ربما نقوم راهنا في اليونان بكل ما هو صائب من أجل إحياء اقتصادنا, ولكن المشكلة قد تكمن في أنه ليس كل شخص يريد لنا النجاح. فلكي ننجح, يتعين علي المجتمع الدولي معالجة التهديد, الذي تشكله المضاربات والأسواق المالية سيئة التنظيم, وهو تهديد لا يعرض اليونان وحدها للخطر, وإنما الاقتصاد العالمي برمته.
وأنا أري ذلك التهديد يوميا أثناء تعاملنا مع هذه الأزمة. فالمشكلة المباشرة التي تواجهنا ليست هي التعامل مع تبعات الكساد, وإنما كيفية خدمة الديون المستحقة علينا. فعلي الرغم من الإصلاحات الضخمة التي نقوم بها, فإن المتعاملين في البورصات والمضاربين, أحبطوا تلك الإصلاحات من خلال رفع معدلات الفائدة علي السندات اليونانية إلي مستويات قياسية.
ترتب علي ذلك أن اليونان تقترض في الوقت الراهن بمعدل فوائد يزيد بمقدار الضعف عن المعدل السائد في دول الاتحاد الأوربي, وهو ما يعني أننا سنواجه أوقات عصيبة, عند تنفيذنا لبرنامج الإصلاح, لأن أي مكاسب ستحقق من وراء ذلك البرنامج, ستبتلعها معدلات الفوائد الباهظة.
الموضوع برمته يعطي إحساسا قويا بأن ما نشاهده الآن قد حدث من قبل, فالمؤسسات المالية التي أنقذت بفضل أموال دافعي الضرائب, تراكم ثروات طائلة الآن بالاستفادة من محنة اليونان, كما يقوم المضاربون ممن لا مبادئ لهم بتكوين المليارات, كل يوم بالمضاربة علي عجز اليونان عن سداد الديون المستحقة عليها في مواعيدها.
ربما يبدو كل ذلك مألوفا, خصوصا بالنسبة للأمريكيين الذين دفعوا مؤخرا أموالا طائلة من أجل إنقاذ بنوكهم المتعثرة. بيد أننا في اليونان, وعلي النقيض من البنوك الأمريكية, لا نطالب بحزم إنقاذ – ناهيك عن مطالبتنا بعلاوات – بل إن الحقيقة هي أننا قد قمنا بخفض كبير في الرواتب لجميع الموظفين الحكوميين – وأنا نفسي اقتطع جزء كبير من راتبي – كما قمنا بتقليص العلاوات في البنوك اليونانية بنسبة 90 في المئة.
والاقتصاد العالمي مترابط, ويعتمد علي بعضه بعضا. ونحن جميعا نعاني, أو نتقدم وفقا علي الطريقة التي نتعامل بها مع الأخطار. وهناك أيضا خطوات مباشرة وطويلة الأمد نستطيع اتخاذها لمواجهة تأثير القوي التي تحقق أرباحا من خلال المضاربة علي فشلنا.
ففي اقتصادنا العولمي, وخصوصا وقت الأزمات, تلعب التوقعات دورا مهما. ولعل هذا هو السبب الذي يجعلنا نقول إن أصدقاء اليونان وأصدقاء الديموقراطية, يقدرون, بل ويجب أن يساعدونا علي الخروج من هذه الأزمة.
يجب علي أوربا وأمريكا معا أن يقولا ##كفي## لهؤلاء المضاربين الذين يهتمون في المقام الأول بتحقيق المكاسب السريعة, دون أدني اهتمام بما قد يؤدي إليه ذلك من تداعيات علي النظام الاقتصاد العالمي, ناهيك عن تأثيراته الأخري علي الناس, والمتمثلة في فقد الوظائف, والحجز علي المنازل, ومعاشات التقاعد المخفضة.
إن تلك الانتهاكات لنظام السوق, والتي كانت السبب الجوهري الذي أدي إلي انهيار النظام المصرفي لا تزال حتي الآن تمثل ممارسات قانونية مسموحا بها, وعلينا أن نحول دون ذلك. فليس من المنطقي مثلا أن نسمح لشخص بشراء وثيقة تأمين علي منزل جاره, ثم نسمح له بإحراق هذا المنزل للحصول علي مبلغ التأمين. ولكن هذا هو تحديدا ما حدث في سوق ما يعرف بـ##مقايضة العجز عن سداد الديون##. فهذه الممارسة هي الكارثة التي دفعت البنوك للحجز علي منازل ملايين الأسر الأمريكية, وهي الكارثة التي حلت باليونان, وبنا جميعا. ولكن إذا تدخلت أوربا والولايات المتحدة, وتعاونتا معا في تعزيز القواعد المالية, وفي فرض هذه القواعد في نهاية المطاف, فإننا سنستطيع قطعا استئصال مثل هذه الممارسات. ويجب أن أنوه في هذا السياق بالخطوة المشجعة التي قامت بها السلطات الأمريكية عندما أمرت بعض المضاربين بعدم إتلاف السجلات الخاصة بتعاملاتهم في اليورو, وهي خطوة أتمني علي السلطات الأمريكية أن تتبعها بخطوات أخري.
إننا نواجه في الوقت الراهن أسوأ حالة كساد منذ ثلاثينيات القرن العشرين. والعولمة التي كانت تعد بالكثير, والتي فتحت العديد من الأبواب لنا, وللعديدين ممن يتمتعون بمستوي مرتفع من التعليم والوظائف المرموقة, جلبت معها أيضا العديد من جوانب عدم المساواة في الفرص, كما جلبت أخطارا جديدة.
لم يعد في مقدورنا إضاعة فرصة أخري لإجراء تعديلات جوهرية يتطلبها واقعنا الحالي. وهناك حاجة ماسة لعمل حاسم وجماعي, وهناك أيضا حاجة عاجلة للتنظيم, إذا أردنا استمرار النمو العالمي, وحاجة لتنسيق عالمي للسياسات المالية. أما إذا تركنا قوي السوق كي تملي شروطها علينا, فإن تعافينا الاقتصادي سيتأخر, بل وقد نتعرض لمزيد من التوعك الاقتصادي.
لقد قمنا بالتعاون مع شركائنا الأوربيين بتقديم مبادرة مشتركة لتعزيز القواعد المالية, وخصوصا تلك الرامية لمحاربة المضاربة. إننا بحاجة إلي قواعد واضحة لمواجهة ممارسات مثل اقتراض الأوراق المالية بقصد بيعها وبيع الأوراق المالية حتي قبل اقتراضها علي أن يتم تسوية الوضع بالشراء عند انتهاء جلسات التداول, ومقايضة العجز عن سداد الديون, وغير ذلك من ممارسات.
وآمل أن يكون هناك رد فعل إيجابي من الجانب الآخر من الأطلسي من أجل طرح هذه المبادرة أمام مجموعة العشرين. هذه الأزمة توفر لنا فرصة فريدة من أجل تصحيح العديد من تجاوزات العولمة, وهو ما يتطلب منا إجراء تعديلات هيكلية عميقة علي مؤسساتنا العالمية, وعلي أنظمتنا الحكومية في العالم كله. لقد حان الوقت كي نجعل الأسواق تعمل من أجلنا وليس ضدنا.
جورج باباندريو
رئيس وزراء اليونان
كريستيان ساينس مونيتور