يكتشف كل من يقرأ تاريخ العمل الأهلي في مصر, وكل من يبحث عن دور المجتمع المدني في الارتقاء بالمجتمع ونهضة مواطنيه, كيف اهتمت الصحف علي مختلف توجهاتها وتنوع انتماءاتها, وعبر سنوات طويلة مضت, بدعوة القراء إلي الإحسان وعمل الخير, وحثهم علي التعاون والعمل المشترك, والتأكيد علي أهمية التضامن الإنساني, من زاوية أن هناك نصيبا في المسئولية العامة يقع علي عاتق كل إنسان/ مواطنة, ما يمكن التعبير عنه بالمسئولية الاجتماعية للمواطنين, أضف إلي ذلك احتفاء الصحف وصحفييها بالنماذج الرائدة والشخصيات الناجحة في مجال العمل الخيري والتطوعي.
أذكر هنا علي سبيل المثال لا الحصر مجلة (المحيط), وهي مجلة علمية تاريخية صحية أدبية فكاهية, وكانت مجلة شهرية وسنتها عشرة أشهر, صدرت بمدينة القاهرة خلال الفترة من 1902م إلي 1914م, وقد أصدرها عوض واصف رئيس تحرير جريدة (مصر) آنذاك.
في عددها الصادر بتاريخ يناير 1911م نشرت مجلة (المحيط) خطاب حضرة الفاضل فريد أفندي كامل المحرر بجريدة (الوطن), كان قد ألقاه في نادي اتحاد الشبان المسيحيين.
قال المحرر/ الخطيب: إن التضامن في اصطلاح الحقوقيين ورجال القضاء المدني عقد يربط عدة مدنيين إلي سلسلة واحدة من المسئولية, بحيث أن ما يعجز أحدهم عن الوفاء به ينهض به الآخرون كأنه دين عليهم, والقصد من ضمانه وصول الحق إلي صاحبه من القادر أو من القادرين علي أدائه, كل بقدر ما لزمه بدون إطالة من الواحد علي الآخر, وهو يري أن (التضامن) و(التضامم) و(التضام) هي كلمات لمعني واحد, وأن التفكك أو أحد مترادفاتها هي عكس التضامن.
وأشار الخطيب كذلك إلي أن للحياة مظهرين.. مظهر خاص ومظهر عام, موضحا أن كلاهما لازم لزوما طبيعيا لقوام الحياة, ففي الأول يعيش الإنسان لنفسه أو له ولعائلته وهو في ذلك يعمل للمجموع أيضا.. أما في المظهر العام -وهو أسمي من المظهر الخاص- فيحيا الإنسان للمجموع مباشرة وهو في ذلك يشتغل لنفسه ولعائلته أيضا, وعنده أنه لا يوجد فرق كبير بين الأفراد الذين يعيشون لأنفسهم فقط وبين ذوات الأربع!!
وهو يري كذلك أن هذا العالم يقوم علي قاعدة (المصلحة) وعنده أن المصلحة هنا هي الطرف المجهول ويعبر عنه بحرف س, أما الطرف المعلوم فهو بضعة القروش أو الدقائق القليلة والأفكار البسيطة التي أنفقها في خدمة عمومية, فخذ القروش واجمعها ثم أضربها في الدقائق, تجد الحاصل أموالا مقنطرة وعقولا مفكرة ومشروعات هائلة, فمن مدارس إلي كنائس إلي مستشفيات إلي ملاجيء إلي نواد إلي مسارح, فولدي يتعلم وأنا أعبد وأخي المريض يعالج وقريبي الفقير يطعم ويكتسي وهكذا, وكل هذه تساوي المصلحة.
ويرجع الخطيب أسباب التفكك إلي التفريط في المصلحة والمفرطون كالمبذرين سواء بسواء والمبذرون علي ما يقال إخوان الشياطين. ومن ثم فطالما أن الإنسان يعيش في وسط مجموع وطالما عد نفسه فردا في أمة يأخذ نصيبه منها في الفخر والماضي المجيد وينتفع بثمرات حاضرها- مرها وحلوها, فهو بذلك متعاقد معها رغم أنفه تعاقدا لا ينحل إلا بالانتقال من هذا العالم, ومن ثم فعلي كل إنسان نصيب في المسئولية العامة, وإذا لم يقم بواجبه عد عضوا مشلولا, بتره خير من بقائه.
وعند الكاتب الصحفي فريد كامل أنه إذا وجد التضامن وأصبح بضعة من نفوسنا لم نعد نري فقيرا يئن تحت نير مرتبته ولا معدما يشكو جهله وجهل بنيه بسبب ضيق ذات يده, ولا فتاة يلجئها العوز فترمي بنفسها في حضن الفساد وتبيع عفتها بيع الكساد, ولا عائلة يسود في وسطها سلطان النفرة والخصام اللدود, ولا مفتونا مغرورا يخدع في دينه ويساوم علي يقينه كأنه سلعة.
فيها حاجة حلوة
حسنا فعلت مؤسسة صناع الخير التي أعلنت, وعبر تصريح لرئيس مجلس أمنائها مصطفي زمزم, رئيس مجلس الأمناء بالمؤسسة, تكفلها بكامل مصاريف تعليم الطالبة علا رفعت, الأولي علي الشهادة الإعدادية بمحافظة البحيرة, خلال سنوات تعليمها بالشهادة الثانوية والدراسة الجامعية أيضا. كانت الطالبة علا رفعت قد أكدت في لقاء صحفي معها التخلي عن حلم الالتحاق بالثانوية العامة, حيث فضلت الالتحاق بمدرسة التمريض بسبب ظروف أسرتها المادية, وحتي لا تصبح عبئا كبيرا عليهم, لكن الصحف كتبت عنها, ومنها جريدة (الوطن), وغيرها من وسائل الإعلام, لتنتشر قصتها علي مواقع التواصل الاجتماعي, الأمر الذي أثار موجة دعم واسعة, حيث أبدي الآلاف مساندتهم لها, ورغبتهم في تبنيها من أجل استكمال مسيرتها التعليمية, والالتحاق بالثانوية العامة حسب رغبتها, لكن علا رفضت مساعدة الأفراد وفضلت دعم المؤسسات.
إنني أتمني أن تبدي منظمات المجتمع المدني, من الجمعيات والمؤسسات الأهلية, اهتماما أكبر بعملية المساهمة في تبني النابغين والمتفوقين دراسيا من الطلاب في مختلف المراحل الدراسية داخل مصر, مع الاهتمام بإرسال البعثات العلمية إلي الخارج, ما يعود بالنفع علي الوطن ويحقق رفعته ونهضته, لأن التعليم أساس البناء.