تشير حقيقة تعرض إسرائيل لما يزيد عن 800 هجوم صاروخي من غزة خلال العام الماضي – قبل بدء العملية العسكرية ضد حماس يوم الأربعاء الرابع عشر من نوفمبر – إلي أن القدس كانت تأمل في تجنب وقوع الانفجار
تشير حقيقة تعرض إسرائيل لما يزيد عن 800 هجوم صاروخي من غزة خلال العام الماضي – قبل بدء العملية العسكرية ضد حماس يوم الأربعاء الرابع عشر من نوفمبر – إلي أن القدس كانت تأمل في تجنب وقوع الانفجار الحالي. ومن بين المخاوف الأخري أن الحكومة الإسرائيلية كانت تعلم أن شن حرب أخري علي غزة سوف يشعل ##الشارع## المصري المجاور ونظرا لأن حكومة ما بعد الثورة في مصر يجب أن تكون أكثر استجابة للمشاعر الشعبية, فإن تخفيض مستوي العلاقات الإسرائيلية المصرية سيكون أمرا محتملا. إن صعود جماعة الإخوان المسلمين – النسخة المصرية لـ حماس – بوصفها الحزب الحاكم الجديد أشعل ذلك الإحساس بتأنيب الضمير, في ضوء المعارضة طويلة الأمد من جانب الإخوان لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل من عام 1979, ورفض الاعتراف بالوجود الشرعي لإسرائيل.
ولذا لم يكن من المستغرب أن يستجيب الرئيس المصري محمد مرسي, وهو أحد قادة الإخوان السابقين, إلي الغضب الشعبي في أعقاب عملية ##عامود السحاب## في غزة التي بدأت الأسبوع الماضي, عن طريق سحب السفير المصري في إسرائيل. بيد ففي المخطط الكبير للإيماءات الدبلوماسية, كانت تلك في الواقع خطوة صغيرة نسبيا. ويقينا كان الرئيس السابق حسني مبارك قد فعل الشئ ذاته في نوفمبر 2000 عندما اتسعت رقعة المظاهرات المصرية ضد إسرائيل خلال الانتفاضة الثانية. والسؤال الحقيقي إذا ما الذي سيفعله مرسي بعد ذلك: هل سيتوقف ببساطة عند مجرد استدعاء سفيره أم سيستخدم القتال في غزة لتبرير نهج أكثر حدة تجاه إسرائيل؟
يبدو أن هناك اتجاهين متعاكسين يؤثران علي مرسي حاليا: فمن ناحية تحثه المؤسسات الدبلوماسية والأمنية في مصر علي التهدئة. وفي هذا الإطار, أصدر وزير الخارجية محمد عمرو بيانا غير حاد يدعو فيه إسرائيل إلي وقف القتال, كما أنه نقل القضية إلي الجامعة العربية التي هي بالإضافة إلي كونها عقيمة, لم تناقش القتال في غزة حتي يوم السبت, أي بعد ثلاثة أيام من بدء العمليات.
وفي غضون ذلك, وخلال الأيام الثلاثة التي سبقت انفجار الأوضاع يوم الأربعاء, كانت أجهزة الاستخبارات المصرية تعمل علي منع التصعيد بين إسرائيل و حماس, كما أنها تأمل الآن أن تمر الحلقة الحالية بسرعة قبل أن تصبح العلاقات المصرية الإسرائيلية معرضة لمخاطر فعلية. وفي الرابع عشر من نوفمبر, أخبرني مسؤول مخابرات مصري رفيع المستوي عندما سألته عما إذا كان الصراع المطول في غزة سوف يؤدي بمرسي إلي تكثيف رده أم لا أجاب, ##إن ما حدث قد حدث. يجب علينا أن ننظر إلي المستقبل من دون أي دم أو تصعيد##.
ويعمل الإخوان المسلمون علي سحب مرسي في اتجاه مختلف للغاية. ففي أعقاب القتال الذي بدأ يوم الأربعاء, دعت الجماعة مرسي إلي ##قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الكيان المغتصب##, لكي يمكن للحكومة المصرية ##أن تكون نموذجا يحتذي به للعرب والمسلمين الذين يحافظون علي العلاقات مع هذا الكيان.## ويوم الجمعة نظم الإخوان أيضا احتجاجات واسعة ضد إسرائيل, كما أصر زعماء الجماعة البارزون علي أن تكون مصر ما بعد الثورة أكثر دعما للفلسطينيين. فقد كتب رئيس الحزب السياسي لـ الإخوان المسلمين الحرية والعدالة سعد الكتاتني من علي موقع ##تويتر## للتدوين المصغر بأن ##الشعب المصري قد ثار ضد الظلم ولن يقبل الهجوم علي غزة##.
ومنذ بدء فترة رئاسته التي تجاوزت أربعة أشهر, غالبا ما تبني مرسي نهجا أكثر واقعية كان مدعوما من قبل رجال الأمن والدبلوماسية المحترفين في مصر. ويرجع ذلك جزئيا إلي رفض مرسي المتعنت التعامل مع الإسرائيليين (ناهيك عن رفضه النطق حتي بكلمة ##إسرائيل## في التصريحات الرسمية), مما أجبره علي إسناد مسئولية سياسته تجاه إسرائيل إلي هذه المؤسسات البيروقراطية التي لا ترغب في المواجهة مع إسرائيل. ويرجع ذلك أيضا إلي اعتقاد جماعة الإخوان بأن عليها إتمام مشروعها لأسلمة مصر قبل أن تتمكن من السعي لتحقيق طموحاتها الإقليمية. وفي الواقع, ووفقا لما قاله أمين العلاقات الخارجية في الحزب السياسي لـ الإخوان المسلمين محمد سودان, في وقت سابق من الأسبوع الماضي, بأن مرسي يسير في المسار الصحيح نحو إسرائيل لأنه يعمل ##علي إلغاء التطبيع مع الكيان الصهيوني تدريجيا.##
ومع ذلك, هناك دلائل تشير إلي أن مرسي قد يتبني موقفا أكثر مواجهة عاجلا وليس آجلا. ففي يوم الثلاثاء, أعلن الحزب السياسي لـ الإخوان أن لجنته القانونية تعمل علي مشروع قانون جديد لتعديل معاهدة السلام مع إسرائيل من جانب واحد, أي من قبل مصر. وفي الوقت نفسه, وجه أعضاء بارزون في جماعة الإخوان إيماءات معادية تجاه إسرائيل في الأشهر الأخيرة.
كما أظهر مرسي معرفته بكيفية استخدام الأزمات لتعزيز الأجندة السياسية لجماعة الإخوان. فقد جاء رده سريعا علي الهجمات الإرهابية التي وقعت في سيناء في أغسطس حيث تخلص بسرعة من القادة العسكريين الذين كانوا يشكلون أكبر تهديد لحكم الإخوان المسلمين. وعلي نحو مماثل, فإنه قد يستخدم الانفجار الحالي لتعجيل مسعي الإخوان للسعي لتسريع طموحاتهم المعادية لإسرائيل. وسواء استخدم مرسي القتال الحالي في غزة لقطع العلاقات الإسرائيلية المصرية كلية الآن أم لا, فمن الواضح أن هذا هو الطموح النهائي لجماعة الإخوان.
وهنا يأتي دور واشنطن. فعلي الرغم من أنه ليس باستطاعة إدارة أوباما تغيير الأهداف طويلة الأجل لحركة ضيقة الأفق ومتطرفة مثل جماعة الإخوان, إلا أنه يجب عليها أن تعمل علي منع الجماعة من السعي لتحقيق تلك الأهداف في أي وقت قريب. ويمكن للإدارة أن تبدأ بذلك بأن تخبر مرسي بشكل واضح جدا بأنه بينما هو حر في أن يختلف مع الولايات المتحدة بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, إلا أنه لا يستطيع الاختلاف علي أهمية الحفاظ علي العلاقات بين مصر وإسرائيل, والتي ساعدت علي منع نشوب حرب بين جيشين من أقوي جيوش المنطقة خلال فترة زادت عن ثلاثة عقود مضت.
وعلاوة علي ذلك, يتعين علي الإدارة الأمريكية استخدام المساعدات الاقتصادية, فضلا عن الدعم الأمريكي للحصول علي قرض من ##صندوق النقد الدولي## بقيمة 4.8 مليار دولار كعامل مؤثر لضمان بقاء مرسي ضمن خطوط حمراء محددة بوضوح. وفي النهاية, فإن هذه المساعدات ليست خيرية – بل تعد استثمارا في علاقة واشنطن مع مصر – المسالمة مع جيرانها. كما أن الاستثمار في مصر التي تستغل جولة أخري من القتال بين الإسرائيليين والفلسطينيين كعذر ومبرر لخرق التزاماتها الدولية, مثلما تود جماعة الإخوان أن يقوم مرسي بذلك, يعد استثمارا سيئا للغاية.
ذي آتلنتيك