خلال زيارته لإسرائيل في يومي 29 و30 من شهر يوليو المنصرم ولقائه بعدد من المسئولين هناك, حرص المرشح الجمهوري ميت رومني علي الإدلاء بجملة من التصريحات كان الهدف منها استقطاب أصوات اليهود في عدد من
خلال زيارته لإسرائيل في يومي 29 و30 من شهر يوليو المنصرم ولقائه بعدد من المسئولين هناك, حرص المرشح الجمهوري ميت رومني علي الإدلاء بجملة من التصريحات كان الهدف منها استقطاب أصوات اليهود في عدد من الولايات الأساسية التي تحتدم فيها المعركة الانتخابية قبل الاستحقاق القادم في شهر نوفمبر المقبل. وقد سعي في تلك التصريحات إلي إبراز نفسه باعتباره مساندا لإسرائيل أكثر من الرئيس أوباما ومؤيدا لقضاياها وسياستها بما لا يقارن مع الإدارة الحالية. وقد انتهج رومني هذا الأسلوب في المزايدة علي أوباما من خلال مجموعة من الوسائل والتكتيكات; أولها التزامه بسياسة أوباما تجاه إيران في رفض احتواء طهران إن هي سارعت إلي امتلاك السلاح النووي, مع زيادته علي ذلك بالقول إن الولايات المتحدة تحت قيادته ستساند قرار إسرائيل باستخدام القوة ضد النظام الإيراني بصرف النظر عن أية ظروف قد تحول دون ذلك, وأنه لن يقف في وجه الدولة العبرية إن هي أرادت شن ضربة علي المنشآت النووية الإيرانية استباقا لأي خطر داهم, وهو في ذلك لم يشر إلي حلفاء أمريكا الأوربيين وغيرهم الذين يؤيدون حتي هذه اللحظة سياسة فرض العقوبات الاقتصادية علي إيران وتضييق الخناق عليها لحملها علي تقديم تنازلات دون الحاجة للجوء إلي القوة.
أما ثاني تكتيكات رومني فتكراره لتعهدات سابقة قطعها كل من كلينتون وبوش بشأن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس دون أن يتمكنا من ذلك عندما توليا الرئاسة, لتظل السياسة الرسمية الأمريكية حول القدس أن مصيرها سيتحدد في إطار اتفاق الحل النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين, وأنه في غياب هذا الاتفاق لا يمكن للولايات المتحدة نقل السفارة لما يثيره ذلك من تعقيدات, لذا من السابق لأوانه الحديث عن نقل السفارة. لكن ذلك علي ما يبدو لم يمنع رومني من اجترار التعهد ذاته عله يحظي بدعم اللوبي الإسرائيلي.
وكان التكتيك أو المقاربة الثالثة لرومني بهدف استقطاب أصوات اليهود, ومعهم المحافظين الأمريكيين, تعليقاته بشأن النجاح الاقتصادي لدولة إسرائيل مقابل تعثر تجربة الاقتصاد الفلسطيني, لاسيما في ظل الدعوات الأخيرة والمناشدات المتكررة للسلطة الفلسطينية بالتدخل لتمويل أنشطتها والتحذيرات التي أطلقتها من قرب تعرضها للإفلاس, حيث فسر رومني ذلك بعوامل ثقافية, وهو تعليق مهين للفلسطينيين يحمل ثقافتهم مسؤولية الفشل. والحقيقة أن مثل هذه التصريحات تحركها رغبة رومني في استمالة ##شيلدون أديلسون##, الملياردير الأمريكي الذي تعهد بتقديم 100 مليون دولار كتبرعات لدحر أوباما وإخراجه مهزوما من البيت الأبيض.
والأكثر من ذلك أن رومني, وفي معرض تودده للوبي اليهودي, اكتفي بزيارة إسرائيل دون التعريج علي الأراضي الفلسطينية كما درجت العادة من قبل المسئولين الأمريكيين, بل حتي الشخصيات غير الرسمية. واقتصر في لقائه مع الفلسطينيين علي اجتماع مقتضب مع رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض. بيد أن فشله في الإشارة ولو بجملة قصيرة إلي واقع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وتأثيره السلبي علي الاقتصاد الفلسطيني, أثار غضب المسئولين الفلسطينيين الذين سارعوا فورا لإدانة تصريحاته. فقد قال كبير مساعدي الرئيس الفلسطيني, صائب عريقات, إن ما تلفظ به رومني هو ##تصريحات عنصرية لا تعرف بأن الاقتصاد الفلسطيني لا يمكنه الوصول إلي إمكاناته الكاملة بسبب الاحتلال الإسرائيلي وممارساته التي تضيق الخناق علي حرية التنقل. ويبدو أن هذا الرجل يفتقر إلي المعرفة والرؤية, بالإضافة إلي عدم فهمه للمنطقة وشعوبها##. وفي انتقاد لاذع لرومني, أضاف عريقات أن الرجل لا يعرف حتي إسرائيل التي خصها بالزيارة, إذ ##لم أسمع من إسرائيلي واحد في السابق شيئا عن تفوقهم الثقافي##.
ورغم أنه من الطبيعي أن يزور المرشحون للرئاسة الأمريكية إسرائيل, لكسب أصوات اليهود والمحافظين في الولايات المتحدة, إلا أن رومني ذهب بعيدا في انحيازه وفي تصريحاته المستفزة, وهو يسعي من وراء ذلك إلي تعزيز مكانته في بعض الولايات التي تضم كثافة يهودية مثل فلوريدا حيث من المتوقع أن يكون السباق متقاربا بينه وأوباما.
ومع أن استطلاعات الرأي تشير إلي تفضيل اليهود الأمريكيين التصويت تقليديا للديموقراطيين, وتأكيد ذلك في الاستحقاقات القادمة التي تؤكد تصويت أغلب اليهود لصالح أوباما, كما كان عليه الحال في عام 2008, إلا أن رومني يطمح إلي استمالة بعض الأصوات نحو اليمين عل ذلك يرجح كفته في انتخابات يتوقع أن تكون متقاربة.
وربما يكون رومني قد سعي أيضا إلي تبديد مخاوف المحافظين والمسيحيين الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل بشأن انتمائه للطائفة المرمونية, أو بشأن مواقفه حول عدد من القضايا الاجتماعية مثل الإجهاض وغيرها التي يبني بشأنها رأي ليبرالي.
والخلاصة أن رومني مستعد للقيام بكل شيء لاجتذاب الأصوات, حتي ولو استدعي ذلك الخروج عن ثوابت السياسة الرسمية للولايات المتحدة والتشدد في بعض المواقف, مثلما برز ذلك خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل. والحال طبعا أنه لو قيض لرومني الفوز بمنصب الرئاسة وقيادة الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة, فإنه سيضطر كغيره للتخلي عن العديد من التعهدات التي يفرضها السباق الانتخابي والتراجع عن الكثير من التصريحات أمام حقائق الشرق الأوسط وواقعه المعقد الذي يحتاج إلي تعاون أمريكا مع الدول العربية والأوربيين لمواجهة تحدياته. وسرعان ما سيدرك رومني أن قضايا المنطقة أكثر تعقيدا من أن تحلها نواياه السطحية التي قد تقود أمريكا إلي الكارثة, وهنا يمكنه الاستفادة من دروس أوباما الذي قدم إلي السلطة متحمسا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وقد وضعه علي رأس أولوياته, بل عين مبعوثا خاصا للمنطقة هو جورج ميتشل, وسعي أيضا في غمرة الحماس إلي فرض تجميد المستوطنات علي إسرائيل. لكن ما أن تقدم به الزمن في الرئاسة حتي تبينت له صعوبة الضغط علي إسرائيل, لتتعثر عملية السلام. لذا يتعين علي رومني في حال وصوله إلي الرئاسة توطيد العلاقات مع أوربا وتركيا والأردن ودول الخليج العربي, والقيام بخطوات تصالحية مع الفلسطينيين, بالإضافة إلي تعزيز العلاقات مع الحكومات الجديدة في مصر وتونس وليبيا. ذلك إذا كان يريد تمتين تحالفه لمواجهة التحدي النووي في إيران, ومعالجة تداعيات الحرب الأهلية في سوريا.
نيويورك تايمز