قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (685)
ما كدنا نفتح ملف الأحزاب السياسية ونعقد صالون وطني لمناقشة سبل علاج حالة التشرذم الحزبي التي نعاني منها, حتي دوي الأسبوع الماضي خبر اندماج حزب مستقبل وطن مع جماعة معا من أجل مصر, كما صاحب ذلك خبر الإعلان عن تبعات تزيده ثقلا وهي أن الاندماج لم يقتصر علي الحزب والجماعة وحدهما, لكن أضيف عليه وزاده ثقلا انتقال نحو خمسين نائبا برلمانيا من أحزاب أخري علي رأسها حزب المصريين الأحرار إلي حزب مستقبل وطن, وبناء عليه تواترت الأنباء حول إعادة تشكل خريطة قوي الأغلبية في البرلمان وموقف الدستور ولائحة مجلس النواب إزاء ذلك.
مع التسليم مبدئيا بأن الاندماج بين أية قوي سياسية وحزبية هو تحرك في الاتجاه الصحيح يتسق مع الدعوة التي تشارك فيها وطني لتحويل التبعثر الحزبي إلي كتل قوية, ومع الاعتراف بأن طبيعة الاندماجات أو الائتلافات أو التحالفات تتضمن بالضرورة انتقالات وحركة دخول وخروج سوف تشهدها الأحزاب… يظل معيار النجاح في كل ذلك أن يتم بتخطيط هادئ ومدروس وغير مندفع ينعكس بتطور إيجابي علي الساحة الحزبية والسياسية والبرلمانية ولا يدخلنا في حالة صراع أو جدل ولا ينشئ حالة تصادم مع مواد الدستور والقانون.
أقول ذلك لأنني كنت أتصور أن التغييرات المأمولة في الخريطة الحزبية ستتم وفق إعداد وتنسيق يفرز بين الكتل الجاري تكوينها بناء علي هويتها السياسية وبرامجها ويرسخ أقدامها في الشارع بما يسمح لها بالإعلان عن نفسها وخوض الانتخابات المقبلة في المحليات كأول تجربة عملية لحضور وثقل كل كتلة, وذلك لما للمجالس المحلية من أهمية قصوي في النظام الديمقراطي ولما سيتبعها من حلول موعد انتخابات برلمانية جديدة تكون الاختبار الحقيقي لكل كتلة وتعيد تشكيل الأغلبية والمعارضة في البرلمان المقبل.
لكن ما حدث فور الإعلان عن اندماج مستقبل وطن مع جماعة معا من أجل مصر أن تجاوزت الأمور كل هذا السياق واندفع الجميع نحو الحديث عن إعادة ترتيب قوي الأغلبية داخل مجلس النواب الحالي وذلك تضمن إزاحة ائتلاف دعم مصر المسيطر علي الأغلبية علاوة علي سحب صدارة المقاعد البرلمانية الحزبية من حزب المصريين الأحرار… وهكذا للأسف تطور المشهد سلبيا من تشكيل ملامح علاج مأمول إلي تأجيج مقومات صراع ضار نحن في غني عنه!!… في حاجتنا إلي تصدير نتائج هذا الاندماج أو غيره تحت قبة مجلس النواب الحالي؟… وماذا سنجني من ذلك الاندفاع علي مسار الرقابة والتشريع الذي يضطلع به المجلس؟… هل ضل المجلس طريقه وباتت الحاجة ملحة لإعادته إلي الطريق الصحيح؟… فإذا كنا نعرف أن الأمر ليس كذلك, لماذا تتعالي الأصوات ليتباهي القادمون الجدد بانتقال الأغلبية إليهم ويتضرر السابقون من سحب الأغلبية عنهم عن طريق تغيير الهوية الحزبية والبرلمانية بشكل غير دستوري ومناف لقانون مجلس النواب؟
وحتي يدرك الجميع هذه المفارقة تعالوا نراجع المادة (110) من الدستور التي تنص علي: لا يجوز إسقاط عضوية أحد الأعضاء -أعضاء مجلس النواب- إلا إذا فقد الثقة والاعتبار, أو فقد أحد شروط العضوية التي انتخب علي أساسها, أو أخل بواجباتها… أيضا المادة (6) من قانون مجلس النواب التي تنص علي: يشترط لاستمرار العضوية بمجلس النواب أن يظل العضو محتفظا بالصفة التي تم انتخابه علي أساسها, فإن فقد هذه الصفة أو غير انتماءه الحزبي المنتخب علي أساسه وأصبح مستقلا أو صار المستقل حزبيا, تسقط عنه العضوية بقرار من ملجس النواب بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
إذا التشريعات واضحة وقاطعة بأنه لا يجوز لأي عضو من أعضاء مجلس النواب تغيير الصفة التي دخل بها المجلس سواء كان حزبيا تابعا لحزب بعينه أو كان مستقلا, وذلك أمر بديهي لأنه يهدف إلي عدم تغيير إرادة الناخبين الذين أعطوه أصواتهم سواء بشكل فردي أو ضمن قائمة من القوائم… وأكبر دليل علي إدراك القادمين الجدد في اندماج مستقبل وطن ومعا من أجل مصر لذلك الواقع أن بعض الأصوات علت لتطالب بتعديل كل من المادة (110) من الدستور والمادة (6) من قانون مجلس النواب!!!… هكذا يستحل البعض فعل ما يحلو له وعلي الدستور والقانون الانحناء لإفساح الطريق للاندفاعات والأهواء!!!… ولتذهب إرادة الناخبين في صندوق الانتخاب إلي الجحيم!!!
ليست الأمور تدار بهذه الطريقة ولا ينبغي إفساد هدف وطني عظيم مثل إصلاح الخريطة الحزبية بتلك الرعونة وذلك الاندفاع… فقط التخطيط الهادئ مطلوب, والإعداد الجيد لانتخابات قادمة مطلوب… واحترام الدستور والقانون حتمي.