مازالت القراءة ـ دون شك ـ أنفع هواية للإنسان في كل زمان ومكان, هي التي تجعل الإنسان إنسانا, وتثري أهم عضو في جسده وهو المخ وهي تغذي العقل, فكما يحتاج الجسد إلي غذاء يومي يحتاج العقل أيضا.
والفرق بين الإنسان المتحضر المثقف والإنسان المتخلف الجاهل هو في درجة حبه وإيمانه بالقراءة.
لي تجربة خاصة مع القراءة منذ طفولتي, فقد كان والدي, إسكندر فرح, رحمه الله, يجلس معي كل صباح ويطلب مني قراءة الجريدة, وكان هذا طلبا صعبا قبل أن أتعلم القراءة للوقوع في أخطاء بالطبع, ومع الوقت أحببت القراءة بل وأصبحت أخطف الجريدة لأقرأها حتي أصبحت القراءة هوايتي فعلا, وأنا أدين لوالدي بهذه الهواية الجميلة المفيدة التي أغنتني عن هوايات كثيرة ضارة أو علي الأقل غير مفيدة. وأخذت أقرأ أكثر من صحيفة ثم اتجهت إلي قراءة الكتب, وكلما قرأت كلما تفتحت شهيتي علي مزيد من القراءة ومزيد من الكتب.
قرأت لطه حسين, والعقاد, وأحمد لطفي السيد, والمازني وسلامة موسي ولويس عوض, محمد زكي عبدالقادر, والدكتور زكريا إبراهيم, والدكتور مراد وهبة فيلسوف مصر ونزار قباني وأبوالقاسم الشابي وجان بول سارتر, وجان جاك روسو, وفولتير, وعبدالرحمن بدوي, وغيرهم كثير. عشقت الفلسفة والأدب والفكر والعلم, وأخذت أقرأ في كل شيء, عندما كنت طالبا في كلية الآداب جامعة القاهرة التحقت بقسم التاريخ رغما عني, وفي السنة الثالثة 1964 لم أدخل الامتحان السنوي للكلية بسبب انتشار صيحة الفلسفة الوجودية ذلك الوقت, فقد ترت دراسة التاريخ وقرأت كتب الفلسفة: دراسات في الفلسفة الوجودية للدكتور عبدالرحمن بدوي أسطورة سيزيف لألبير كامي. الموت والعبقرية, كتب سارتر: ما الأدب؟ الغثيان, المومس الفاضلة, ملخص للكتاب الضخم: الوجود والعدم الوجودية مذهب إنساني وكتاب جان بول سارتر تأليف عبدالمنعم الحفني. وغير ذلك كثير جدا. الطريف أن الفلسفة الوجودية أخذتني وأبهرتني بمبادئها في الحرية والاختيار والمسئولية وبالطبع لم أدخل امتحان آخر العام في السنة الثالثة بكلية الآداب وأعدت السنة, ومع ضياع سنة من عمري التعليمي إلا أنني فعلا استفدت كثيرا من قراءاتي في هذه السنة, فهي التي ثقفتني وجعلتني كاتبا بعد ذلك تخرجت في كلية الآداب قسم التاريخ وبدأت أبحث عن عمل.
وكان نظام الرئيس جمال عبدالناصر يعد لكل جريح عملا خلال سنة من تخرجه. كنت أرغب العمل في الصحافة فهي المهنة التي كانت تتفق مع استعدادي, وجتي أستطيع ذلك كنت أمارس هوايتي الجميلة في القراءة عدة ساعات في اليوم, بجانب شراء الكتب كان أصدقائي يهدونني كتبا كثيرة, كذلك كان يفعل والدي, لم أطلب منه كتابا إلا أحضره في الحال أو أعطاني ثمنه لأشتريه.
أذكر أن من هذه الكتب التي طلبتها من والدي واشتراها لي في الحال, الموسوعة الفلسفية المختصرة, 485 صفخة وكان ثمنها عام 1964 مائة وستة قروش ـ أرجو ألا تتعجب فهذا هو الزمن الجميل ـ من الذين شجعوني كثيرا علي القراءة وأهداني مؤلفاته وكتبا أخري حتي أن مكتبتي الآن نصفها من هداياه, عالم الآثار الكاتب الصحفي الفنان كمال الملاخ, كما كانت زميلتي مني الملاخ, زوجتي الآن, تهتم بإهداء الكتب إلي, بعد أن عملت بالإذاعة كان اهتمامي الثقافي علي رأس كل الاهتمامات, وبدأت أتطلع إلي التأليف بجانب عملي مذيعا ومقدما للبرامج, وصحفيا أيضا في جريدة وطني, فقد فتح الأستاذ الرائد أنطون سيدهم أبواب الجريدة لنا وكنا مجموعة من الشباب الواعد, وليم ويصا, أحمد حياتي, عادل كامل, فايز فرح, وكان معنا الأستاذ مسعد صادق والأستاذة ليلي الحناوي. من الكتب التي ألفتها في بداية حياتي الأدبية كتاب يحمل عنوان هذا المقال: القراءة أنفع هواية وقد صدر عام 1989 أي قبل مهرجان القراءة للجميع بعام.
ظلت القراءة أنفع هواية بالنسبة لي طوال الحياة وحتي الآن.
وأظن أنها كذلك بالنسبة لكل إنسان في كل مكان وزمان.
يقولون إن الشباب والبعض بدأ يترك القراءة ويتجه إلي الوسائل الأخري وهذا صحيح فإن الإحصائيات تدل علي ذلك, لكن يحدث في مصر والشرق أكثر من الغرب والعالم المتحضر, بل أنني شاهدت في المواصلات العامة في الصين الشباب يمسك بكتب يقرؤها, ولم تكن هذه الظاهرة موجودة من قبل. الذي أريد أن أؤكده أن القراءة ستظل أنفع هواية إلي الأبد وأن الكتاب سيظل المصدر الرئيسي للمعرفة والثقافة مهما ارتفعت أسعار الكتب والورق, واختفي الكتاب من المكتبات بل واختفت دور بيع الكتب والمكتبات. لابد أن تجد حكومات العالم حلا لهذه المشكلة, مشكلة غذاء العقل الإنساني.
ومع ذلك فالقراءة بخير والكتاب أيضا وعندي شواهد كثيرة علي ذلك أذكرها لكم علي عجالة وباختصار.
* تليفون من الصديق المستشار الأستاذ منصف نجيب سليمان.. كنت في الإسكندرية وتحدث إلي سيادة المستشار.
فايز إزيك.. أهلا منصف بك
عايز أقول لك أنا كل يومين ثلاثة أقرأ في كتابك الأخير, الإنسان هو الحب.. الحقيقة أنا معجب به أوي.. وأنقل بعض فقراته في الفيسبوك الخاص بي باسمك, وهناك متابعين كثيرين, وتقدر تدخل لتعرف بنفسك.. شكرا سيادة المستشار منصف بك فنحن أيضا نتعلم من علمك الغزير. أرجو أن نتقابل قريبا.
** الدكتور وسيم رشدي السيسي صديق العائلة, وهو مثقف رفيع المستوي, كانت زوجتي مني الملاخ تتحدث إلي زوجته الدكتورة سوزي راغب, فهما صديقتان, ثم وجدت مني السماعة مع الدكتور وسيم وقال لها.. أزيك يا مني.. علي فكرة تصوري أنت بتكلمي في التليفون وأنا أقرأ في كتاب فايز.. يا عزيزي كلنا فلاسفة.. وبخاصة موضوع.. الملظلظون والملظلظات.. موضوع خفيف فكه.. الواقع أن هذه ليست أول مرة. ففي مكالمة سابقة بيني بين الدكتور وسيم قال لي أنا أقرأ الآن في كتابك: عباقرة هزموا اليأس, وأعجبتني العبارات التي تقول فيها.. كذا.. كذا.
قلت أنا لا أحفظ كتبي فكيف تحفظها؟ الحقيقة أن الدكتور وسيم لديه موهبة هي أنه مجرد أن يقرأ أي نص أدبي يستطيع حفظ حوالي 80% منه بعكس الإنسان العادي الذي لا يستطيع أن يحفظ من النص بعد أول قراءة إلا 20% منه فقط.
ربما هذا هو السبب الرئيسي للثقافة الموسوعية الضخمة التي يتمتع بها في شتي مجالات المعرفة, وبخاصة في الطب والمصريات.
** الدكتور رامي عطا صديق أستاذ الإعلام بجامعة الشروق, أعرفه منذ سنوات كثيرة, عندما كان طالبا, كان شابا واعدا فعلا فكان يقرأ بحب للثقافة ورغبة في تحصيل العلم, تعود أن يزورني ويسألني في كل ما يريد, وكنت أعتز بأن أهديه مؤلفاتي وكتب أخري لزيادة ثقافته.
وكان الدكتور رامي فعلا كما توقعت له, نجح وحصل علي بكالوريوس الإعلام بتفوق, ثم حصل علي الماجستير, ثم درجة الدكتوراه بتفوق أيضا, وأصدر عدة كتب, قبل أن يحصل علي الدكتوراه, وقد شرفني أن أقدم له كتابين, الأول عن سلامة موسي والثاني عن قاسم أمين.. الحقيقة أن الدكتور رامي شعلة نشاط. هو يكتب في جريدتي وطني والأهرام, ورئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بجامعة الشروق, وحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في قبول الآخر. أما أحدث كتبه فهو كتاب: العبور إلي الآخر, سلسلة كتاب اقرأ بدار المعارف.
هكذا كانت هواية القراءة منذ الطفولة سببا في نجاح الدكتور رامي عطا صديق وتفوقه, وهو مازال في شرخ الشباب وينتظره مستقبل رائع ومناصب عديدة.
* الإذاعي مصطفي الحسيني مدير عام إذاعة فلسطين الأسبق حضر صالون فايز فرح الثقافي في جمعية الشبان المسيحية وكان عن سلامة موسي, وقال بعد انتهاء الصالون: لم أكن أعرف عن سلامة الدور الكبير الثقافي الذي قام به, وقد عرفت من الصالون ومن كتاب فايز: فكر سلامة موسي وكفاحه, رسالة سلامة موسي الحقيقية التنويرية في مصر ومناداته بالاستقلال وتحرير المرأة وإقامة الصناعة وإقامة الجمهورية.
فعلا مازالت القرأة أنفع وأفيد وأرقي هواية للإنسان في كل زمان ومكان.