في عصر السماوات المفتوحة ..التليفزيون المصري يحتاج لأجنحة
0 خبراء الإعلام:لا لبيع الأوهام والدجل العلاجي..ونعم للتنوير والفن الراقي
يحتفل التليفزيون المصري طوال هذا العام بمرور 50 عاما علي تأسيسه ويمثل الاحتفال قيمة كبيرة سواء علي مستوي المواطن أو علي مستوي الإعلام لما يمثله من منبر مهم ساهم في نشر الفكر التنويري وساعد الشعوب العربية في بناء ثقافتها.
جاءت فكرة إنشاء التليفزيون عام 1956 وتمت البداية بالفعل في 1959, وكانت الرؤية وقتها أن يكون التليفزيون جهازا ثقافيا,إخباريا,تعليميا,ترفيهيا وأن يلعب دورا في التنمية.
ولأن فكرة إنشاء التليفزيون كانت في وقت الوحدة مع سورية كان التخطيط مبنيا علي أساس إنشاء 3 محطات تليفزيونية في القاهرة وفنانين في سورية إلا أنه ظهرت مشكلة كبيرة تواجه ذلك وهي التمويل, فالمطلوب أكثر من مليون جنيه والمتوفر كان ربع مليون جنيه فقط.
وتولي تأسيس التليفزيون الدكتور محمد عبد القادر حاتم الذي لقب بأبو التليفزيون المصري واستطاع أن يتغلب علي أزمة التمويل عن طريق الطلب من الشركات العالمية المنتجة للتليفزيونات أن تمنحه 10 آلاف جهاز, وكان هذا مطلع عام 1960 وتم بيعها بعد ذلك بالتقسيط بعد تعلق الناس بها.
وانطلق التليفزيون في الساعة السادسة من مساء 21 يوليو 1960 في العيد الثامن للثورة, ومنذ ذلك الوقت برز التليفزيون المصري وتميز وفي السبعينيات من القرن الماضي تولي الدكتور جمال العطيفي حقيقة الإعلام, وأضاف في عهده بعدا فكريا ثقافيا متحررا للمواطن, وفي أبريل 1979 تولي أصغر وزير إعلام المسئولية وقتها عن 42 عاما وهو الدكتور منصور حسين, وفي 1981 تولي صفوت الشريف وزارة الإعلام وقام بعملية تجديد الدور الإعلامي الرائد لمصر وقام بعمليات تحديث واسعة في آليات العمل والرسالة الإعلامية.
وفي 2004 تولي الدكتور ممدوح البلتاجي المسئولية خاصة في مواصلة التطوير وكانت أهم بصماته برنامج البيت بيتكالذي حقق أكبر قدرا للتواصل بين الجمهور والإعلام الحكومي واستمر التطوير والتغيير إلي أن جاء وزير الإعلام الحالي أنس الفقي في وقت تشهد فيه مصر تحولات ديموقراطية مهمة مع زيادة مساحة حرية الرأي والتعبير مع الحفاظ علي ثوابت المجتمع.
السجل الذهبي
قال أسامة الشيخ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون إن هذا العام يشهد احتفال التليفزيون المصري بعيده الخمسين ولهذا نقوم علي مدار العام بالاحتفال بذلك الحدث المهم, لافتا النظر إلي إصدار كتاب خاص بهذا التذكار تحت عنوان سجل ذهبي للرواد وسيتضمن أهم الأحداث التليفزيونية التي واكبت الخمسين عاما إضافة إلي إطلاق قناة التليفزيون العربي لبث كل البرامج القديمة لتعريف المواطنين علي التراث المصري ويستمر بثها 8 ساعات يوميا, وأيضا إصدار طابع بريد كتذكار بهذه المناسبة.
أضاف الشيخ أن مصر هي الأسبق في المنطقة العربية في الدخول إلي مجال الإعلام الفضائي, حيث تمثل رقم 60 في نادي الفضاء الدولي بعد تصنيع وإطلاق القمر الصناعي المصري نايل سات101 عام 1998 و201 في عام2000, وتم إطلاق القمر الصناعي 102 الشهر الماضي.
تحدث الشيخ عن تاريخ التليفزيون خاصة مكتبته الثرية التي تحتوي علي 200 ألف شريط وتقوم بخدمة جميع قنوات التليفزيون ومدها بالأفلام والمواد والبرامج المختلفة.
وأكد الشيخ أن مكتبة التليفزيون تحتوي علي 1000 أغنية أبيض وأسود وألوان و44 خطابا سياسيا للرئيسين جمال عبد الناصر والسادات وجميع حفلات كبار الفنانين منذ قيام التليفزيون وحوالي 150 فيلما تسجيليا وكلها أعمال تراثية نادرة لكبار المبدعين والمفكرين والمذيعين مثل توفيق الحكيم, العقاد, ثروت أباظة, طه حسين, أنيس منصور, وسناء منصور, وطارق حبيب, وأم كلثوم, وعبد الحليم, وفريد الأطرش, ومحمد فوزي.. وغيرهم.
تحديات العمل بالتليفزيون
قالت سلمي الشماع رئيسة قناة المنوعات السابقة إنه في الماضي كان عدد المذيعين والمذيعات قليل, وتقع الإذاعة من ستوديو واحد أما الآن ومع التوسع والزيادة نتيجة للتطور الإعلامي أصبح هناك تكدس ينعكس علي الحالة المهنية, لافتة النظر إلي أن جيل الرواد كان يتمتع بالأداء الجيد والمتميز وأسلوبه في قراءة الجمل, وهذا أصبح مفقودا في كثير من المذيعين وذلك لأنهم لم يرو حجم المعاناة والكفاح الذي عاني منه العاملين في التليفزيون خلال السنوات الماضية.
أوضحت الشماع أن التليفزيون يواجه عددا من التحديات خلال الفترة المقبلة وأهمها التميز والتحديث والتدريب وهي الأسلحة التي تساعد علي التفوق والمنافسة مع المحطات الأخري, مؤكدة أن قنوات التليفزيون المصري بدأت في استعادة مكانتها وظهر ذلك خلال شهر رمضان والتنوع والتميز للبرامج والمسلسلات التي يعرضها والتي لاقت إقبالا كبيرا ليس من المشاهد المصري فقط وإنما في جميع الدول العربية.
تطبيق المعايير المهنية
وعن أهم البرامج التي تميز بها التليفزيون المصري قال حازم منير المشرف العام علي تحرير برنامج مصر النهاردة: التعامل مع المشاهد أصبح يحتاج قدرات خاصة في ظل المنافسة الإعلامية الكبيرة, ونحن في مصر النهاردة لايوجد لدينا خطوط حمراء بالمعني الحقيقي, وإنما هي مهنية بالدرجة الأولي والخطوط الحمراء تعني تطبيق المعايير المهنية بقدر الإمكان.
وأوضح الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن مصر تمتلك الريادة الإعلامية ببناء أقدم تليفزيون في المنطقة العربية وتخريج كوادر نشرت الإعلام المصري في الوطن العربي.
وأضاف أنه علي التليفزيون تكريم كافة الإعلاميين المصريين مع دعم الإعلاميين الجدد من أجل ضمان الاستمرار في الريادة الإعلامية.
الريادة الإعلامية
قال الدكتور فاروق أبو زيد عميد كلية الإعلام بجامعة مصر الدولية: الاحتفال بتكريم الرواد الذين ساهموا في تأسيس التليفزيون المصري يعد لفتة طيبة من القائمين علي الإعلام المصري مطالبا بضرورة استثمار هذه الاحتفالية من أجل مواكبة التطور خاصة أن هناك قنوات عربية أصبحت تسبقنا, ويجب أن نعترف بذلك, والزيادة تعني أن تكون الأول محليا وعربيا, إضافة إلي أن صناعة الإعلام أصبحت من أهم مصادر الدخل القومي.
أشار الدكتور حسن عماد أستاذ الإعلام إلي أن التليفزيون المصري كان بمثابة المنارة لكل الدول العربية وأغلب البرامج والأفلام تكون باللهجة المصرية والممثلين والمغنيين يأتون إلي مصر لتميز إعلامها وانتشاره في الوطن العربي, مؤكدا علي أن الإعلام المصري منذ نشأته كان له دور تعليمي وثقافي وتنويري كبير إتاحة لجميع الشعوب العربية.
المنافسة والحرية
قال أمين بسيوني رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق إنه مع عصر الفضائيات تتنافس الدول حاليا في إطلاق الأقمار الصناعية والمنافسة بواسطة هذه الأقمار والاستثمار في ذاك الوقت, ولكن المهم هنا هو المنافسة مع الحفاظ علي مناخ الحرية وتقديم الخدمات لملايين المشاهدين في الوطن العربي, والاحتفاظ بالرسالة الإعلامية الهادفة التي تميزت بها مصر خلال نصف قرن مضي.
من جانبها قالت سهير الأتربي رئيسة التليفزيون الأسبق إن التليفزيون المصري مر بمراحل مختلفة وكانت له الريادة الإعلامية في منطقة الشرق الأوسط, وكانت للقنوات الأولي والثانية مساحة كبيرة في تقديم خدمات جيدة للمشاهدين, ثم تم التوسع بإضافة القنوات من الثالثة وحتي الثامنة لتقديم خدمات مميزة للمواطنين في المحافظات المختلفة, وهو ما كان له أثر إيجابي ومع ظهور الفضائيات تم إطلاق فضائيات متخصصة للمواطنين في مجالات الصحة, والتعليم, والرياضة, والسباحة, وغيرها من المجالات التي يحتاجها المواطن المصري خاصة والمواطن العربي عامة.
دعت الأتربي إلي تدريب المذيعين والمذيعات علي إتقان قواعد اللغة العربية وتحسين مخارج الألفاظ, خاصة أنه مع انتشار الفضائيات العربية والتنافس الشديد في عرض الأعمال المتميزة لجذب شرائح أكبر من المواطنين ينبغي التركيز علي هذا الجانب المهم والذي يعد من أساسيات العمل الإعلامي الناجح.
جذب المشاهد
من جانبها قالت الإعلامية درية شرف الدين إن التليفزيون الرسمي للدولة أصبح يفتقد إلي الأعمال الجديدة التي تجذب المشاهدين, وعلي التليفزيون أن يكون أداة جيدة لتنوير وتثقيف المشاهدين,وتقديم خدمات إخبارية واجتماعية جيدة,وعدم الاستسلام لثقافة انتشار المساحات الإعلانية علي حساب المساحات التنويرية, خاصة أن التليفزيون ليس دوره فقط البحث عن تحقيق مكاسب تجارية.
واعتبرت الإعلامية آمال فهمي أن التليفزيون المصري يقدم موادا متميزة وموضوعية ومع ذلك هناك بعض السلبيات التي يمكن إزالتها من خلال وقف تعيين أقارب العاملين بالتليفزيون وقصر العمل علي المتميزين, وخلق مناخ تنافسي بين العاملين حتي يكون التليفزيون مكانا جيدا يعمل به المتميز فقط والذي يستيع أن ينتقل به إلي المنافسة وإضافة المزيد من التشويق .
التنوير أولا:
وقالت ماجدة موريس الناقدة الفنية إن اختيار المذيعين والمذيعات لابد أن يكون جيدا, ويقع اتباع طرق جديدة قادرة علي الفرز واختيار الشخصيات القادرة علي تقديم أعمال جيدة ترتقي بالتليفزيون وتقدم أفكارا جديدة تجعل التليفزيون قادرا علي المنافسة في ظل التنوع الشديد من القنوات العربية,كذلك لابد من زيادة المساحة التنويرية والتي تفيد المجتمع وتسمو به اجتماعيا وأخلاقيا وثقافيا.
دعت موريس إلي إلغاء البرامج غير الهادفة والمسابقات الوهمية والتي تهدر عددا كبيرا من ساعات البث ولايتم الانتفاع بها,وزيادة البرامج الهادفة والنقاشات الثرية التي تعود بالنفع علي المواطنين, وخلق مناخ ثقافي جيد في المجتمع, وتنظيم مزيد من الأمسيات الثقافية واستضافة الشخصيات الفكرية العظيمة لإثراء ثقافة المجتمع.
من جانبه قال الدكتور عدلي رضا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بإعلام القاهرة إن التليفزيون المصري منفذ إطلاقه قدم العديد من الخدمات للمجتمع وساهم في خلق مناخ ثقافي واجتماعي جيد وكانت له أدوات عديدة مكنته من بسط نفوذه في منطقة الشرق الأوسط لفترات طويلة ورغم المنافسة مع القنوات العربية إلا أن التليفزيون المصري كانت له الريادة في العديد من المجالات, وكان مصدرا مهما للمعرفة والتنوير والفن البناء.
ذكريات لاتنسي
ومع ظهور البث التليفزيوني كانت هناك ذكريات للفنانين والفنانات ولاتزال محفورة بداخلهم وهو ما نحاول رصده في هذه السطور.قال الفنان محمود ياسين:أنا من مواليد بورسعيد, وكنت أسافر إلي القاهرة لرؤية هذا البث والذي بدأ أول مرة بخمس ساعات ليصل إلي 11 ساعة يوميا وكنت دوما أحلم بالتليفزيون والعمل به, وأذكر أن أخي هو أول من بعائلتنا عمل بالتمثيل في الفرقة القومية للمسرح ببورسعيد ومنها إلي التليفزيون المصري وليأخذني معه, وكانت بدايتي هناك عندما صور التليفزيون المصري مسرحية من بطولة أخي وهيليه يا دلوعةوالتي قدمتها فرقة نجيب الريحاني والذي ضمنهم كان أخي .
بعدها توالت المسرحيات التي عمل بها أخي وصورها التليفزيون مثل الشقيقات الثلاث وبستان الكرز, وغيرها, ومن درجة حبي للتليفزيون كنت أحب المسرحية شكلا عندما نعرضه في هذا الصندوق عند عرضها علي المسرح للجمهور, وكنت قد رغبت للالتحاق بمعهد المسرح ولكن والدي اصطدم برأي وأجبرني علي تقديم أوراقي في حقوق القاهرة,وأثناء عشقي لعمل الفن وقرآتي لكل تلك المسرحيات ومع بحثي عن عمل سمعت أن مسرح التليفزيون يطلب ممثلين حيث البث التليفزيوني بدأ ولكن التصوير كان يتم علي مسرح التليفزيون وليس البلاتوهات التي في عدد من تمثليات التليفزيون والإذاعة وكان أجري وقتها 8 جنيهات عن التمثلية القصيرة وبعد إنهائي الحقوق أعلن المسرح القومي عن قبول دفعة جديدة ولكن الدراسة كانت في مسرح التليفزيون وكانت شعبة واحدة أواخر عام 1961, ودخلت الامتحان وكان ترتيبي الأول علي الناجحين وكان معي وقتها عادل إمام وصلاح السعدني وسعيد صالح.