إللي تتجوز حبيبها يا سعدها وطيبها.. ظل رجل ولا ظل حيطة.. تلك كانت من الأمثال الشعبية المصرية التي كنا نسمعها في سن صغيرة وكانت كل بنت منا تحلم بوجود هذا السند الذي سوف يسعدها ويدللها.
وهذه الأيام تنتظر بهية المصرية قدوم عريسها.. لكنه أصبح بالكاد يتقدم.. ليس لعيب فيها.. بل بسبب هموم غلاء الأسعار وعدم القدرة علي توفير حياة كريمة.. ما العمل؟ هل نترفع عن الزواج؟
في هذه الأيام, أصبحت الفتاة تكافح مع من تحب لكي يبنيا معا طوبة طوبة ومع ذلك أخذ سقف الديون يعلو وازدادت الأزمة وارتفعت تكاليف الزواج بشكل يفوق قدرة الشباب.. وأصبح العرسان في حيرة.. منهم من استمر بالكفاح في طريق شاق طويل ومنهم من سافر لتحقيق مكاسب للقدرة علي الزواج وكثيرون اعتبروا الزواج حلما بعيد المنال.
وسرعان ما ظهر بصيص من نور وظهرت فكرة ربما تكون قارب نجاة لبعض الشباب الذين يعانون من أزمات مادية, حيث قدم النائب محمد عطا سليم مشروع قانون لمساعدة الشباب ماديا لتكوين أسرة تحت مسمي صندوق تمويل زواج الشباب.. ويتكون من 13 مادة تطرح كيفية إنشاء الصندوق والجهة التي تشرف عليه, وشروط الشباب المستفيد منه, وقد وافقت لجنة الشباب والرياضة بالبرلمان برئاسة النائب فرج عامر, علي القانون مبدئيا.
ولكن هل هذا القانون هو الحل لمشكلة تأخر الزواج.. حول مواد القانون وآلية تطبيقه كان لنا هذا التحقيق.
نص مشروع القانون
ينص قانون إنشاء صندوق تمويل زواج الشباب بتولي تمويل ما يحتاجه الشباب من قرض حسن دون فوائد قدره 60 ألف جنيه, ويتبع رئاسة الجمهورية بمعاونة رئيس الوزراء أو من يفوضه ووزراء المالية والشباب والتضامن ورئيس البنك المركزي وكذلك رئيس المجلس القومي للمرأة أو من يفوضونهم.
ولا يخضع القرض المقدم للزواج لأي نوع من أنواع الضرائب أو الرسوم أو غيرها مما يؤثر في قيمته.
ومن شروط الحصول علي القرض, ألا يقل عمر طالب القرض عن 19 عاما, وأن يكون الزواج لأول مرة – ويستثني من ذلك من توفيت زوجته الوحيدة ومن طلق زوجته الوحيدة ومن طلق زوجته الوحيدة قبل إتمام التزاوج. كذلك يجب تقديم عقد نكاح رسمي مصدق من المحكمة المختصة أو محضر خطبة للمسيحيين, وألا يكون الزواج قد تم بالدخول.
ويجب علي المتقدم للقرض ألا يكون مدينا لأي بنك بقرض آخر مهما كان نوعه أو قيمته المادية.
وفي حالة تكالب المتقدمين علي هذا القرض تكون الأولوية للزوجات الأكبر سنا أو للزوجة المصرية أو لصاحب الدخل الأقل.
يمنح الحاصلون علي قرض الزواج فترة سماح عام واحد لبدء سداد الأقساط, ويسدد القرض بأقساط متساوية بحد أقصي 400 جنيه شهريا.
ويشترط أن يستمر الزواج طول مدة سداد القرض وفي حالة الطلاق يطلب من الشاب سداد باقي أقساط القرض في غضون 6 أشهر, ومن ناحية أخري, في حالة وفاة الزوج أو العجز الكلي عن العمل تسقط أقساط القرض المتبقية.
الحق في الزواج
قال النائب محمد عطا سليم, لـوطني: إن الهدف من القانون الذي قام بتقديمه هو مواجهة ظاهرة العنوسة التي ارتفعت في مصر بشكل كبير, فبحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2007 تجاوز عدد البنات غير المتزوجات فوق 35 سنة الـ9 ملايين فتاة, أما في سنة 2017 فقد وصل الرقم إلي 11 مليون فتاة و3.5 مليون شاب غير متزوجين في نفس الفئة العمرية.. فاليوم يوجد ما يتجاوز 14 مليون شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 25 عاما لم يتزوجوا, كما أن معدل العنوسة في مصر وصل إلي 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج.
لذلك بجانب الهدف الأول من القانون وهو مواجهة ظاهرة التأخر في الزواج أو العنوسة, يجب الحد من أحد أسباب انحراف الشباب نظرا لانتشار ظاهرة التحرش وجرائم الاغتصاب والزواج غير الشرعي والزواج العرفي والحد من ارتفاع معدلات الطلاق.
أكد النائب سليم أنه بهذا القانون, تتم إتاحة الفرصة للشباب في الزواج.. واهتمام القانون بالمرأة وإعطائها الأولوية في التقدم بالطلب يؤكد استمرار الدولة لتقدير دور المرأة في المجتمع المصري.. وكذلك حافظ القانون علي فكرة المواطنة حيث أتاح لكل فرد أن يتقدم بالطلب بالأوراق التي تتناسب مع شريعته. وأيضا من أهم أهداف هذا المشروع معالجة ظاهرة الأم غير المتزوجة أو الزواج العرفي والزواج السري أو التحرش وهناك آثار ناتجة عن مشكلة تأخر الزواج وهي وجود مئات الدعوات لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي, فهناك أكثر من 14 ألف قضية منظورة أمام المحاكم لإثبات البنوة.
أضاف النائب محمد عطا أنه تم دراسة وضع شرط للموافقة علي منح القرض, باجتياز كورسات قبل الزواج بواسطة خبرات من المجلس القومي للمرأة مدتها شهر, أسوة بالكورسات التي تقدمها الكنيسة المصرية للمسيحيين, وبذلك نكون قد ساهمنا أيضا في الحد من الطلاق.
ولأن الدولة تسعي للتنمية في كل اتجاه, لذا نحاول أن نحقق للشاب المصري الحق في العمل بإتاحة فرصة عمل, والحق في العلاج كلما طرأت ظروف صحية, وكذلك الحق في الزواج والإنجاب لكل وفتاة.
عن تمويل هذا المشروع, قال النائب محمد عطا, إنه تم تقديم العديد من الاقتراحات منها: التمويل بـ5% من الصناديق الخاصة, أو جزء من غرامات المخالفات المرورية, أي حوالي 12 مليار جنيه سنويا, أو فرض رسوم علي المباني والتراخيص بصفة عامة, أو استقطاع نسبة من أي تعامل بنكي.. فهناك مقترحات عديدة لمصادر التمويل يتم دراستها الآن, بجانب أن الصندوق سيمكنه تمويل نفسه جزئيا بعد عام من بدء الصندوق فور بدء الشباب لسداد قروضهم.
وقد وافقت وزارتا الشباب والمالية علي فكرة المشروع لكن فكرة التمويل مازالت محل نقاش.
أكد النائب أن قيمة القرض وإن كانت لا تتناسب مع احتياج الشباب في هذا العصر, إلا أنه عنصر مساعد لسد احتياجات الزواج.
اقتراح تعديلات
من جهته, قدم النائب سمير البطيخي, وكيل لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب, تعديلا علي مشروع القانون برفع سن الشباب المتقدم للحصول علي قرض من 19 إلي 23 عاما, إذ يكون الشاب قد تخرج والتحق بسوق العمل, ومن ثم تكون لديه القدرة علي سداد القرض. وأن يتمتع بحسن السير والسلوك, حتي لا تستغل القروض في أمور أخري يعاقب عليها القانون.
كورسات الإرشاد
حول مشروع القانون قالت الدكتورة سامية خضر, أستاذ علم الاجتماع, إن التفكير في الشباب ومساعدتهم شيء إيجابي, لكن تأخر الزواج له أسباب أخري بجانب المعوقات المادية, ففي الآونة الأخيرة لم يعد هناك توافق وتفاهم بين الشاب والفتاة, فالمسلسلات التليفزيونية تصور الأسر علي أنها مفككة – فنجد الزوج مجرما أو الزوجة غير أمينة علي الحياة.
أيضا نجد نسبة الطلاق تتزايد خصوصا في أول سنة زواج, لوجود مشكلة في العلاقات الزوجية, وذلك يدل علي أنه لا توجد تنازلات من قبل الزوجين, وللقضاء علي هذه المشكلة يجب علي المقبلين علي الزواج خوض كورسات عن الحياة الزوجية, يتم خلالها شرح الصعوبات التي تواجه الزوجين, وإرشادهم بكيفية التفاهم.
أوضحت أن لفظ العنوسة المذكور من قبل مقدم المشروع غير محبب ويمكن أن نطلق علي الشباب الذين تعدوا الـ35 عاما أنهم متأخرون علي الزواج, وأن القانون لابد أن يرفع السن المحددة للحصول علي قرض الزواج إلي 25 عاما والفتاة 23 عاما بدلا من 19 سنة المقترحة في القانون.
تأخر الزواج وارد
أكد الدكتور عبدالعظيم حسن, أستاذ علم النفس, أن الأعباء المالية تؤثر علي الأسر المصرية خاصة في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها الآن وينتج عن ذلك تأخر الشباب في الزواج.. وذلك بالطبع يؤثر نفسيا علي الشاب والفتاة, خاصة الفتاة حيث إن المجتمع الذي نعيش فيه لا يقبل الفتاة التي تتأخر في الزواج, فنجد الجميع يسألها لماذا لم ترتبط حتي هذه السن؟ وهذا السؤال يجعل الفتاة في حالة نفسية سيئة.
كما أن تأخر الزواج يوجد في المجتمعات الفقيرة والغنية أيضا لأسباب متعددة. فهذا القانون جيد لطبقات معينة, ولكنه ليس الحل الوحيد للقضاء علي مشكلة تأخر الزواج.
القانون يعالج
علي صعيد آخر, قالت سالي الجباس, المحامية بالنقض واستشاري قضايا الأسرة والطفل, إن مقترح القانون في مجمله يهدف إلي معالجة عدة ظواهر مجتمعية منها انتشار مشكلة العنوسة, إشكاليات إثبات النسب من الزواج العرفي والدعاوي القضائية المنتشرة في المحاكم, ولكن علينا أن نوضح أن مصادر التمويل ستقف حائلا أمام التنفيذ لأن النائب محمد عطا مقدم المشروع أقر أنه يحتاج إلي 6 مليارات جنيه, لمنح 100 ألف قرض ووفقا للإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن نسبة العنوسة تخطت عشرة ملايين شاب وفتاة إذن بحسبة بسيطة كم من المليارات سنحتاج حتي يري هذا القانون النور؟!
أضافت الجباس أن مبلغ القرض الذي أقره النائب ويقدر بـ60 ألف جنيه لن يكفي تأسيس منزل زوجية متكامل نظرا لارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية والأخشاب, بالإضافة إلي زيادة أسعار الشقق التمليك أو الإيجار وإلا فعلي الدولة أن توفر شققا سكنية تمليكا أو إيجارا شهريا بأسعار مخفضة حتي يتحقق الهدف المرجو من القانون, فلا يعقل أن يقوم الشاب بسداد قيمة القرض 400ج شهريا بالإضافة إلي قيمة الإيجار الشهري الذي يتراوح ما بين 900 و1200ج شهري بخلاف مصاريف المأكل والاستهلاكات من مياه وكهرباء وغاز… إلخ, بجانب مصاريف الزوجة والأبناء مع عدم وجود وظائف أو فرص عمل للشباب من أساسه أو مع تدني الأجور.
لابد من وضع خطة تكميلية مع الدولة وشركات القطاع الخاص من أجل إيجاد فرص عمل للشباب من الجنسين حتي يتسني لهم تحمل المسئولية الأسرية والمالية.
وأضافت الجباس فيما يخص الأولوية في اختيار المتقدمين للقرض من الفتيات فوق سن 35 سنة, علينا أن نسلط الضوء علي المتعسرين, فهل ستتحمل النساء بمفردها إشكالية عدم السداد من جانب الزوج.
فإذا أردنا نجاح هذا المقترح فعلينا أن نجد حلولا لمشكلة البطالة وإشكالية السكن بجانب توفير برامج تأهيلية للمقبلين علي الزواج وتوعيتهم في كيفية التعامل مع المشاكل الأسرية التي من المحتمل أن تواجههم في حياتهم الجديدة.
القانون يساعد شباب القري
قال فيليب المعلم من محافظة سوهاج – أ. ب. لـ8 بنات وشابين, أنا موظف علي المعاش جوزت 4 من بناتي بصعوبة, ولم أشترط علي العرسان شروطا تعسفية, 3 منهم اتجوزوا كل واحدة في غرفة متواضعة, أنا وافقت لظروف الشباب, لأن عندي ولدان ومش عارف أجوزهم وواحد منهم سافر قبرص عشان يقدر يكون نفسه. فلو الدولة هتساعدنا أكيد هنفرح علي الأقل ابني يرجع ويعيش وسطنا, والمبلغ إللي في القانون يخليه يتجوز ويكون أسرة لأنه وصل سنه لـ33 سنة, وأخوه عنده 26 سنة, يارب القانون ده يطبق هيساعد شباب كتير خصوصا شباب القري إللي طلباتهم مش كتير.
أتمني القانون يتنفذ
اتفق معه في الرأي محمد سامي 28 عاما من محافظة القليوبية: لي 3 سنين كاتب كتابي, ومش عارف أتجوز عشان مفيش عندي سكن, وشقة أهلي غرفتان وصالة يعني مينفعش أتجوز وأعيش معهم, وأهل مراتي زعلانين وبيطلبوا مني يا إما نكمل الموضوع أو كل واحد يروح لحاله, وأنا مش بإيدي حاجة لأني باشتغل الصبح في مصنع وبعد الظهر بوصل طلبات لصيدلية, وكل ما أكون شوية فلوس سعر الحاجة بيرتفع للضعف. فأتمني من الحكومة توافق علي القانون لأنه هيساعدنا كتير, وهيخليني أكمل حياتي.
أجيب إيه بـ60 ألف جنيه
من ناحية أخري, لم يشعر رأفت عادل – شاب في العشرينيات من عمره, بالترحاب بهذا القانون, وامتلأت عينيه بالحيرة وهو يقول: أجيب إيه بالـ60 ألفا؟ إيجار بيت ولا شبكة ولا أجهزة كهربائية أم عفش البيت؟ ديون وأقساط تكبلنا مدي الحياة.. أفضل أن توفر الدولة شقة بدل القرض وتسلمها لي بالفعل, وأسدد أقساطها وأفرشها علي المهل أثناء حياتي الزوجية وبعد السداد تصبح الشقة ملكي.