النجاح حلم يراود الإنسان عبر الزمان، وهدف منشود يسعي إلى تحقيقه، والإنسان السوي لا يرغب في النجاح فحسب بل ومواصلة النجاح في مجالات الحياة المتعددة الشخصية والأسرية والعلمية والعملية والإجتماعية والمادية وكذلك في كل مراحل حياته العمرية.
فمَنْ يختبر مذاق النجاح يتوق إلى إحراز نجاحات أخرى، فالنجاح كما يقال رحلة لا مرحلة، وهي رحلة لا محطة فيها، إنه ليس هدفاً إنما درجة في سلم نرتقيه.
النجاح في حقيقته بداية وليس نهاية، فليس هناك محطة وصول للنجاح نستطيع أن نقول عندها إننا وصلنا إلى آخر محطة.
فصدق مَنْ قال: إن النجاح الذي يعقب النجاح الأول يدفع الشخص لإدمان النجاح.
هذا ولابد أن نضع في إعتبارنا أن للنجاح ثمنه وضريبته ولابد لمَنْ يبتغي ويرنو للحياة الناجحة أن يكون على إستعداد لدفع الضريبة والثمن عن طيب خاطر وبكل سرور.
في هذا المقال وما يليه في الأعداد القادمة سنرى الأسرار التي ثقف وراء كل ناجح ومتميز وهي كثيرة جداً أذكر منها الآتي:
الحادي عشر : ضبط النفس
من يبتغي النجاح عليه أن يتدرب على ضبط النفس، تصور لنا ريشة الوحي المقدس صورة بديعة الجمال مأخوذة من ساحة الألعاب الأولمبية في (1كو9: 24- 27) فمكتوب ” أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى “.
من هذه الصورة نتعلم أن مَنْ يريد أن يحقق نجاحاً وفوزاً في حياته عليه بضبط نفسه، فلا يمكن للرياضي أن يحقق نتائج متقدمة مفرحة إلا بالتدريبات الشاقة، وأن يتحلى بالقدرة الفائقة على ضبط النفس، أي بالتحكم في غرائز ودوافع وشهوات نفسه، والالتزام التام بنظام معين في الأكل والشرب، والإستيقاظ والنوم، والطاعة والخضوع للمسئولين عنه والمدربين له، وتنفيذ القوانين واللوائح المنظمة للألعاب التي يقوم بها.
تقدم لنا كلمة الله شخصية جيحزي الذي كان يتمتع بذكاء خارق وقوة الملاحظة، وصحة جسدية، وقد تتلمذ على يد واحد من أعظم أنبياء الله وهو إليشع، وكان من المنتظر أن يكون كما يقال:”خير خلف لخير سلف” وكنا نقرأ التسلسل الطبيعي في كلمة الله … إيليا … أليشع … جيحزي” ولكن من أسف نتيجة لعدم ضبطه لنفسه، وعدم تحكمه في شهوة إمتلاكه للمال، شوه حياته، ودمر مستقبله، وخسر كل شيء، وكتب بيده نهاية مأساوية لحياته (راجع 2مل5: 20- 27).
وهل ننسى قصة شمشون الجبار الذي كان يتمتع بقوة خارقة للدرجة التي نراه يوماً ينقض على أسد ويشقه وليس في يديه شيء، وكان ينتمي لعائلة تقية بمعنى الكلمة، ولكن واأسفاه عندما لم يستطع أن يتحكم في شهواته ويضبط نفسه أنامته إمرأة على ركبتيها، وذهب العهد الذي يربطه بمصدر قوته، فقلعت عيناه، ورُبط بسلاسل نحاس، وكان يطحن في بيت السجن، والكل يهزأ ويسخر به (راجع قضاة ص16) . في الوجه المقابل توجد نماذج رائعة استطاعت أن تحقق نجاحاً باهراً في حياتها نتيجة إنضباطها، على سبيل المثال يقدم لنا الوحي المقدس قصة يوسف الذي وجد نفسه أمام إغراءات فعل الشر بكل سهولة مع زوجة فوطيفار ولو أنه طاوعها وطاوع نفسه وغرائزه وشهواته لأغدقت عليه الهدايا والإمتيازات، لكن الكتاب يسطر عنه قائلاً أنه رفض بشدة وقال لإمراة سيده:”كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟”) تك39: 9ب) وهنا نرى صورة بديعة الجمال من صور الإنضباط التي أهلته للنجاح، وجعلته يصل إلى أرفع المناصب في مصر.
وهل ننسى قصة دانيال عندما كان في السبي في بابل عاصمة العالم في ذلك الوقت، وكانت الفرصة أمامه مهيأة ليرتكب كل ألوان الشرور والفجور، ولكن ضبطه لنفسه، ومخافة الله في حياته، وحرصه أن يكون شهادة قوية في المجتمع الذي يعيش فيه، كانت أقوى من كل إغراءات الشر، فسجل الوحي عنه كلمات ترددها الأجيال عبر الأزمان كشعار لتحدي الشر وهي:” أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ،”(دا1: 8).
ولعلنا نلاحظ أنه كان هناك العديد من الأسباب والمبررات التي تجعله يأكل ويشرب فهو أمر الملك، والكل يأكل ويشرب، كما أنه لا يمتلك أي أموال ليشتري أي طعام بديل، وكانت فترة إعداده للإمتحان … ألخ. ومع كل هذا نجح دانيال نجاحاً فوق حد التصور في ضبط نفسه.
نعم! كل الذين تحكموا في ضبط أنفسهم نجحوا نجاحاً باهراً، والعكس صحيح فمَنْ لا يضبط نفسه يضيع في دوامة الشر .
يسطر التاريخ عن هتلر الذي حير العالم كله بذكائه ودهائه وحروبه وفتوحاته وصولجانه هزمته أهوائه الشريرة، ودوافعه النجسة.
– ونابليون بونابرت اعترف قائلاً ” لا أحد سواى مسئولاً عن هزيمتي، لقد كنت أكبر عدو لنفسي”.
– ما أجمل ما سطره الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس “رَوِّضْ نَفْسَكَ لِلتَّقْوَى”(1تي4: 7).
والفعل (رَوِّضْ) يعني (التدريب الشاق) وهو مأخوذ من صورة الحيوانات المفترسة التي كانت تروض لتصبح أليفة، والإنسان إذا لم يروض نفسه يصبح مؤذياً لنفسه وللآخرين، والترويض يحتاج إلى تدريب يومي وتمرينات جادة للجسد والنفس والعقل والروح.
الثاني عشر: إحذر التأجيل
“لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”.. هناك أسطورة تقول أن مجمع الشياطين إجتمع في يوم من الأيام لعمل خطة لإبعاد الناس عن معرفة الله، فقال واحد منهم نقول للبشر لا يوجد إله، فرد عليه شيطان آخر وقال : لن يصدقوا فالناس تعرف جيداً أنه يوجد إله، فمن يذهب ليسرق تجده يقول :”يارب أستر” والبعض عندما يطلب منه شحاذ مساعدة يقول له: ” ربنا يحنن عليك” وتحيتهم للعمال ” كله على الله” وإذا وعدوا بشيء يقولوا: “بإذن الله” أو ” إنشاء الله” وإذا تعجبوا قالوا: “ما شاء الله ” وإذا حدث لأحدهم مكروه قالوا له: “اسم الله عليك”، فقال شيطان آخر من الأفضل أن نكلمهم عن لذة ومتعة الخطية وأن الإنسان لابد أن يعيش حياته فلا توجد حياة بعد الموت فرد آخر عليه قائلاً : سوف لا يصدقون فهم يؤمنون بأنه هناك قيامة ودينونة وهنا انبرى شيطان آخر وقال إذن علينا أن نشكك الناس في صحة أقوال الكتاب المقدس، وبالتالي نشككهم في قصة الصليب والقيامة فرد آخر عليه سوف لا يتشككون وسوف يدافعون عن صحة الكتاب المقدس بكل طريقة فهذا خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتخطاه أو يتعداه، وهنا وقف شيطان آخر وقال: لدي خطة جهنمية أعرضها عليكم، وهي نحن نحاول أن نبرهن للناس عن وجود الله، وصحة الكتاب المقدس ونحدثهم عن محبة الله وتدبيره لخلاص الناس في الصليب، وعندما يقتنع الإنسان وقبل أن يتخذ قراره بالمسير مع الله، نقنعه بتأجيل قراره إلى الغد، من يوم إلى يوم، وهكذا إلى أن تنتهي حياته، ويذهب إلى الجحيم، وهنا أخذ مجمع الشياطين يصفق له تصفيقاً حاراً، وقدم له رئيس الشياطين التحية والتقدير على ذكائه الخارق وخطته الطموحة.
نعم! إن جهنم ممتلئة بالناس الذين وضعوا على ألسنتهم كلمات التأجيل وعبارات التسويف، ولم يتخذوا قراراً واضحاً وحاسماً وقاطعاً للحياة مع المسيح. أما مَنْ يريد أن يحيا حياة مسيحية بمعنى الكلمة وتكون لحياته معنى ورسالة فيجب أن يكون شعاره كما قال المسيح: “يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ.”(يو9: 4). ولعل المقصود بكلمة [ليل] أي ليل العجز، ليل المرض، ليل الإضطهاد والإضطراب، ليل التجارب والآلام، أو نهاية نهار الحياة، لذلك قال الحكيم: ” كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ،”(جا9: 10).
ولكي ينجح الإنسان في حياته العملية عليه أن لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد… في مجتمعنا عبارة مشهورة جداً في مكاتب العمل يقولها الموظف المرتشي أو الكسول أو الغير أمين في عمله عندما يُطلب منه أن يقوم بعمل يقول: [فوت علينا بكره]، والحكيم يعالج هذه السلبية عندما يقول في (أم3: 28) “لاَ تَقُلْ لِصَاحِبِكَ: «اذْهَبْ وَعُدْ فَأُعْطِيَكَ غَدًا» وَمَوْجُودٌ عِنْدَكَ”.
لمتابعة أسرار التميز السابقة:
سر النجاح والتميز 3