أشهر ساعاتي في بلدنا أيام الثمانينيات من القرن الماضي كان أبو محب وقت ما كانت الساعات بالزمبلك وفيها تروس تسد عين الشمس من كثرتها. في محله المتر ونصف في متر, يضع العدسة فوق النظارة ويمسك الساعة من دول فشر دكتور الجراحة العامة وفي ثوان يكون قلب الساعة كله علي الترابيزة قدامه.. بتروسها بعقاربها والزمبلك التالف.. وقبل ما تخلص كوباية الشاي تكون مستلم الساعة بعد ما حفر توقيعه وتاريخ اليوم علي غطاء الساعة من الداخل كتقليد متعارف عليه بين الساعاتية. أواخر أيامه تعب شوية ومسك المحل مكانه ابنه محب. بنفس شطارة أبوه وسمعته المنتشرة في المراكز إللي حوالينا..
في يوم دخل عمدة قرية مجاورة لينا علي محب بساعة ماركة أوريانت واقفة بعدما وقعت من إيده.. محب فتح الساعة, التروس سليمة والساعة سليمة, فك كل التروس وغسلها في التنر من التراب, وسلمها للعمدة شغالة.. تاني يوم العمدة جه.. الساعة وقفت تاني.. الساعة من الداخل لا يوجد بها أي عيب, حتي الترس أبوسنة مكسورة المفترض أنه لا يتسبب في أي عطل.
طيب نغير الترس يمكن يكون السبب؟.. ولكن بعد 24 ساعة العمدة رجع بالساعة واقفة.. بعد ما كان راح لـساعاتية غير محب وأيضا لم يعرفوا العيب فين..
ضاحكا ومستغربا.. أخذ محب الساعة لأبوه.. الساعة عليها عفريت.. وقعت من العمدة ومن وقتها بتقف.. أنا غسلت التروس.. والزمبلك تمام..
أمسك أبومحب الساعة وظل ينظر علي الجسم من الخارج لفترة طويلة.. ثم فتح الساعة وأمسك عقرب الساعات تحديدا..
وكانت المفاجأة.. الساعة لما وقعت اتحرك رقم 7 البارز عن المينا اثنين مللي لفوق وعقرب الساعات انثني قليلا لتحت.. فلما ييجي عقرب الساعات علي الساعة 7 بيقف لأن الرقب بيشبك فيه والساعة كلها بتقف لأن التروس بتعلق..!!..
ظل أبومحب يذكر هذه القصة لكل ساعاتي أو زبون لكي يهتموا بمراجعة هذه النقطة قبل البدء في تصليح الساعة..
تذكرت هذا الموقف وأنا أستمع إلي جراح القلب العالمي السير مجدي يعقوب وهو يقول: أنا عايز أدي كل المعلومات التي لدي للشباب.. مش عايز أي حاجة أعرفها تضيح لما أروح بيها وأموت.
في كل لحظة يحمل قلبي أكبر كلمات الشكر والتقدير لكل شخص قاوم أنانية النفس البشرية.. وأعطي الآخرين خلاصة علمه وخبرته وتجاربه في الحياة..
أنا وأنت مدينون بالفضل لكل هؤلاء العلماء والأدباء والمدرسين والصنايعية.. الذين سقونا من علمهم ولم يتركونا تائهين في جهلنا بل أصروا أن يكونوا بعلمهم مرساة لنا وميناء عندما نتوه في بحر الحياة..
شكرا لكم..
صموئيل نبيل أديب
عضو هيئة المكتب السياسي لحزب مصر القومي
الإيميل:[email protected]