أعتقد أنّ تفجير الطائرة الروسية، وجريمة قتل المواطنين الفرنسيين على يد الأصوليين الإسلاميين ، الذين رفض شيخ الأزهر تكفيرهم ، وطلب من الدول الأوروبية عدم وصفهم بالإسلاميين ، أعتقد أنّ كل ذلك يُـحتم استرجاع المشهد الذى بدأ فى يناير2011.
لم تــُـحقق انتفاضة يناير 2011 أهدافها وأهم تلك الأهداف إقامة مجتمع عصرى يتأسس على قاعدة أنّ لا فرق بين مواطن ومواطن إلاّ بعمله وليس بمنصبه أو ديانته إلخ .
طغيان اللغة الدينية والسطو على انتفاضة يناير:
رفضتْ الجماعات الإسلامية المشاركة فى انتفاضة يناير 2011 فى أيامها الأولى، ومع التصاعد الدراماتيكى لأحداث الانتفاضة (صمود الثوار+ تنازلات النظام المتوالية) صدرالأمر لأتباعهم ل
مع التمهيد ليوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية ، بدأتْ الحرب الهجومية على شعبنا الطامح فى دولة عصرية. كثــّـفتْ الميديا الأصولية دعايتها بخلط الدين بالسياسة. وكان الأصولى صاحب تعبير (غزوة الصناديق) على حق فى وصفه الدقيق لمرحلة التحول من إسقاط نظام سياسى استبدادى إلى الطغيان باسم الدين. وجاءتْ واقعة قطع أذن مواطن قبطى مسيحى لتؤكد هذا الطغيان، وبعد يوميْن من هذه الواقعة تم قطع رقبة قبطى مسلم لأنه لا يحرص على صلاة الفجر، وبعد أيام بدأتْ (غزوة هدم الأضرحة) نجحوا فى هدم أضرحة الأولياء المعروفين على نطاق محلى فى بعض المدن والقرى، ثم أعلنوا أنّ الدور سيأتى على الأضرحة الشهيرة مثل مقام السيدة زينب والسيدة نفيسة إلخ وهكذا تبدأ مصر مرحلة جديدة من الصراع الاجتماعى، فبعد أنْ كان الاحتقان الدينى السائد بين الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين، انتقل إلى الصراع بين المسلمين والمسلمين، إذْ أنّ شعبنا (مسلمين ومسيحيين) مولع بظاهرة الأولياء، مع مراعاة أنّ حب الأولياء لم ينتقص من العقيدة الدينية، ولعلّ إجماع علماء الاجتماع على (تدين) شعبنا أكبر دليل على نفى ما يُردّده الأصوليون من أنّ الاحتفال بالأولياء ومقابرهم داخل المساجد نوع من الشرك بالله. ولكن هل ينتهى المشهد بهدم الأضرحة أم سيعقبه الاعتداء على المدافعين عنها كما فعل الوهابيون فى بداية الدعوة الوهابية؟ ذكر الجبرتى أنّ آل سعود تآمروا مع الوهابيين للاستيلاء على مكة وطرد أهلها الأصليين، وأنّ أشراف مكة لجأوا إلى مصر لحمايتهم من بطش الوهابيين. إلى أنْ يقول ((أخذ البلدة الوهابيون واستولوا عليها عنوة وقتلوا الرجال وأسروا النساء والأطفال . وهذا دأبهم مع من يحاربهم.. وهدموا قبة زمزم والقباب التى حول الكعبة والأبنية التى أعلى من الكعبة)) (عجائب الآثارفى التراجم والأخبار- ج 6- لجنة البيان العربى- عام 1966من ص 26- 69وما بعدها) ولم تكن مصادفة أنْ يرفع الوهابيون علم السعودية فى قرى مصر، وأنْ يكون دفن الموتى سعوديًا وليس مصريًا.
المتعلمون الكبار والترويج للأصولية الدينية:
وإذا كان البسطاء من أبناء قنا رفضوا تعيين المحافظ لأنه (مسيحى) فالمعنى أنّ الولاء يجب أنْ يكون للدين وليس للإنتماء الوطنى ومراعاة الصالح العام بغض النظرعن الديانة. جرثومة وضعها جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى وتبناها من بعده المتعلمون الكبارأمثال أ. فهمى هويدى ود. محمد عمارة الذى لا يمل من الهجوم على الديانة المسيحية. وإذا كانت مبادىء العلمانية هى التى نجحتْ فى تحقيق الاستقرار لدى الشعوب المتحضرة ، فإنّ فضيلة شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ذكر أنّ الأزهر سيتصدى للعلمانية (المصرى اليوم 12/4/2011ص8) فى حين أنّ د. عبدالمعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية وعى خطورة الأصولية الدينية عندما انتقد الداعية الإسلامى أبوإسحق الحوينى الذى قال ((مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة واتنين مش كان ح يسلم ناس كتير فى الأرض واللى يرفض كنا ناخدهم أسرى وناخد أولادهم وأموالهم ونساءهم وكل ما يتعذر ياخد راس ويبيعها)) (نقلاعن د. خالد منتصر- المصرى اليوم 15/4/ 2011) ولأنّ الإسلاميين تدربوا على التلون لذا عندما سئل د. سعد الكتاتنى مؤسس حزب (الحرية والعدالة) عما إذا كان الحزب سيدعو إلى تطبيق الحدود قال ((لكل حادث حديث والحديث فى موقع المعارضة يختلف عن الحديث فى موقع الحكم)) (نقلا عن أ. ياسر عبد العزيز- المصرى اليوم17/4/2011) أما د. محمود عزت نائب مرشد الإخوان فذكر أنّ تطبيق الحدود ((ممكن بعد امتلاك الأرض)) أى أنّ مصر محتلة وأنّ الأصوليين سيحرّرونها. وذكرتْ المصري اليوم أنها بثتْ التسجيل الصوتى لصاحب التصريح على موقعها الإلكترونى (17/4/2011) وإذا كانت الميديا المصرية تحتفى بالأصوليين ، فكيف وصل بعضهم إلى لجنة تعديل الدستور أمثال أ. طارق البشرى وأ. صبحى صالح القيادى الإخوانى ؟ هل هوالتمهيد للدولة الطالبانية وحرق مصر كما حدث فى البروفات التمهيدية ( قطع طريق السكة الحديد فى قنا وحرق بيوت ومحال تجارية فى المنيا فى أبو قرقاص يمتلكها المسيحيون–التفاصيل أهرام 20/4/2011ص13)
هل تتحول الانتفاضة إلى نكبة على شعبنا ؟
أعتقد أنّ مصر فى مفترق طرق : إما أنْ يحصل شعبنا على حريته لينطلق نحو تأسيس الدولة العصرية التى أول مبادئها أنه لا فرق بين مواطن ومواطن إلاّ بعمله وليس بديانته. وهذا هو المدخل الحقيقى لتحقيق التقدم ، أو الاستسلام للإسلاميين الذين (مع افتراض حُسن النية) يسحبون مصر إلى عصرالكهوف . وإذا كان البعض يُهاجم أمريكا (الكافرة) فإنّ عالم اللغويات الكبير (ناعوم تشومسكى) كتب ((عمدتْ أمريكا وحلفاؤها إلى دعم الإسلاميين الراديكاليين بصورة منتظمة لتفادي خطر النزعات القومية العلمانية. والمثال الشائع لذلك هو السعودية إذْ هى مركز الإسلام الراديكالى)) (صحيفة الجارديان– 4/2/2011) وأنّ ((التهديد الحقيقى لأمريكا هو إستقلال الشعوب . وأنها تُدعّم الإسلاميين المُتشددين لتجنب قيام دولة قومية علمانية. وأقرب مثال على ذلك هو العلاقة بين واشنطن والسعودية)) (نيويورك تايمز- 5/2/2011) وإذا كان الأحرار يؤمنون بالدور الوطنى للمؤسسة العسكرية المصرية ، فإننى أناشد تلك المؤسسة الابتعاد عن الأصوليين من كل دين ، واستيعاب درس السادات الذى قتله من أخرجهم من السجون. واستيعاب ما يفعله أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأنّ التقدم مرهون بالعلم والحرية. وصدق الشاعرالكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى قوله الحكيم ((أهل العصور الحديثة يتحرّكون منحاضر إلى مستقبل. ونحن نرجع القهقرى من ماضٍ إلى ماضٍ أبعد. هُم ينتجون ونحن نستهلك. الغربيون لهم العلم والديمقراطية والقدرة على تسخير الطبيعة. ولنا الطغيان والقدرة على تسخيرالجن)) (أهرام 20/4/2011)