ينبغي لي أن أعمل أعمال من أرسلني مادام النهار, فسيأتي الليلالموت الذي لايستطيع أحد أن يعمل فيهيو9:4 يحكي أن أحد العمال البسطاء دخل بيت الله وجلس جانبا يشكو حاله لله وحده, فأتاه خادم الهيكل قائلا له: تشجع,ها أنا بالقرب منكم! فرد عليه العامل قائلا: كيف تستطيع القول بأنك قريب مني, بالرغم من أنك لم تعرف آلامي ولم تتقاسمها معي فعلا,لا نستطيع أن ندعي التعاون مع الآخرين إن لم نقم بهذا فعليا,لأن التعزية لا تتحقق بالكلام فقط مدعين مشاركة الآخرين فيما يعانون منه, لأن المعرفة بمشاكل الغير ليست كافية ولا معني لها إن لم تترجم بالعمل والوقوف بجانب من يمرون بأزمة فعلية, ونقرأ في سفر أعمال الرسل:وكان جماعة الذين آمنوا قلبا واحدا ونفسا واحدة, لايقول أحد منهم: إنه يملك شيئا من أمواله,بل كان كل شيء مشتركا بينهمأعمال 4:32
نستطيع أن نبدل أحزان الناس إلي أفراح إن شاركناهم بالفعل, ويأتي ذلك عندما نتخذ شعارا لنا لنزرع ولا نقطع! ما معني هذا؟ إذا أردنا أن نجمل شوارعنا ومنازلنا وأماكننا التي نتردد عليها,يجب علينا أن نبدأ في تجميلها بالشجر والزهور والورود والخضرة, وفي نفس الوقت لا نمد يدينا إلي نبته أو زهرة لنقطعها,لأنها زينة وجمال الأرض, كما أنها تبعث السعادة للعين وتعطي سلاما للروح,والإنسان الخلوق والمهذب يسعي دائما إلي تجميل كل ما حوله,إذا يجب علينا أن نزرع ذلك في حقول القلوب والنفوس, نزرع الإيمان بالله في داخلنا, لنسند الضعفاء ونشجع الخائفين,نزرع حبنا لله وللقريب,لأن الحب هو مصدر وينبوع الخير الذي يحمل معه البركات والنعم التي تمنحنا السعادة الحقيقية,نزرع أفضل ما نملكه من أفكار وأسمي المباديء وأحلي الآمال وأنبل الطموحات, كم من الأشخاص الذين تقابلنا معهم وكانوا في أمس الحاجة ليد المعونة,ولم نلتفت إليهم؟ كم من المحتاجين قرعوا بابنا ولم نفتح لهم؟كم من أشخاص طلبوا منا كسرة خبز لنسد جوعهم,ولكننا أغلقنا آذاننا وعيوننا؟
كم من مبالغ باهظة انفقناها في احتفالاتنا ومناسباتنا,بالرغم من أن هناك ملايين البشر يموتون جوعا لأنهم لم يجدوا المأكل أو المشرب أو الغطاء الذي يقيهم من البرد؟ لن يتغير العالم الذي نعيش فيه للأفضل إن لم يشعر كل منا باحتياج الآخر ويمد يد المعونة له, خلاف ذلك ستزداد الهوة بين الطبقات والبلاد, كانت هناك سيدة أنيقة ومهذبة تعودت علي ركوب القطار في كل سفرياتها حتي أنها كانت تنثر من نافذة القطار بذورا صغيرة تضعها في حقيبة يدها, وكانت تكرر هذا مرات عديدة,مما جعل المسافرين في نفس القطار يندهشون فسألها أحد المتطفلين عما تفعله,فأجابته بابتسامة:أنا أنثر هذه الحبوب منذ عدة سنوات أثناء سفري, فقد عاهدت نفسي ألا أركب القطار دون أن أنثر من نافذته كمية من البذور والحبوب,لاسيما في الأراضي الجرداء
وقاطعت كلامها قائلة له: انظر هناك ألا تري تلك الزهور والأعشاب التي تزين الطريق؟ لقد قمت بذات الفعل منذ سنوات,ونحن الآن نتمتع بجمالها,لأنها تبهج عيون الذين يشاهدونها,وتبعث سعادة لا مثيل لها في نفوسهم الحزينة, ويمكننا أن نقوم بذات الفعل مع من نتقابل معهم كل يوم,ما أكثر النفوس الجرداء علي طريق الحياة, إنها نفوس استبد بها اليأس,وأظلمت الحياة أمامها, إذا يجب علينا أن ننثر فيها بذور الأمل والتفاؤل والسعادة!
خلاف ذلك سنحمل علي عاتقنا مسئولية التقصير إن لم نسع في بذر الأمل والفرح في نفوس من حولنا,سواء في العمل أو الدراسة أو المجتمع الذي نعيش فيه, كم هو ضروروي أن ننثر بذور التسامح والصفح في القلوب التي تعفنت بالأحقاد والكراهية ورفضها للآخر, وأن نزرع حبوب المحبة في النفوس التي تلدغها الغيرة والحسد, وأن ننثر بذور تحمل المسئولية والاعتماد علي النفس بدلا من التواكل وروح التذمر والشكوي, إذا نحن لسنا بحاجة إلي نظريات علمية نطبقها لنتقدم في التكنولوجيا ومسايرة العصر, ولكننا بحاجة إلي قلوب رحيمة من لحم ودم تشعر باحتياج الآخرين, ونختم بالقول المأثور: ليس المهم أن تعرف ما إذا كانت دموع الباكين لسبب معقول أم لا, لكن المهم هو أن تمسح هذه الدموع.