المجلس القومي للطفولة والأمومة ينجح في منع زواج طفل وطفلة يبلغان من العمر 17 عاما.. خط نجدة الطفل 16000 يمنع زواج طفلة.. حملة مجتمعية للقضاء علي ظاهرة زواج القاصرات.. هذه الأخبار وغيرها تتكرر بين الحين والآخر علي صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الصحفية الإلكترونية, وفي غيرها من وسائل الإعلام, التي تبرز تدخل الجهات المعنية لمنع وقوع جريمة الزواج المبكر, وهو أمر يتكرر هنا أو هناك, من حيث إحباط محاولة زواج طفلة, أو منع زواج طفل وطفلة, وإن كانت هناك حالات تفلت من الرقابة وتنجح في تنفيذ جريمتها وإتمام الزواج بمباركة الأسرتين بعيدا عن أعين السلطات والجهات المختصة.
واقع الأمر أن الزواج المبكر ظاهرة قديمة في المجتمع المصري, تكثر في المناطق الريفية والعشوائية, فضلا عن بعض الأوساط الشعبية, حيث تميل بعض الأسر إلي زواج الفتاة, أو بالأحري تزويجها, في سن مبكر, دون أن تبلغ السن القانونية, فيما يعرف بزواج القاصرات, وإن كان في بعض الأحيان يكون الزوج أيضا طفلا صغيرا, فالذكر طفل والأنثي طفلة طالما لم يبلغا 18 سنة.
للظاهرة أسباب كثيرة ومتنوعة, منها ما هو اجتماعي وثقافي, ومنها ما هو مادي واقتصادي, فمن بين الأسباب الاجتماعية والثقافية الاعتقاد بأن تزويج الفتاة في سن مبكر أمر ضروري ومهم لها, حيث يحميها من الانحراف والمشي البطال!! يوازيه الاعتقاد بأن البنت طالما اشتد عودها واستوت قد أصبحت صالحة للارتباط والزواج, في تجاهل تام لمستوي النضج النفسي والعقلي والفكري, والقدرة علي تحمل مسئولية البيت والزوج والأطفال, فضلا عن اتجاه بعض الأسر نحو تقليد الآخرين ممن زوجوا بناتهم وأولادهم في مرحلة مبكرة من حياتهم, باعتبار الزواج سترا للبنت وصونا للعرض!!
وهناك أسباب مادية- اقتصادية, منها معاناة الأسرة من الفقر وتردي الأحوال المعيشية, وهنا تتولد الرغبة في التخلص من عبء الفتاة ومتطلباتها المادية, وقد يكون في تزويج الفتاة مبكرا صفقة اقتصادية رابحة, يربح من ورائها أهل الفتاة مبلغا ماليا يعينها علي سد احتياجات الحياة وتحقيق نقلة نوعية, اقتصادية واجتماعية, وبالإضافة إلي حاجة بعض الأسر إلي المال فإنه تبرز رغبة البعض في تحقيق الغني والثراء من وراء زواج الفتيات, حتي أنه ظهر بيننا بمن يسمون سماسرة الزواج الذين يبحثون عن العرسان, ويعملون علي ترشيح الفتيات/ العرائس وتوفيرهن لهم, مقابل مبالغ مالية.
ولظاهرة الزواج المبكر أضرار نفسية واجتماعية وصحية واقتصادية وقانونية, وهي في حقيقتها أضرار كثيرة, متنوعة ومعقدة, تتشابك وترتبط بعضها بعضا..
فهناك أضرار نفسية تقع علي كل أفراد الأسرة, حيث الزوج والزوجة والأطفال, وقد يمتد الأثر النفسي ليشمل أهل الزوج وأهل الزوجة أيضا, مع كل خلاف أو مشكلة تنشأ بين الزوجين.
وهناك أضرار اجتماعية منها عدم رعاية الزوج لزوجته, ورعاية الزوجة لزوجها, وضعف القدرة علي تربية الأطفال, أو بعبارة أخري عدم حصول كل طفل أو طفلة علي القسط المناسب من التربية والرعاية والاهتمام, وبسبب فرق السن في أغلب الأحيان بين الزوجة/ الطفلة والزوج/ الكهل فقد تترمل الزوجة, وقد يحدث انفصال الزوجين ووقوع الطلاق وانهيار الأسرة, ومن ثم تشرد الأطفال وانحرافهم, فضلا عن التقليل من قيمة المرأة ومكانتها, والتعامل معها وكأنها سلعة تباع وتشتري.
وهناك أضرار صحية بسبب الحمل والولادة في سن مبكر, والأعباء الخاصة بتربية الأطفال وتنشئتهم, حيث تتطلب التربية جهدا كبيرا قد لا تتحمله الزوجة, وهي صغيرة السن وقليلة الخبرة.
ومن الأضرار الاقتصادية زيادة العبء الاقتصادي علي أهل الفتاة/ الزوجة, التي تعود إليهم وقد يكون معها طفل واثنان وربما أكثر, لهم متطلبات خاصة واحتياجات اجتماعية ونفسية ومادية.
وهناك أضرار قانونية تتعلق بعدم توثيق الزواج قبل بلوغ سن 18 سنة, وقد يحدث وفاة الزوج أو وقوع الطلاق قبل بلوغ هذا السن, الأمر الذي تغيب معه حقوق الزوجة, فضلا عن مشكلة اختلاط الأنساب, حين يضطر الزوجان لتسجيل المولود باسم والد الزوجة ووالدتها, نظرا لعدم إمكانية تسجيل المواليد من زوجة طفلة.
والسؤال الآن هو كيف يمكننا حل تلك الظاهرة؟
أولا: التوعية بخطورة الظاهرة/ المشكلة عبر حوار مجتمعي جاد, والتوعية بأن الزواج الناجح يرتبط بالسن المناسب, والاتفاق والتراضي بين الطرفين, وموافقة الفتاة علي الخطوبة ثم موافقتها علي الزواج, إضافة إلي النضج النفسي والعاطفي والاجتماعي, والاستقرار الاقتصادي, والقدرة علي تحمل الأعباء الخاصة بتكوين أسرة ورعاية أطفال, ويكون ذلك من خلال تنظيم الندوات وورش العمل والمؤتمرات, بالشراكة والتنسيق بين المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني.
ثانيا: الاستفادة من خطاب رجال الدين المتعلق بهذه القضية, خاصة وأن مؤسسات الأزهر ودار الإفتاء والكنائس المصرية قد أكدت رفضها لتلك الظاهرة.
ثالثا: الاستفادة من الإعلاميين والفنانين والرياضيين المحبوبين لدي الجمهور, حتي تكون الرسالة أكثر تأثيرا, وهنا يمكن توظيف الأعمال الفنية, مثل الدراما الإذاعية والتليفزيونية والسينمائية.
رابعا: إعمال وتنفيذ القانون وتغليظ العقوبات علي كل من يشارك في جريمة الزواج المبكر.