شاءت المصادفة أنْ أقرأ مقرر كلية الآداب جامعة الإسكندرية سنة أولى عن مـــــادة حقوق الإنسان، حيث جاء في البند الثاني مايلي: حرية العقيدة منوطة بالأديان السماوية الثلاثة: و”عدم جواز توثيق عقود زواج البهائيين لأنّ البهائية ليست من الأديان السماوية وتتعارض معها” وبعد ذلك يشرح أستاذ المادة الأسباب فيقول :”استقر القضاء الإداري على أنّ حال البهائية لا يجوز القياس بينها وبين الأديان الأخرى التي اعتبر الإسلام معتنقيها من أهل الذمة. يُتركون على ما هم عليه وتستحق عليهم الجزية” وهكذا في أول درس من دروس حقوق الإنسان يتعلم الطالب أنّ المصريين (المسيحيين) ليسوا مواطنين، وإنما هم “من أهــــل الذمة وتستحق عليهم الجزية” أي أنّ الأستاذ الجامعي ينافس الأصوليين في هدم الولاء الوطني.
أما موقف الأستاذ الجامعي من البهائية، فهو كما يلي: “ولا يجوز الحجاج بحرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر التي كفلها الدستور للقول بوجوب الاعتراف بالبهائية” إلى أنْ يقول “يجب للاعتداد بالعقيدة وآثارها وللسماح بإقامة شعائرها أنْ تكون منبثقة عن الأديان المعترف بها وهي اليهودية والمسيحية والإسلام وألاّ تكون مخالفة للنظام العام والآداب، أي لا يجوز الردة في الإسلام، لأنّ المرتد يبطل عمله ولا يقر على ردته ويهدر دمه” وهكذا لايكتفي الأستاذ الدكتور بإعلان موقفه الرافض لحق البهائيين في اعتناق ما يؤمنون به، وإنما يُعلن أيضًا أنّ البهائية ضد ((الآداب)) وهذا هو الدرس الثاني. أما الدرس الثالث فهو تربية الطلاب على قتل المختلف دينيًا، بالنص على أنّ “المرتد يُهدر دمه”.
ثم يستطرد الأستاذ الدكتور قائلا “ومتى تثبت مخالفة البهائية للنظام العام، امتنع مباشرة أي تصرف لاتباعها، بوصفهم بهائيين أو ترتيب أي حق على هذه التصرفات، لأن ّالباطل لا ينتـج إلاّ باطلا . لهذا فإنّ زواج البهائي أيًا كان أصل ملّته يكون باطلا بطلانًا مطلقًا، ولا يجوز توثيقه.
وهذا هو الدرس الرابع الذي يتعلّمه الطلاب في مادة ( حقوق الإنسان ) حرمان البهائيين من حـق أساسي من حقوق الإنسان التي نصّتْ عليها المواثيق الدولية، أي حق الإنسان في اعتناق ما يشاء من أديان ومذاهب، وحقه في توثيق زواجه وما يترتّب على ذلك التوثيق من حقوق للأبناء. يُعلل الأستاذ الدكتور موقفه من البهائية، بأن يُذكّر الطلبة بالقانون الصادر عام 1960 بشأن حل المحافل البهائية ووقف نشاطها..إلخ .
وفي مادة حقوق الإنسان يتعلّم الطلبة أيضًا ما يلي:”بطلان زواج المرتدة، عدم توريـث المرتدة، عدم استحقاقها للمعاش” ثم يستطرد شارحًا” ولما كانت القوانين الوضعية في مصر، خلتْ من أية نصوص تشريعية تحكم الحالة القانونية للمرتد عن دين الإسلام.
كما أنّ أعراف المجتمع المصرى لا تهتم بحالة المرتد إلاّ في نطاق قواعد الأخلاق، لذا يتعيّن الرجوع في شأنها إلى مباديء الشريعة الإسلامية التي تقضي بأن ّالمسلم الذي يرتد عن دين الإسلام، سواء إلـــــى دين سماوى آخر أو إلى غير دين، لا يقر على ردته ” في هذه الفقرة يعترف الأستاذ الدكتور” أنّ أعراف المجتمع المصري لا تهتم بحالة المرتد إلاّ في نطاق قواعد الأخلاق ” وقواعد الأخـــــلاق كما يُعرّفها علم الاجتماع هي أنّ معيار تقييم الإنسان هو تعامله مع أبناء وطنه، فإذا كان شريفًا فى تعاملاته مع الآخرين، فهو مواطن صالح، والعكس صحيح، وذلك بغض النظر عن معتقداته الشخصية في الأديان.
وأعتقد أنّ هذه الفقرة كتبها الأستاذ الدكتور من مخزون الوعي الجمعي لشعبنا المصري، الذي ورث عن أجدادنا المصريين القدماء قيمة التعددية وقيمة التسامح الفلسفي، التسامح القائم على احترام معتقدات الآخرين، ولكن الأستاذ الدكتور يتجاوز هـذا المعنى الحضاري، ويصر على تكفير المختلف دينيًا ويصفه بالمرتد .
كما يتعلّم الطلبة أنّ محكمة النقض”قضت ببطلان زواج المرتدة عن دين الإسلام إذا تزوّجت بعد ردّتها بغير مسلم ووجوب التفريق بينهما. وقضتْ محكمة القضاء الإداري بعدم جواز تغيير اسم المرتد وديانته في بيانات البطاقة الشخصية قديمًا وحديثًا” وهكذا يتم توجيــه عقل الشباب وتدمير وجدانهم الفطري بإقناعهم بأنّ تشتيت الأسرة ( التفريق بين الزوجين ) شىء طبيعي، وأنه لا مبرر للنظرإلى أية اعتبارات إنسانية أو اجتماعية، ولا مراعاة لخصوصية الإنسان، ناهيك عن الموقف المتعامي عن الأولاد بعد التفريق بين الأب والأم . ويتعلّم الطلبة أنه اذا ” كان قانون الإرث لم يتناول المرتد ” إلاّ أنّ العمل في كل ما يتعلق بإرث المرتد وأحكامه يكون طبقُا لأرجح الأقوال من مذهب أبي حنيفة . ذلك أن ّالمرتدة عن الإسلام يُعتبر زواجهـــــا بالموروث باطلا ولا تستحق معاشًا عند وفاته ” أي أنّسيادة أستاذ مادة حقوق الإنسان لم يكتف بتفريق الزوجين، فيُضيف عقوبة أخرى بجانب تشريد الأسرة، وهي حرمان الزوجة من معاش زوجها .
وشاء قانون المصادفة معي أنْ أقرأ ورقة (( امتحان حقوق الإنسان لنهاية الفصل الدراســـي الأول للعام الجامعي 2006 / 2007 كلية الآداب جامعة الإسكندرية يوم السبت 6/1/2007)).
وجاء في السؤال الثاني ما يلي: أصدرتْ المحكمة الإدارية العليا حكمها أثناء المحاضرات عـــن وضع البهائية في مصر، يؤكد إتجاه القضاء الإداري القديم الذي درسته.
أذكرمن واقع فهمك للمحاضرات حكم القانون فيها والمباديء التي وضعها القضاء الإداري في هذا الشأن . ثــــــــم استعرض الآثارالمترتبة على حكم القانون فيها.
ذاكرًا أمثلة من واقع الحماية القضائية، مختتمًا إجابتك بتحديد متى وأين نشأتْ وأهدافها من واقع فهمك للمحاضرات ” بالطبع على الطلبة – كي ينجحوا في الامتحان – أنْ يكتبوا ما درسوه . وأنه لا يجوز القياس بين البهائي والمسيحي، لأنّ الأخير من أهل الذمة وعليه أداء الجزية. وأنّ البهائي مرتد، والمرتد يُهدر دمه والتفريق بين الزوجين وعدم استحقاق المعاش وعدم تغيير اسم المرتد وديانته في بيانات البطاقة الشخصية.
وبالطبع ( كذلك ) فإنّ أحدًا من الطلبة لايرغب في الرسوب في مادة ( حقوق الإنسان ) وبالتالي يترسّخ في وجدان وعقل الطلبة ( 19 سنة ) أنّ المختلف دينيًا أو عقيديًا ليست له أية حقوق، بل أكثرمن ذلك فإنّ دمه مهدر.
وإذا كانت هذه المفاهيم المعادية لأبسط حقوق البشر ، يتم تدريسها في مادة ( حقوق الإنسان ) فما هي المفاهيم التي يتم تدريسها في مادة نقيضة اسمها ( الحقوق غيرالمشروعة للإنسان ) ؟ وهكذا نرى أنّ مادة (حقوق الإنسان) ضد الإنسان . إذْ ما الفرق بين الأستاذ الجامعي والأصولي المعادي لكل البشر والمقتنع بأنّ طريق الجنة مفروش بجثث المختلفين معه دينيًا؟ وإلى أية حفرة مظلمة يأخذنا التعليم في مصر؟ وإلى متى سوف يستمر التعليم والإعلام والثقافة السائدة في مغازلة الأصوليين؟ وهل يمكن أنْ يتبنى الليبراليون مطلبًا واحدًا ويدافعون عنه، وهو إلغاء خانة الديانة من كل المحررات الرسمية، رحمة بكل من يعانون من ثقافة وافدة لاتعرف الرحمة؟
الكارثة أنّ الأستاذ الدكتور الجامعي يتطابق تتطابق المثلثات مع الأصوليين الرافضين الاعتراف بحق الإنسان في أنْ يؤمن بما يشاء، إذْ أعلن أحد السادة أعضاء مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين أنه يجب قتل البهائيين . وعندما استضافه الاستاذ وائل الأبراشي في برنامج الحقيقة عصر يوم الأحد 21/5/2006 سأله : أنتَ قلتَ يجب قتل البهائيين، فهل لازلت عند رأيك ؟ قال الأصولي الإخواني: ((نعم يجب قتلهم)) وكانت حجته أنّ ((البهائيين مرتدون)) وهي ذات الحجة التي شحن الأستاذ الدكتور الجامعى بها عقول أولادنا في جامعة الاسكندرية، في مقرر (حقوق الإنسان) والأصح أنه مقرر (ضد حقوق الإنسان)