اعتقد بعض الناس أن طاقة القدر ستتجلي لبعضهم فيستجاب دعائهم فراحوا يتلمسون هذه الطاقة ويعيدون أمنياتهم لكي تتحقق لهم… وتمر السنون ولا يري أحد طاقة القدر التي ظل يترقبونها لتهب لهم كل شئ دون أن يقدموا شيئا.
هكذا تحول مسار ليلة القدر من ليلة يكثر فيها الصلاة والسجود والدعاء إلي ليلة معناها الحظ أو النصيب وارتبطت هذه الليلة بأحلام الناس المادية وطموحاتهم.
ليلة القدر… هي ليلة ينتظرها الجميع,ليلة موعودة من بين سائر الليالي… لسلة مشهودة, مشهورة, سجلها الوجود كله في فرح وابتهاج.
اختلف العلماء وتعددت آرائهم في معني ليلة القدر,فمنهم من سمي ليلة القدر بهذا الاسم لأنه نزل فيها القرآن أو قدره… ويروي ابن عباس وغيره أن الله يقدر فيها ويقضي ما يكون في تلك السنة من مطر ورزق وإحياء إلي السنة المقبلة فالقدر معناه الشرف وليلة القدر معناها ليلة الشرف والبركة وعلي هذا فالقدر صفة ليلية وليس اسم لها.
تتميز ليلة القدر بعلامات خاصة وتميزها عن غيرها من الليالي حيث تتسم السماء في هذه الليلة بالصفاء,ويتصف القمر بالسطوع,ويقال أيضا إنه في هذه الليلة يكثر صياح الديوك لكثرة ما يرون من نزول الملائكة إلي الأرض.
ويروي لنا إدوارد لين أحد الرحالة الأجانب عن العشرة الأواخر من رمضان موضحا أن غالبية المسلمين يفضلون قضائها في جامع الحسين وجامع السيدة زينب,ومن غرائب ما رواه لين ذلك الاعتقاد الراسخ في أذهان الكثيرين من أن الماء المالح يتحول إلي ماء عذب حلو المذاق في هذه الليلة,فيجلس الأنقياء في هذه الليلة بخشوع وأمامهم إناء فيه ماء مالح وبين حين وآخر يتذوقون طعمه ليتأكدوا أنه أصبح حلو المذاق,ومن ثم يجمعون في الرأي علي أن هذه الليلة هي ليلة القدر,وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان.
ومن العادات الطريفة التي اشتهر بها الخديوي إسماعيل وعرفها قصر عابدين,أنه كان يرسل في ليلة القدر إلي جيرانه في الحي صواني فضية بها أطعمة فاخرة مكونة من أشهي المأكولات من ديك رومي وغيره من اللحوم,وكان الرد علي الهدية الخديوية من الناس كل عام أن يرسلوا اثني عشر أردبا من القمح قبل موسم عاشوراء,ويردها الخديوي إلي أهل الحي أطباق من العاشوراء المصنوعة في مطابخ القصر محشوة باللوز والفستق ومغطاة بمفارش ثمينة من الحرير,وكان الطبق مصنوعا من البورسلين الفاخر ويبلغ قطره خمسين سنتيمترا,وعمقه نحو عشرين سنتيمترا ومزخرفة بالنقوش الفنية, والطريف أن هذه الأطباق لا تسترد ويتباهي بها الأعيان,وظل هذا التقليد ساريا حتي أوائل عهد الملك فؤاد ثم انقطعت هذه العادة في عهده.
وكان للملك فاروق طريقته الخاصة بالاحتفال بهذه الليلة,حيث يقضي ليلة القدر في قصر رأس التين,ويدعوا كبار الشخصيات لكي يستمعوا إلي القرآن من أشهر المقرئين وقتئذ.
ولهذه الليلة الفضل الأكبر من بروز نجوم التلاوة,حيث كانت وزارة الأوقاف تحتفل بكل ليلة قدر من كل عام,ويقوم بإحيائها أحد الشيوخ الذين اشتهروا بالتلاوة,وأشهر الأماكن التي كانوا يتلون فيها هو مسجد الإمام الحسين,وفي هذا الصدد يذكر المعاصرون من بعض رجال الفكر أنه في عام 1979 كان القارئ هو الشيخ محمود صديق المنشاوي,وكان رائق المزاج فأبدع في تلاوته وجعل الناس في صفاء وسلام نفسي,ولم يقف عن تلاوته في تلك الليلة إلا عند اقتراب موعد آذان الفجر.
ليلة القدر كانت العامل الأساسي في شهرة الشيخ سيد النقشبندي والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي واللذان أصبحا بفضل هذه الليلة وجماهيريتها من أشهر شيوخ المديح والتلاوة في المنطقة العربية.
ولا تزال إحياء ليلة القدر أفضل ليالي السنة ولها مكانة عظيمة بين الأيام,ولها مكانة عظيمة عند الناس الذين ينتظرون هذه الليلة… متمنين تحقيق أمالهم وأحلامهم.
المراجع:
* الحياة الاجتماعية في الفكر الإسلامي.. د.أحمد شلبي
* عادات المصريين المحدثين… إدوارد لين
* ليلة القدر… عماد الدين شرف الدين