الإنانية هي حب الذات إلى حد الإغراق، وتفضيل “الأنا” على كل الآخرين، وبالتالي يهتم الشخص بنفسه وباحتياجاته وبراحته مع تجاهل رغبات الغير،إنه حب مفرط للنفس دون حب الآخرين.لا يوجد إنسان يحب نفسه بالفطرة، أي أن حب النفس ليس غريزة في الإنسان، لكنه يكتسبه من المحيطين به، يمتصه الإنسان ويتعرف عليه منذ ولادته وفي طفولته المبكرة وعلى مدى أيام عمره.ليس خطأ أن يحب الإنسان ذاته، بل من الضروري أن يتمتع كل شخص بمحبة النفس، والشخص الذي لم يكتسبها أو ينلها بدرجة كافية، هو شخص غير قادر على حب الآخرين أو أنه يحبهم بقدر ضئيل، كما أحبه الآخرون في مطلع طفولته.وفي حالة عجز الإنسان عن محبة الآخرين بقدر كاف، فإنه يتجه بغالبية طاقته على الحب، نحو نفسه! أي يركز حبه على نفسه فيقع في حب الذات متمركزاً بعواطفه حول “الأنا”.
تعبير حب النفس له معنيان:الأول، بمعنى قبول الذات والثاني، بمعنى الأهتمام الذاتي “الأنوي” أي المتسم بالأنانية.الأول يعني حفظ الذات وهذا حق لأنه في إطار محبة النفس اللازمة، أما الآخر فمن شأنه تحطيم الذات، إذ عندما يبالغ المرء في التمركز حول نفسه مُطلقاً العنان “للأنا”، فأنه يجرد نفسه من متع كثيرة أهمها حبه للآخرين، الذي يعود عليه بحب هؤلاء الآخرين له!فأصبح جيل اليوم جيل “الأنا” الذي يقول “أنا مركز الكون.. أنا لا احتاج إلى أحد مطلقاً يقول لي ماذا أفعل؟! أنا استطيع تلبية جميع احتياجاتي والمحافظة على نفسي والتمتع بجميع المباهج الموجودة في نفسي”. “الأنا” مأساة ظاهرى في نفوس كثيرين من الشباب، “الأنا” رمز لفسلفة التمركز حول النفس.
وبدراسة “مجتمعات الأنا” نجد أن كثيرين من الأبناء في سن الشباب تعلموا “الأنا” من والديهم، إذ أن كثيرين من الوالدين يهتمون بأنفسهم فقط، ولا يتعهدون أبناءهم بالرعاية اللازمة، فيشب الأبناء منذ طفولتهم وهم يتخذون لأنفسهم قراراتهم.أن طغيان الأنانية يجعل منا افراداً لا يشعرون الا بما يمس وجودهم الخاص، ولا يتجهون بأفكارهم إلا نحو ما يعود عليهم بالنجاح، غير مبالين بما يصيب غيرهم في سبيل تحقيق أغراضهم الذاتية ومنافعهم الشخصية. أن من يقود سيارته برعونة معرضا آخرين للخطر والضوضاء، ومن يلقون بقاذوراتهم على قارعة الطريق دون إعتبار لنظافة الشارع ولا لمهمة جامع القمامة بدعوى إنه “مفيش فائدة” من محاولات التنظيف، أن مثل هؤلاء على درجة كبيرة من التركيز على “الأنا” ويحاولون أن ترتدي أنانيتهم قناعاً من فلسفة غير أخلاقية حتى ولو كانت بعنوان “لا فائدة”.إن فائدة العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان تأتي من الاهتمام المتبادل، “أهتم بك وتهتم بي”، فهذه وحدها تحقق نوعاًمن حب النفس مع الإهتمام بالآخرين، وتبرىء الفرد من تهمة الإنانية! العملية ليست مقايضة إنما محبة متبادلة.
فكلما كان الإنسان متمتعاً بصحة نفسية واجتماعية سليمة، كلما كان تركيزه على نفسه أقل، فتكون حياته أفضل،وأكثر سعادة.