حتي قبل تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة, كانت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة تاريخية, لقد شهدت انهيار حزب العمل, وهو الحزب القادر علي الادعاء بأنه أسس دولة إسرائيل والذي كان يضم أهم رؤساء وزرائها, بدءا من ديفيد بن جوريون (كرئيس لحزب ماباي الذي أصبح لاحقا حزب العمل) وصولا إلي جولدا مائير وإسحق رابين,آخر الشخصيات المتبقية من حزب العمل القديم هو شيمون بيريز, الذي أصبح ــ لسخرية القدر ــ رئيسا للبلد فقط لأنه ترك الحزب,ويسيطر علي الساحة السياسية الإسرائيلية الآن ثلاثة أحزاب
يمينية: الليكود وكاديما (المتفرع من حزب الليكود أسسه آرييل شارون) وإسرائيل بيتنا, وهو حزب معظم أعضائه من المهاجرين الروس,لكن في حين أن معظم المعلقين يركزون اهتمامهم علي مستقبل عملية السلام والحل القائم علي دولتين, يبرز داخل إسرائيل سؤال أعمق وأكثر أهمية بالنسبة إلي وجود إسرائيل.
إنه سؤال يطرحه الرابح الأكبر في الانتخابات: وهو أفيجدور ليبرمان,فحزب إسرائيل بيتنا الذي يترأسه فاز بـ 15 مقعدا في الكنيست, واحتل المرتبة الثالثة لكنه اكتسب نفوذا كبيرا حاسما داخل النظام الإسرائيلي, سواء شغل منصبا في الحكومة الجديدة أم لا, فإن ليبرمان والمسائل التي يركز عليها أصبحت محط اهتمام كبير,علي الرغم من أنه ندد بشدة بأعمال مقاتلي حماس الفلسطينيين وحزب الله, فإن هدفه الأول هو الأقلية العربية داخل إسرائيل, التي وصفها بأنها تشكل تهديدا أسوأ من حماس,واقترح طرد مئات الآلاف من المواطنين العرب الإسرائيليين من خلال إعادة تصنيف بعض البلدات الإسرائيلية الشمالية بأنها جزء من الضفة الغربية الفلسطينية,ويتوقع تجريد مئات آلاف الآخرين من جنسيتهم الإسرائيلية لأنهم لم يلبوا المتطلبات القانونية مثل قسم الولاء لإسرائيل أو الخدمة العسكرية الإجبارية (التي يستثني منها عرب إسرائيل حاليا).
مارتن بيريتز, من صحيفة نيو ريبابليك, وهو صهيوني متشدد ومنتقد لحركة السلام, يصف ليبرمان بأنه ##من الفاشيين الجدد… ورجل عصابات بكل ما للكلمة من معني… والنظير الإسرائيلي ليورج هايدر (النمساوي)##, ما من ديموقراطية ليـبرالية قائمة منذ الحرب العالمية الثانية قامت بتجريد مواطنيها من حقوقهم أو طردهم, علي حد علمي.
إن عرب إسرائيل الحاليين ينحدرون من نحو 160 ألف عربي بقوا في الأراضي التي أصبحت دولة إسرائيل عام 1948 ويبلغ عددهم اليوم 1.3 مليون, أي 20 % من عدد سكان إسرائيل الإجمالي, ويتوقع خبراء الديموجرافيا أن يشكلوا ربع سكان إسرائيل بحلول عام 2025,باستثناء إعفائهم من الخدمة العسكرية هم يتمتعون بالحقوق القانونية والواجبات نفسها التي يتمتع بها أي مواطن إسرائيلي آخر,لكن يتم التمييز ضدهم في نواح كثيرة من الحياة, مثل الهجرة وحق امتلاك الأراضي والتعليم والوظائف,وخلص قاضي المحكمة العليا المتقاعد ثيودور أور بعد إجراء تحقيق رسمي يتعلق بالانتفاضة الثانية إلي أن ##عدم المساواة هذه موثقة في عدد كبير من استطلاعات الرأي والدراسات الجدية, وتم تأكيدها في الأحكام القضائية والمقررات الحكومية, كما تم التطرق إليها في تقارير مكتب المحاسبة العامة وفي وثائق رسمية أخري,ومع أن الأكثرية اليهودية غير مدركة بشكل عام لهذا التمييز, فهو يلعب دورا أساسيا في تحديد مشاعر ومواقف المواطنين العرب, هناك إجماع كبير علي أن هذا التمييز سبب أساسي للتململ##.
هذه الكراهية متبادلة,فقد قال عزمي بشارة, وهو عضو عربي سابق في الكنيست, بعد توجيه تهم إليه بالتحريض علي الفتنة لأنه عبر عن تأييده لحزب الله: ##الناس الذين بقوا هنا لم يهاجروا إلي هنا,فهذا بلدنا, لهذا السبب لا يحق لكم التحدث إلينا في مسائل الولاء, هذه الدولة أتت إلي هنا وتم فرضها بالقوة علي أنقاض أمتي,لقد قبلت المواطنة فيها كي أتمكن من العيش هنا ولن أقوم بأي شيء قد يهدد أمن الدولة,لن أتآمر ضد الدولة, لكن لا يمكنكم أن تسألوني كل يوم إن كنت أكن الولاء للدولة, المواطنة تفرض علي الولاء للقانون, ولكن ليس لقيم أو أيديولوجيات الدولة,يكفي أن أكون مطيعا للقانون##, طوال عقود, بقي عرب إسرائيل مطيعين للقانون, وأوفياء للبلد خلال حروبه الكثيرة مع جيرانه. الآن بدأ هذا الولاء يتلاشي. فالعرب الإسرائيليون ــ حتي المسيحيون منهم, وليس فقط المسلمون ــ لم يعودوا يصوتون لمصلحة الأحزاب الإسرائيلية الأساسية,وعلي الرغم من نسبة الاقتراع الضئيلة, حققت الأحزاب العربية نتيجة جيدة, وفازت بـ11 مقعدا في الكنيست,غير أن الأحزاب العربية لم تكن يوما ممثلة في الحكومة التي تحد من تأثير المواطنين العرب علي السياسة الإسرائيلية.
إن علاقة إسرائيل مع أقليتها العربية أكثر أهمية من التعامل مع حزب الله أو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد,علي إسرائيل أن تقرر كيف ستتعامل مع العرب داخل أراضيها,وعلي الرغم من أن دعوة ليبرمان لإقصائهم تبدو متطرفة جدا, فقد اجتذبت الكثير من الإسرائيليين,لقد حذر بنيامين نتنياهو من أن عرب إسرائيل يشكلون قنبلة ديموجرافية مؤقتة,وهو يعتبر ذلك أمرا غير مقبول.
بيني موريس المؤرخ الذي كان يدعو للسلام في الماضي والذي قام بتوثيق الطرد القسري لمعظم الفلسطينيين من الدولة اليهودية عام 1948 أصبح يجادل الآن بأن إسرائيل بحاجة إلي حماية نفسها من العرب الذين يعيشون داخل حدودها,وحذر قبل خمس سنوات في مقابلة مع صحيفة هاآرتس قائلا: ##قد يشكلون طابورا خامسا,ومن الناحيتين الديموجرافية والأمنية, يمكن أن يقوضوا الدولة ,إن كان التهديد الذي يشكلونه علي إسرائيل وجوديا, سيكون طردهم مبررا##, إنها دوامة خطرة: كلما تنامت مشاعر عدم الثقة, شعر عرب إسرائيل بولاء أقل لبلدهم, والعكس بالعكس,وقد سلطت انتخابات الأسبوع الماضي الأضواء علي هذه المسألة, وإيجاد حل لها سيحدد مستقبل إسرائيل كبلد وكدولة يهودية وكديموقراطي.
واشنطن بوست