لمن لا يعرف, فإن مجموعة بريكس تمثل تجمعا دوليا يربط بين خمس دول هي: البرازيل, روسيا, الهند, الصين, وجنوب أفريقيا. تأسس منذ سنوات عدة بهدف خلق ائتلاف سياسي اقتصادي مناوئ للهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتبعية دول الاتحاد الأوروبي في السيطرة علي مقدرات الاقتصاد العالمي… ثم جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية وما أفرزته من جهود محمومة لإجراءات المقاطعة السياسية والاقتصادية لروسيا من جانب الولايات المتحدة وتوابعها الأوروبيين لتفجر الحاجة الماسة إلي إعادة تشكيل النظام العالمي ضد سيطرة القطب الواحد وخلق نظام عالمي جديد ثنائي أو متعدد القطبية ليتولي قيادة العالم بناء علي معايير جديدة أكثر عدالة وتوازنا.
هكذا كانت مجموعة بريكس هي المرشحة للاضطلاع بهذا الدور التاريخي الذي يتمرد علي القطبية الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية ويقدم بديلا استراتيجيا وسياسيا واقتصاديا يعيد العالم لعصر من التوازن والوفاق وكبح جماح غطرسة وتغول القطب الواحد… وكان أن تطورت الأمور إيجابيا في الشهور الماضية بحيث لم تقتصر مجموعة بريكس علي الدول الخمس المؤسسة لها, بل انضمت إلي عضويتها مجموعة من الدول الفاعلة والمؤثرة في الاقتصاد العالمي هي إيران, تركيا, السعودية, الإمارات ومصر… الأمر الذي مثل ثقلا كبيرا لدور المجموعة وقدرتها علي التأثير في الاقتصاد العالمي وكبح جماح الهيمنة الأمريكية الأوروبية.
ودعوني أرصد بعضا من ردود أفعال السياسيين الغربيين في هذا الإطار:
** بروفيسور ريتشارد وولف أستاذ الاقتصاد بجامعة ماساشوستس الذي يقول: الآن نري تأثير التحالف الصيني الروسي علي العالم الثالث وأهم مفردات تأثير القطب الصيني فهو أحدث قطب عالمي لديه أجندة خاصة لبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يضم الهند, البرازيل, روسيا, جنوب أفريقيا, علاوة علي إيران, تركيا, السعودية, الإمارات ومصر, وهذا يجعل القطب الصيني مسيطرا علي تجارة الطاقة في العالم… فهو يستحوذ علي أكبر تجمع بشري في العالم: الصين والهند, علاوة علي علاقات تجارية استراتيجية هائلة للسيطرة علي تجارة الطاقة حيث تشتري الهند البترول والغاز الروسي الذي قاطعته الدول الأوروبية في إطار العقوبات التي كانت لها نتائج هزيلة لم يعد العالم يكترث بها.. الصين قدمت للعالم بديلا ذا مصداقية: الآن تستطيع أن تخالف سيادة الولايات المتحدة وترسم لنفسك سياسية اقتصادية خاصة تخدم مصالحك وتشمل التصادم مع الولايات المتحدة لأنك يمكنك أن تعول علي القطب الصيني الذي يتعامل بندية من خلال مجموعة بريكس مع تهديدات الهيمنة الأمريكية… إنه عالم جديد يحمل أيديولوجية جديدة ستحكم العالم وتعد بانحدار وانحسار الدور الأمريكي ووضع حد لسيطرته علي العملة الاحتياطية العالمية بفرض الدولار ونظام سويفت… الآن عوضا عن البترودولار تقدم بريكس عملة البترويوان كنظام مدفوعات عالمية جديد.. صحيح أن ذلك سوف يستغرق بعض الوقت ولكن النتائج الإيجابية آتية لا محالة… وكلما زادت الحرب الأوكرانية استعارا أو طال أمدها سوف يكون الإصرار أقوي والعزيمة أشد علي تطوير الأنظمة بعيدا عن الهيمنة الأمريكية التي أصبحت غير موثوق بها كحاكم منصف للعالم كما كانت في الماضي.. من يعود يثق علي احتياطاته المالية وثرواته لدي الولايات المتحدة التي لا تتورع في الاستيلاء عليها لخدمة مصالحها علي حساب جميع الحدود القانونية أو المنطقية التي رسخها القانون الدولي والمعاهدات الراسخة بين الدول.
** جون لوك ميلونشون السياسي الفرنسي اليساري يستعرض بزوغ مجموعة بريكس:
بريكس سوف تغير وجه العالم بالرغم من تبعية أوروبا لأمريكا… هذه المنظمة الجديدة ستتمكن من خلال أعضائها المؤسسين وأعضائها المنضمين الجدد من الوقوف في وجه هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية علي العالم في موازين القوي… ما تم اتخاذه في أغسطس الماضي من قرارات ومن تأسيس تحالفات, من شأنه أن يعكس قرار ريتشارد نيكسون عام 1971 لعدم تغطية الدولار الأمريكي بغطاء الذهب وفرضه كعملة عالمية تتمتع بقوة الاقتصاد الأمريكي وحده, وبالتالي السماح بهيمنة الدولار علي جميع مجالات النشاط التجاري والصناعي في العالم.. الآن تجمع بريكس وضع حدا لهذا التغول وعبد الطريق نحو تأسيس عملة جديدة مشتركة يتم تقويمها بالذهب ويعترف بها من الدول التي لا ترغب في التعامل بالدولار… أي أن هناك عملة جديدة ليست حكرا علي أحد, وهذه اللحظة في الاقتصاد السياسي سوف تغير وجه العالم لوضع حد للهيمنة الأمريكية.. دعوني أذكركم أن بريكس يمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بينما يمثل تجمع مجموعة السبع 31% فقط… لذلك نحن بصدد تحول جيوسياسي كبير ينعكس علي الجانب الأمني والسياسي والمالي للعالم.