قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (634)
في مستهل هذا الشهر فاجأت حركة حماس التي تحكم قطاع غزة من قطر (!!) العالم بإعلان يعج بالمغالطات والمتناقضات ويتحدث عن قبول الحركة لأول مرة قيام دولة فلسطينية علي حدود 4 يونية 1967 -أي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس- وذلك دون التنازل عن أي من الحقوق أو الأراضي الفلسطينية ودون الاعتراف بالكيان الصهيوني (!!). كما خلا الإعلان من ذكر الانتماء الأصلي للحركة والذي ورد في ميثاق تأسيسها عام 1988 وهو أنها جناح المقاومة الفلسطينية التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
للوهلة الأولي تصدر هذا الإعلان نشرات الأخبار عبر المنطقة العربية والعالم, لكن سرعان ما جاء رد الفعل الإسرائيلي يحمل السخرية والتقليل من شأنه وتبع ذلك سيل من ردود الأفعال المتشككة في مصداقيته والمتسائلة عن النوايا الخفية وراء صدوره في هذا التوقيت وخلوه من الآليات الجادة الواقعية نحو تنفيذ محتواه.
في البداية هناك نقطة نظام يلزم ترسيخها… كيف يتم الإعلان عن هذا الإعلان من العاصمة القطرية الدوحة وليس من غزة معقل حركة حماس ومركز نضالها؟!!… هل هو إعلان صادر عن سلطة أو حكومة في المنفي؟!!… وهل طرح الإعلان علي الشعب الفلسطيني في غزة الذي تدعي حماس أنها تمثله وتناضل من أجل حقوقه؟… للأسف طرح الإعلان بهذا الشكل من الدوحة إنما يؤكد صحة التقارير التي تتحدث عن ابتعاد أباطرة حماس عن عذابات الشعب الفلسطيني وحياة البذخ التي يحيونها في قطر والدعم السياسي والمالي غير المحدود الذي يحصلون عليه من النظام القطري الداعم في الوقت نفسه لجماعة الإخوان وشتي الممارسات الإرهابية.
أيضا يبرز التساؤل: لماذا لم يصدر هذا الإعلان من رام الله عاصمة السلطة الفلسطينية وبحضور رئيسها محمود عباس؟.. ألم يكن ذلك إذا حدث له وقع الزلزال في الأحداث العالمية ويحدث دويا هائلا يدفع بالقضية الفلسطينية دفعة كبيرة إلي الأمام نحو مائدة المفاوضات؟… لكن البيان لم يعن إطلاقا بالحديث عن المصالحة الفلسطينية ولم الشمل الفلسطيني بين السلطة وحماس -بين رام الله وغزة- وحماس تعرف تمام المعرفة أنها بعنادها ومواقفها المراوغة أهدرت كل الجهود التي بذلت عبر عقدين من الزمان لتحقيق المصالحة الفلسطينية -ولا أغفل في هذا الخصوص الجهد الدؤوب المضني الذي بذله اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصري والذي كلما كان يصرح بنجاح مفاوضات لم الشمل كان ينتهي إلي الإحباط والحسرة بسبب تنكر حماس لما اتفق عليه أو هروب قياداتها من اجتماع توقيع الاتفاق-حتي أن التكهنات باتت تطارد حماس بأنها لا تمتلك الإرادة السياسية ولا الرغبة في حل القضية الفلسطينية لأن في حل القضية تهديدا بخروج الحركة من المشهد السياسي وفقدان قادتها الورقة النضالية التي يحصلون بفضلها علي الدعم والتسليح والتمويل ومقاعد القيادة. كما تحدثت التكهنات عن مباركة إسرائيل نفسها لهذا الانقسام -بل التشرذم- الفلسطيني لأنه يعطيها الذريعة القوية التي تتذرع بها في المحافل الدولية بعدم قدرتها علي الجلوس إلي مائدة المفاوضات لحل القضية الفلسطينية إذ أنها لا تعرف مع من تجلس ومع من تتفاوض ومع من تتفق؟!!… مع السلطة الفلسطينية أم مع حماس؟!!
الغريب أن بيان حماس يتحدث عن أنه لم يصدر في عجالة, بل توافقت عليه قيادة الحركة قبل أربع سنوات (!!!) بما يعكس تطور فكرها السياسي (!!!) كما أنه حظي بمشاركة سياسية واسعة داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها وعرض علي المكتب السياسي ومجلس شوري حماس, ثم عرض علي خبراء في القانون الدولي (!!!) وأنه بذلك خرج ليخدم القضية الفلسطينية العادلة ويقدم نموذجا في التعامل الواقعي دون الإخلال بالثوابت (!!!)… أي تلاعب بالألفاظ وأي مراوغة ينطوي عليها هذا الكلام؟… عندما يرد في البيان الشئ ونقيضه وعندما يقبل البيان سياسة جديدة دون أن يتنازل عن السياسة القديمة, وعندما يعلن قبوله إقامة دولة فلسطينية علي حدود 4 يونية 1967 مع عدم تخليه عن هدف استعادة كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948, وعندما يقبل ضمنا التفاوض مع إسرائيل مع الإقرار بعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني المحتل!!!… أي تلاعب بالألفاظ ومراوغة هذه التي أقرها خبراء القانون الدولي؟!!
هل فعلا تصدق حماس الوثيقة التي أصدرتها؟!!… وهل تعتقد أن مضمونها بهذا الشكل ينطلي علي أي من القوي السياسية في المنطقة أو العالم فتصدقها؟!!… الواضح أن وراء تلك الوثيقة -التي أتحدث عنها كإعلان وليس كوثيقة لأنها لا ترقي إلي مرتبة أو مصداقية أو جدية الوثائق- نوايا وأهدافا خفية بعيدة تماما عما تفصح عنه سطورها!!!
Discussion about this post