السلبية للخطايا التي ارتكبها المواطن أيام الشاه,بما يعني محو آثار الحداثة وقطع صلة الإيرانيين بالقيم المعاصرة.
ووفقا لهذا التطهير تم فصل المئات من أساتذة الجامعات مع حرمان الطلبة الإيرانيين من السفر للدراسة في الخارج, وتم فصل البنات عن الأولاد في المدارس مع طرد حوالي 40 ألف مدرس يتشككون في ولائهم للدولة الإسلامية, وتم فتح مكتب ## نشر الفضيلة ومنع الرذيلة##, وهو يشبه الهيئة المنبوذة التي تسمي ## الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية##. وفي عام 1981 أصدر البرلمان قرارا بفرض الزي الإسلامي علي جميع السيدات المسلمات وغير المسلمات في إيران بحجة أن النساء غير المحجبات يعملن علي إثارة الفتنة والمغريات وينفثن الفساد في الحياة العائلية!! ثم صدر قرار بإلغاء وسائل منع الحمل علي أساس أنها غير إسلامية, وتم تطبيق عقوبات الجلد والرجم والإعدام أمام الجماهير.
عندما اشتدت المظاهرات ضد ديكتاتورية الشاه عام 1978 أرسل الخوميني من منفاه رسالة للجنود وقوات الأمن في إيران تقول لهم ##إنهم إذا قاموا بإطلاق النيران علي إخوانهم وأخواتهم فأنهم يكونون بذلك قد أطلقوا النار علي القرآن الكريم##, ولكن إطلاق النار علي نفس الناس حلال في ظل الدولة الدينية التي تجد تبريرا لكل شئ, فمن ذا الذي يعترض علي روح الله وآية الله والإمام المعصوم وظل الله في الأرض!!!
بعد 30 سنة اكتشف الإيرانيون رداءة هذه التمثيلية, فرددوا نفس الهتافات التي انطلقت مدوية عام 1978: الموت للشاه تغيرت إلي الموت للديكتاتور, الموت لنجاد والموت لخامنئي. الإمام المعصوم أصبح في الشعارات الجديدة قائدنا قاتل ورايته باطل. الله أكبر في وجه الشاه استمرت الله أكبر ولكن في وجه الولي الفقيه وتابعه نجاد..لقد اكتشفوا كذبة هذه العصمة, بل إن اعتراض موسوي وكروبي علي نتائج الانتخابات التي وصفها الولي الفقيه بالإنجاز الإيراني الكبير يعني إعلانهم علي الملأ بأنه غير معصوم, ومن ثم سقوط شرعية نظام ولاية الفقيه ذاته, بل والأخطر اكتشاف الإيرانيين كم هو دموي قائدهم هذا الذي يدعي العصمة.
أدرك الإيرانيون أيضا أن ديموقراطيتهم هي الأخري كذبة كبيرة, فهم يتحركون في غرفة مظلمة وبمجرد فتح شعاع بسيط من النور اكتشفوا كم كانوا مغفلين.. أن ما كانوا يقومون به من انتخابات علي مدي ثلاثة عقود ما هو إلا تبديل للكراسي في غرفة مظلمة. وكما يقول المحلل البارز أمير طاهري ## إن طبقة رجال الدين قد سويت بالأرض,وأن المراجع الأخلاقية الجديدة للمجتمع الإيراني لم تعد طبقة الكهنوت الديني, وإنما طبقة الإنتيلجنسيا وأساتذة الجامعات والمحامون وزعماء الحركات النقابية##.
كان الخوميني يقول## إن الإسلام يعارض تماما فكرة النظام الملكي, فالملكية هي أكثر الظواهر الرجعية اتساما بالخزي والعار##.. وبعد 30 سنة من حكم آيات الله يترحم الإيرانيون علي أيام هذه الملكية, فرغم العنف الذي مارسته مخابرات الشاه إلا أنه لا يقارن بما قام به الثوار الإسلاميون, حيث كان الشاه يردد دائما بأن الملك لا يقتل شعبه.
بعد 30 سنة اكتشف الإيرانيون أن الثورة لم تأت لهم بالخبز ولا بالحرية كما كانوا يظنون بل بددت ثروات إيران الكبيرة في مغامرات عبثية في الداخل والخارج, ولا حتي بالأخلاق حيث انتشرت الدعارة في طهران والمدن الإيرانية الأخري بشكل غير مسبوق, وقد أدي ذلك إلي نفور الإيرانيين من الطقوس الدينية ذاتها.
بعد ثلاثة عقود وجدت الجماهير المبرر لكي تخرج وتقول لا للدولة الدينية, لا لولاية الفقيه, لا لتصدير الثورة, لا للفساد, لا للشللية في الحكم, لا للقتل والعنف….لا للنظام الإسلامي برمته.
هذه الجماهير التي خرجت لم تخرج من أجل عيون موسوي ولا كروبي وإنما وجدت من خلالهما المبرر لتقول لقد سحبنا الشرعية عما يسمي بالثورة الإسلامية.
القوي الحية في المجتمع الإيراني التي ثارت علي الشاه عام 1978 لم تكن من أجل عيون الخوميني ولكن من أجل التغيير, ونفس السيناريو يتكرر الآن.
الحكم الإسلامي في إيران حاليا بلا شرعية شعبية ولا شرعية دينية ولا شرعية أخلاقية ولهذا عاد لمربع الاستبداد العسكري الرخيص, ولم يعد أمامه من خيارات سوي التسليم بحق الجماهير أو الحكم بالحديد والنار لحماية العصابة… وهذا الأخير ما أوصي به خامنئي في خطبة الجمعة.
لم تنطل علي أحد فكرة الخارج ودوره, فكل مخابرات العالم لم تكن تتوقع ما حدث في إيران, فكيف يكون لها دور في مشهد لم تتوقعه؟
نعم ربما يكون خامنئي ونجاد قد نجحا في السيطرة علي الموقف ولكن بثمن كبير جدا وهو سقوط شرعيتهما , فكيف يستقيم تصدير الثورة بعد ذلك من نظام لا يملك شرعية في الداخل… فهل سينتهي مبدأ تصدير الثورة أم سيحاول النظام تصدير مشاكله للخارج ؟
[email protected]