بعد احتفالاتنا الروحية بأعياد الميلاد المجيد والظهور الإلهي واعتماد السيد المسيح, نتأمل معا موضوع سر التجسد وكيف تم وغايته.
ماهو سر التجسد؟
في المسيحية لا وجود للإنسان قبل الولادة. لهذا لا نستعمل لفظة تجسد إلا ليسوع المسيح ابن الله, لإنه إله ، له وجود قبل التجسد وبعده. وكان الابن قبل التجسد وفي أثناء التجسد وبعد التجسد. كان الابن قبل وجود العالم.
يقول القديس بولس في رسالته إلي كنيسة قولسي: هو يعني ” المسيح يسوع ” , صورة الله الذي لا يري وبكر الخلائق كلها. به خلق الله كل شيء في السموات وعلى الأرض , ما يُرى وما لا يُرى.
به وله خلق الله كل شيء , كان قبل كل شيء وفيه تكوّن كل شيء (قولسي 1: 15 – 17)
وكتب القديس يوحنا في مقدمة إنجيله في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله . به كان كل شيء . فيه كانت الحياة . والكلمة صار بشرا فسكن بيننا فرأينا مجده , مجدا من لدن الآب لابن وحيد ملؤه النعمة والحق (يوحنا1: 1- 15)
التجسد في اللاهوت المسيحي سر من أسرار الإيمان الثلاثة : سر الثالوث الأقدس ، سر التجسد ، وسر الفداء . سر التجسد هو هذا السر العظيم الذي جعل الأقنوم الثاني ، أي الأبن ” يسوع ” يأخذ جسداً بقوة الروح القدس في احشاء العذراء مريم ويصبح إنساناً ويعيش ثلاثة وثلاثين عاما حياة البشر بكاملها بدون أي خطيئة لذلك كتب بولس الرسول: “ المسيح شبيه بنا في كل شيء إلا بالخطيئة (عبرانيين 4: 15).
كيف تم التجسد؟
قال الملاك جبرائيل لمريم : ” تلدين ابنا… سيكون عظيما وابن العلي يُدعى … الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك… والمولود منك ابن الله يُدعى ” (لوقا 1: 26- 35).
وبعد تسعة أشهر ، “ ولدت مريم ابنها البكر و وضعته في مذود ” (لوقا 2: 7).
ويقول القديس لوقا : بعد العثور على يسوع في الهيكل بين العلماء والحكماء , ” كان يتسامى في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس “ (لوقا 2: 52).
” وظهر يسوع في مجتمعه فأدهش الجميع بذكائه وأعماله فقيل عنه : ” لم نرى إنسانا يتكلم كهذا الإنسان
وعرف يسوع الصداقة فقدّرها والمحبة فعاشها. وعانى من الجوع والعطش والألم والبغض والاضطهاد. وأحب أخاه الإنسان وأشفق على البأس والمظلوم و الحزين والمريض والمتألم ، فشفى المرضى ، وأقام الموتى وأطعم الجياع…
تخوّف من الألم والموت ولكن رفع صلاته إلى أبيه السماوي قائلاً : “يا أبت, إن شئت فأصرف عني هذه الكأس… ولكن لا مشيئتي , بل مشيئتك ” وتراءى له ملاك من السماء يشدد عزيمته ، (لوقا22: 42- 43) . فقبِل الألم والعذاب نزولاً عند إرادة أبيه. وعلى الصليب شعر بالوحدة فصرخ عالياً : “ إلهي إلهي لماذا تركتني ؟… ثم عاد وقال : ” يا أبت, في يديك استودع روحي ! قال هذا وأسلم الروح ” (لوقا 23: 46).
مات, وقبر, وقام في اليوم الثالث منتصرا علي الموت.
فكتب بولس الرسول : ” أين ياموت شوكتك ؟ إن شوكت الموت هي الخطيئة , وقوة الخطيئة هي الشريعة. فالشكر لله الذي أتانا النصر عن يد ربنا يسوع المسيح ” (قورنتس الأولي 15:55 -57).
ولم يكن التجسد ، تجسد يسوع المسيح ، حالة طارئة ولغاية شخصية وأنانية, فالغاية من تجسد المسيح خلاص الإنسان وجعله ابناً له وادخاله الملكوت
غاية سر التجسد :
في الخلق, الإنسان صورة الله ومثاله
في التجسد, يصبح الله صورة الإنسان ومثاله
في التجسد, أصبح الله الابن من لحم الإنسان ودمه وجنسه.
وقد أطلق يسوع على نفسه لقب “ابن الإنسان ” .
أصبح الله إنسانا, يقول القديس أثناسيوس ، لكي يصبح الإنسان إلهاً.
هذه هي رسالة الله الابن على الأرض.
هي رسالة خلاص وتأليه . تجسد الابن وبآلامه وموته على الصليب كفّر عن الخطايا والتمس الغفران وقدّس النفوس وفتح لها باب السماء وأدخلها السعادة بشرط التوبة والغفران والفضيلة.
خلاصة تأملنا: إن التجسد هو سر مسيحي محض سبَبَهُ حُب الله للإنسان ، وغايته خلاصه وجعله ابنه بالتبني.