ثورة العائلة المصرية…هكذا يري نيافة الأنبا موسي أسقف الشباب ثورة ميدان التحرير التي غيرت نظام الحكم..وعندما يقول أسقف الشباب هذا قد يتصور البعض أنه يقلل من دور الشباب..ولكن علي العكس تماما فنيافته يري أن الشباب هو الطاقة والمحرك والفكر المتجدد للثورة الإليكترونية..وهناك مقولة لقداسة البابا شنودة الثالث كنيسة بلاشباب كنيسة بلا مستقبل فإنه بالحري وطن بلا شباب وطن بلا مستقبل..ولكن نيافة الأنبا موسي مع هذا فإنه يري أن الثورة التي غيرت وجه مصر…وأعادت لها وجهها المشرق هي ثورة كل المصريين…الشباب…والكبار, الطلبة والموظفين, العمال والفلاحين, الأقباط والمسلمين…ثورة العائلة المصرية.
*قبل 25يناير هل كنت تري مصر في حاجة إلي ثورة؟
**لاشك أن شباب 25يناير وهو يمتلك مخزونا حضاريا ضخما كان يحمل في أعماقه غضبا نبيلا, تبادلوا الحوار في الحوار في العالم الافتراضي علي الإنترنت, وخرجوا يطالبون بالتغيير الحقيقي والجذري من أجل مصر أفضل…وكانت مطالبهم كلها شرعية, فقد طالب الشباب بالحرية السياسية التي تتطلب تعديلات دستورية كثيرة سواء في حرية تكوين الأحزاب, أو الانتخابات النزيهة للوصول إلي دولة مدنية وجمهورية برلمانية, وطالبوا بتنمية اقتصادية لمكافحة البطالة وإيجاد فرص عمل تتناسب مع طموحات الشباب في حياة كريمة, وطالبوا بالعدالة الاجتماعية حتي لايبقي الفرق الشاسع بين طبقات ثرية للغاية وملايين يسكنون العشوائيات.
*جاء في كلام نيافتكم تعبيرمخزون حضاري ماذا تقصدون؟
**البعض ما كانوا يتصور أن المظاهرات التي بدأت سلمية ستصل إلي إسقاط النظام, وهذا يرجع إلي أن النظام نفسه لم يقرأ هذه الثورة المتصاعدة في قلوب الشباب, وتصور أنه قادر علي قمع هذا الاتجاه الثائر بالأسلوب الأمني, ولم يدرك أن الشباب الذي خرج يوم25يناير كان يملك مخزونا حضاريا ضخما, فهو لم يكن يفكر في شئ سوي مصر, ونسي كل منهم أية أغراض شخصية أوطائفية, فاجتمع المسلمون مع المسيحيين, والشباب مع الكبار, والطلبة مع الموظفين, والعمال مع الفلاحين,ارتفعوا جميعا من الشخصي إلي الموضوعي, ومن الطائفي إلي الوطني…وحتي الجيش المصري تعامل مع الشباب والشعب بأسلوب حضاري رائع, وكان الشباب يعانقون الجنود في حب, وفي اللجان الشعبية التي حلت محل جهاز الأمن تحرس البيوت والأفراد رأينا إخوتنا المسلمين يحرسون الكنائس فلم يحدث أدني اعتداء علي أية كنيسة في أنحاء القطر…هذا كله نتاج مخزون حضاري ضخم.
*قيل أن توجيهات صدرت للشباب القبطي بعدم المشاركة في المظاهرات…ما حقيقة هذا؟
**الكنيسة القبطية لا تعرفالتوجيه وإصدار التكليفات…نحن نأخذ بأسلوب الاقتناع, ونفرق بينالقمع وهذا مرفوض كلية, وبين الاقناع وهو المفهوم الذي تأخذ به الكنيسة القبطية من خلال التربية الحوارية, حتي في القضايا الروحية, فعندما نتكلم مثلا عن التدخين لانصدر توجيهات بمضار التدخين, ولكننا ندخل في حوار مع الشباب ليتحدث ويناقش إلي أن يقتنع.
والبابا عندما كان يبدو قريبا من حسني مبارك من خلال تناقل أخبار اتصال قداسته به للاطمئنان عليه, فهذا كان من منطلق إنساني, ومن منطلق ديني أيضا, فالتعاليم المسيحية تدعونا للسؤال عمن في شدة أو ضيق أو مرض, ولكن البابا لم يفرض رأيا علي الشباب…ومواقف قداسة البابا في هذا معروفة فهو -مثلا- يدعو الشباب القبطي للتخلي عن السلبية, ويطالبهم باستخراج بطاقات انتخابية, ولكنه لايدعوهم للانحياز لحزب معين, يدعوهم فقط لممارسة حقوقهم السياسية ليكونوا إيجابيين في اختيار ممثليهم الأفضل أيا كانت انتمائتهم الحزبية أو حتي الدينية…ولهذا رأينا الشباب القبطي مع باقي أطياف المجتمع في ميدان التحرير.
*كيف رأيتم نيافتكم هذا؟
**رأيت المواطنة…المسلمين والمسيحيين حققوا المواطنة وتذوقوها…والشباب المسيحي الذي شارك في ميدان التحرير حكي لي كيف تعامل معهم المسلمون بكل الحب, وكيف احتضنوهم خلال أيام الاعتصام…وعلي الجانب الآخر فأنا واثق في تصرفات الشباب القبطي…فالكتاب يعلمنا أن نحب إيجابيا, وأن نتفاعل ولانكون سالبين ومعزولين…والكنيسة القبطية تذخر الآن بتيار المشاركة الوطنية, فنحن نعلي ونفعل قيم المواطنة لدي شبابنا, وفي مجموعة المشاركة الوطنية, وهي أحد أنشطة أسقفية الشباب التي تكونت سنة 1985 وأمينها الأستاذ سمير ذكي تستضيف كبار الكتار والمفكرين والمثقفين وقيادات الأحزاب ليحاورهم الشباب القبطي في قضايا الوطن والمواطنة…ونحن بهذا خلقنا جيلا من الشباب القبطي الواعي المستنير المشارك بإيجابية في قضايا الوطن لأنه يعرف جيدا ماهي المواطنة.
**ونشكر الرب أن أسقفية الشباب بها مراكز متعددة لتثقيف الشباب…لدينا مركز تدريب خدام الشباب, ولدينا كورسات صيفية متخصصة للشباب, وفي شهور الصيف نقيم ببيت مارمرقس بأبوتلات مؤتمرات الشباب والخدام ويحضرها الآلاف من كل أنحاء البلاد…ومن أهم ركائز عمل أسقفية الشباب إلي جانب الموضوعات الكنسية والروحية فإننا ندرب الشباب في عدة برامج تحت اسم قيادة وإدارة لتخرج قادة يعرفون ثقافة الحوار, والتعليم بالمشاركة, ومن هنا عودنا الشباب علي التفاعل, وعلي الحوار…والكنيسة تؤمن بالتربية الحوارية ولاتؤمن بتربية التلقين التي تنتهجها المدارس والتي تعتبر كارثة تعليمية… وقداسة البابا شنودة هو صاحب هذه المدرسة فهو دائم في حوار مع الشعب ومع الشباب, وفي لقاء قداسته الأسبوعي بالكاتدرائية يستمع إلي كل تساؤلات الشعب ويجيب عنها, ومن خلال هذا الحوار فإن قداسته يحس باحتياجات الناس, وهذه هي قيمة الحوار والتواصل.
*لو لم تكن بالكنيسة القبطية أسقفية للشباب…ماذا كانت ستكون الصورة الآن؟
**البابا شنودة هو أول أسقف للشباب…فهو كان أسقفا للتعليم والتربية الكنسية, وأسقف التعليم هو أسقف البشاب لأن الشباب جزء من التربية الكنسية, وهو الذي جمع الشباب القبطي منذ أن كان أسقفا للتربية الكنسية, وعندما رسمني أسقفا عاما سألني عن الجانب الذي يمكن أن أساعده فيه فأخترت هذا الجانب من الخدمة…والبابا شنودة يؤمن بدور الشباب وله في هذا مقولهكنيسة بلاشباب كنيسة بلامستقبل…ولهذا فهو يهتم بهم ويحتضنهم ويستمع إليهم كثيرا, وهم يحبونه ويتعلقون به رغم فارق السن, فالبابا شنودة شبابي في فكره ورؤيته وتعاليمه.
*هل لدي نيافتكم تصور لدور الشباب في المرحلة القادمة؟
**الشباب طاقة حيوية وفكر متجدد…نحن الكبار لدينا الخبرة ولكننا لا نملك حيويتهم…والمستقبل لخبرة الكبار وحيوية الشباب فضلا عن أن شباب هذا الجيل يملك الفكر المتجدد المبني علي الثورة الإليكترونية في العالم…من هنا لابد من التفاعل بين الأجيال والتي ينبغ ألا تنفصل عن بعضهم البعض, ولا أن تتصارع, عليها أن تتكامل وتتواصل, فلا الكبار يستغنون عن الصغار بحيويتهم, ولا الصغار يستغنون عن الكبار بحكمتهم…حقيقي هناك ما يسمي بالفجوة العمرية أو ما يطلق عليهفجوة الأجيال لكن المهم ألا نترك هذه الفجوة لتملأ بالصراع…علينا أن نملأها بالتفاعل والتكامل والتواصل…وهذا ما نتمناه في الفترة القادمة…نجاح ثورة الشباب لايعني أن إدارة النظام ستكون للشباب…سيأتي وزراء ليسوا شبابا, ولكن سيكون كل فكرهم متجه نحو الشباب.
*بماذا تنصح نيافتكم الشباب بعد نجاح ثورتهم؟
**أي نجاح لابد أن تكون له فرحة…لكن الخوف أن يصاحب النجاح غرور..لهذا علي الشباب أن يحجم الغرور, ويفرح بالنجاح الذي حققه الشباب هم الذين ابتدأوا الثورة, وبعدما انضم إليهم الأحزاب والحكماء والقوي السياسية والجيش لأن الجيش جزء من الشعب…لهذا أحب أن أسميها ثورة العائلة المصرية.