ليس لأحد حب أعظم من أن يبذل نفسه في سبيل أحبائه نحتفل هذا العام بعيد الأم والأسرة في أجواء ملبدة بمرض أرعب العالم أجمع,فكيف نستطيع أن نحتفل به؟مما لا شك فيه أن الأم والأب هما أكبر مثال للتضحية,وهما المدرسة التي تربي وتعلم وتهذب أطفال اليوم الذين سيصيرون رجال الغد,والمدرسة التي تقوم بتعاليم البطولة والشرف والإنسانية والرقي,وزمام المستقبل بيدهما,يصلحانه إن قاما بواجبهما الحقيقي تجاه أبنائهما,لأن تأثيرهما علي مستقبل هؤلاء له بالغ الأثر,فعلي عاتقهما تقوم الأوطان وتزدهر الحضارات وتعتز الشعوب,فهما رمز التضحية وبذل الذات وعنوان البطولة الحقيقية والوفاء,كما أنهما أمل الأوطان الساعية للعزة والرقي…يحكي أن ملاكا أتي من السماء لزيارة كوكب الأرض في يوم مشمس من شهر الربيع,وكان يجول في الحقول والمدن والقري,وعند غروب الشمس وقبل عودته إلي بيته,أراد أن يأخذ معه تذكارا جميلا لهذه الرحلة الممتعة.فنظر إلي الزهور الموجودة بالحدائق,فأعجب بمنظرها ورائحتها فقطف أجملها, وردد في نفسه:هل يوجد أفضل من هذا المنظر المبدع؟! وبينما كان يسير رأي طفلا ووجهه أحمر كالورد وعلي شفتيه ابتسامة بريئة فأعجب به وقال:إنه أفضل من هذه الزهور,لذا يجب أن آخذه معي فالتفت مرة أخري وإذ وراء مهد هذا الطفل أمه التي تحنو عليه بحب صادق يفيض من قلبها فقال:إن محبة الأم هي أفضل ما رأيت,لذلك يجب أن آخذها معي.وطار بهؤلاء الثلاثة, وقبيل اقترابه من موطنه قال:يجب علي اختبار هذه التذكارات التي جلبتها معي من الأرض,فنظر إلي الزهور وإذ بها قد ذبلت فتركها بعيدا! ونظر إلي ابتسامة الطفل,وإذ بها قد غابت! ولكنه نظر إلي محبة الأم, فكانت تضيء في بهاء مجدها الكامل فضم هذه المحبة الثمينة إلي قلبه ودخل بها عالم المجد قائلا:لن يبقي معك شيء تحتفظ بزهوه مما تأخذ من الأرض سوي محبة الأم يا لروعة ما توحي به الأمومة الصادقة من حنان وحب وعطاء يسمو بالمرأة فوق مستوي البشر! وكما يقول الشاعر العربي:
الأم مدرسة إذا أعددتها…أعددت شعبا طيب الأعراق.
إذا لا توجد مدرسة كحضن الأم لتربية أبناء المستقبل ورجال الغد ولرفعة الأوطان.فالأم هي إشراقة وسعادة علي وجه أبنائها وهي ملاك أقامه الله إلي جانب كل إنسان,رضاها هو رضي الله,وبركتها بركته,وما الأم إلا رحمة وصفح وحنان. هل في الكون من إنسان يحبنا محبتها؟ هل في العالم من شخص يضحي تضحيتها؟ هل علي هذه الأرض من كائن يحنو علينا مثلها؟ وما حياة الأم إلا سلسلة متصلة ومتواصلة من تضحيات وبطولات فلا النهار نهار ولا الليل ليل في حسابها,لا تتبع التقويم اليومي أو أجندة المواعيد كل همها وشاغلها الأول والأخير هو سعادة وفرحة عائلتها فالأم هي المخلوقة التي لا تعيش لذاتها بل لأبنائها ثمرة أحشائها ولزوجها الذي ارتبطت به عن حب وإخلاص,الأم هي ذلك القلب الطيب المحب,فإذا كانالله محبة كما نعلم جميعا فالأم هي صورة الله في عيني أبنائها,إذا الأم هي دنيا الله الواسعة,هي الملكوت علي الأرض فالأمومة هي قبل كل شيء الاهتمام بنفوس الأبناء ورعايتهم والسهر علي تربيتهم وراحتهم تعلمهم مخافة الله والحياة حسب إرادته إذا كل امرأة مخلصة ومضحية هي بمثابة أم لكل من تتعامل معه في المجتمع أو تتقابل معه.ويقول بوذا في المرأة:إذا كانت المرأة كبيرة فانظروا إليها نظرتكم إلي أمهاتكم,أو كانت صبية فنظرتكم إلي أختكم,أو صغيرة فبمثابة ابنة لكملذلك نطلب من الله أن يمنحنا البصيرة لنشاهد في كل امرأة أبعد من الجمال الخارجي وأن نكتشف دنيا الجمال في عيني كل أم وهي تحنو علي طفل صغير وتتضرع إلي الله.إذا نطلب من الله أن يمنحنان العطاء والتضحية في حياتنا كما تعيشها الأم, لأن العطاء نعمة,وأن يكون كل فرد منا أداة عطاء إنما هو فضل كبير تهبه السماء له,ومن يعطي فهو دليل علي محبته وعطاء المحبة يتميز بالسخاء والبذل حتي الفداء فالعطاء والفضيلة يمنحا الشخص جمالا ونختم بكلمات فولتير:لا تسألوني عن رأيي في المرأة أنها أمي وأختي وزوجتي وابنتي قرة عيني! وكلمات الكتاب المقدس الرائعة:أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك علي الأرض.