تحجيم الصعاب وتعظيم النجاح
* رحلة في حياة إنسان عرف كيف يعيش ويعمل ويجتهد ويتفوق
* له هدف ورؤية نقدمها للشباب مثالا للنجاح
إنه رجل الصناعة, الذي يؤمن بأنه إذا كان الله قد أهداه عطية فقد خصه بحرية الاختيار, وقد اعتبر أن حرية الاختيار يكملها حسن الاختيار. ويعتبر أن الحياة معادلة تقول: زيادة الحرية تساوي زيادة في المسئولية أمام المعطي كما أن إساءة الاختيار تؤدي إلي إحجام المعطي عن العطاء, لذا فإننا دائما أمام معادلة قوامها أن العطاء يجيء أولا وليأت العائد متمهلا.
إنه الدكتور مهندس نادر رياض, الحاصل علي بكالوريوس الهندسة قسم هندسة الطيران من جامعة القاهرة, والمتخصص في مجال الهندسة الصناعية من جامعة Aachen, والدراسات العليا في تخطيط وتشغيل خطوط الإنتاج والحاصل علي الدكتوراه في الهندسة الصناعية من الولايات المتحدة الأمريكية, هو رئيس مجلس إدارة شركة بافاريا- مصر ورئيس شركة Bavaria International GMBH- Fire Protection, الحاصل علي وسام الاستحقاق الألماني من الطبقة الأولي, يشغل العديد من المناصب في مجال الأنشطة التطوعية منها, رئيس مجلس الأعمال المصري الألماني وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية والاتحاد العام للغرف التجارية.
كان لنا معه هذا الحوار:
* تعتبر النشأة من أهم العوامل المؤثرة في حياة الإنسان فكيف كانت نشأة الدكتور نادر رياض؟
** أنا الابن الثالث لأسرة مكونة من أب من الصعيد درس في النمسا وتخصص في قطارات البخار بالسكك الحديدية. وكان والدي إنسانا حكيما يرجع إليه في فض النزاعات حتي إنه أطلق عليه إنه صانع سلام وتزوج من والدتي المتعلمة في مدارس الإرساليات الأمريكية وهي أساسا من قرية تتبع المنوفية حاليا هي كفر داود, وداود هذا هو جدها الأكبر, وكان مدرس اللغة الفرنسية للخديو إسماعيل.
ولدت في دمياط ولي أربعة أشقاء, كان والدي يعمل مهندس ميكانيكا وكهرباء في وزارة الأشغال العمومية آنذاك, ومن ضمن ما كان يفخر به أنه كان صاحب إشارة الإفطار في شهر رمضان في مدينة دمياط لحظة تشغيل الكهرباء للمدينة إيذانا بأن مدفع الإفطار قد انطلق, حيث كانت الكهرباء تعمل ليلا فقط, وكان هذا عام 1937م.
* أين أتممت دراستك؟ وكيف أثرت علي شخصيتك؟
** تعلمت في القاهرة في المرحلة الابتدائية والإعدادية وجزء من الثانوية, واجتهدت وتفوقت في الأخيرة, ولكن جاءني عارض المرض فاضطررت أن أقضي أكثر من 13 شهرا من العلاج في ألمانيا أنفق أبي علي وقتها ثمن عزبة, وهو دين حملته في عنقي وعشت مدينا به لأبي ولإخوتي من بعده.
درست الثانوية العامة وأنا علي سرير المرض, ولم تسمح لي السفارة المصرية في ألمانيا بالامتحان للثانوية العامة رغم الوعد بذلك فالتحقت بالدراسة بألمانيا واجتزت ما يعادل الدراسة الثانوية بسلاسة, والتحقت بكلية الهندسة هناك, ونجحت في الامتحان الرسمي الأول, وتخصصت في ميكانيكا الآلات وخلال هذه الفترة تدربت في شركة لوفتهانزا للطائرات, وأيضا شركة بافاريا, خلال تدربي أخذت الشركة أمر توريد كبير من الجيش الألماني بحوالي 158ألف قطعة إطفاء للجيش تعمل بالمياه, وواجهت الشركة مشكلة في الجهاز إذ كان يصنع بغطاء له سوستة قابلة للصدأ, ولو تم تغييرها بقطعة من الإستانلس استيل يكلف الشركة 128ألف مارك, وحضرت معهم اجتماع الشركة لمناقشة المشكلة فذهبت إلي الورشة وصنعت غطاء أسطوانيا بطريقة معينة يغلق بمفصلات ولا يحتاج لسوستة, ونجحت الفكرة ووفرت للشركة آنذاك ما يعادل 110آلاف مارك, وأصبحت بطل بافاريا ولم أتعد كوني متدربا من الطلبة.
* ألم تكن تشتاق للعودة لمصر خلال هذه الفترة؟
** كنت أشتاق جدا للعودة لمصر, وكل من كانوا حولي يحلمون بالزواج بألمانيات, أما أنا فكنت أحلم بالعودة لمصر حتي سمح الرئيس جمال عبدالناصر للطلبة بالعودة واستكمال الدراسة في مصر فعدت إلي مصر طائرا علي جناح الحنين للوطن تقريبا, ودخلت كلية الهندسة لاستكمال دراستي فيها وتخصصت في هندسة الطيران, وكان لدي ميل إلي أن أعمل في صناعة الطائرات والصواريخ, وبالفعل عينت في المصانع الحربية بعد تخرجي وإنما في قسم الثلاجات, ولم أكن راضيا عن مكاني لذا عملت يوما واحدا فقط إذ لم أكن أبحث عن وظيفة بقدر ما كنت أبحث عن طموح وشرف. وكان الرحيل بديلا عن التصادم مع الطموح حيث أشار علي والدي بأن أستكمل دراستي الألمانية فعدت إلي ألمانيا مرة أخري لاستكمال الدراسة وكنت من المميزين لدي الأساتذة لاهتمامي بالتطبيق العملي للدراسات النظرية, وأصبحت شخصية مرموقة في الكلية لقربي من الأساتذة والمعامل والتطبيقات العملية.
* كيف تقيم تجربتك في التعليم بالخارج؟
** الإنسان عندما يتكلم ثلاث لغات فكأنه يفكر بثلاثة أنواع من المنطق الفكري, وهذا يثري الفكر الاستدلالي ويعطي مساحات فكرية واسعة ومتعددة الأبعاد.
* كيف بدأت رحلتك مع بافاريا؟
** في عام 1971م أعلن الرئيس الراحل السادات قانون الاستثمار, وهنا تعاقدت مع بافاريا ألمانيا لإنشاء شراكة صناعية مع شخصي المتواضع في مصر, ووافقوا بلا تردد, علي أساس أن هذه الصناعة بمواصفاتها الدولية كانت تخلو منها الساحة المصرية حيث كانت الأصناف المتعامل بها من أجهزة الإطفاء حينذاك من المنتجات والأنشطة الحرفية تتولاها ورش السمكرة وأشغال الصاج بعيدا عن الالتزام بالمواصفات المحلية أو العالمية, وبالفعل تم تأسيس الشركة عام 1972 وهي تعد أول شركة استثمارية في ظل قانون الاستثمار حيث بدأنا بثلاثة عمال وعلي مدي 47 عاما أصبح لدينا أكثر من 900 فرد تضمهم الشركة وتقف خلفها 900 أسرة وأصبح عدد المنتجات والطرازات المتعامل بها يتعدي 40 منتجا حاصلة جميعها علي اعتمادات دولية ومحلية مما أهلها للدخول إلي عالم التصدير بكل ما في ذلك من تحديات وهو إذ أن المنافسة في هذه الحالة دولية بل وألمانية النزعة والتوجه, حيث كان علينا أن ندير منظومة التغيير في مجتمعنا الصناعي المحلي بغرس مفاهيم جديدة أهمها:
– الأيدي القذرة لا تأتي بمنتج نظيف.
- الانضباط أساس القبول في المجتمع الصناعي.
- تأهيل الفرد علي المهمة قبل أدائها.
- العامل هو الخط الأول في منظومة الجودة.
- الكبرياء المهني للعامل هو مرحلة النضوج المهني.
علي الجانب الآخر أولت الشركة اهتماما خاصا بعمالها حيث أنشأت لهم الملاعب الرياضية وأحضرت لهم مدربين رياضيين وأنشأت لهم نظام ادخار إجباريا لكل العمال لأن التنمية البشرية تبدأ بأن يكون لكل فرد كيان مالي وبأن يشعر بأنه مؤثر في أسرته, كما أصدرنا مجلة شهرية مجتمع بافاريا تضم كل الأحداث السعيدة والطموحات مما جمع الكل في ترابط فكري تحريرا وقراءة.. وهكذا أصبح العمال إيجابيين نحو عملهم وأصبحت الشركة في تقدم مستمر, ننتج حوالي مائة منتج, ونصدر لدول العالم واشترينا الشركة الأم في ألمانيا بعد أن تعثرت واضطر البنك لطرحها للبيع فتقدمنا ونافسنا واشتريناها, وهكذا آلت بالكامل الشركة الألمانية للشركة المصرية.
بافاريا ومشاركة فعالة فى المعرض الدولي انترشوتس الذي يعقد في ألمانيا دوريا كل 4 سنوات
* كم عدد براءات الاختراع التي أنجزتها؟
** لدي 128 براءة اختراع, ومنها مثلا اختراع لجهاز إطفاء يعمل علي تشغيله بخطوة واحدة (اسحب ثم استخدم) في حين أن كل الموجود في العالم يتم تشغيله بخطوتين أو أكثر. إنني أري مع كل فشل مفتاحا للنجاح ومع كل ظلمة فجرا متجددا.
* كرجل صناعة ناجح, ضع نجاح رجال الصناعة في خمسة مبادي؟
1- الكبرياء المهني.
2- الإخلاص للعميل باعتبار أنك الخبير الأول له.
3- أداء حق الدولة أولا إذ أن علي القطاع الخاص أن ينمو دون أن يتعارض بأي صورة مع مصلحة الدولة أو المجتمع.
4- الإجادة, فلا تقبل أية نقيصة علي المنتج لذا فإن ملف الشكاوي هو مسئوليتي الخاصة ومنها أقيم منظومة العمل وأتوجه للتطوير بدافع من نبض العميل والمجتمع.
5- احترام العامل والإخلاص له باعتباره رأس المال البشري الصانع للنجاح.
* وراء كل رجل عظيم أسرة عظيمة حدثنا عن أسرتك؟
** حباني الله بأسرة مفكرة ومثقفة أسعد بمداخلاتها سواء كانت بالاتفاق أو الاختلاف الذكي كما أنها تتمتع بالرؤية والحماس والقدرة علي العطاء وقد تتعجب من مصدر هذه الطاقة التي أعزوها إلي الحماس وهو وقود الحياة. زوجتي من عائلة جميلة وكريمة ودراستها الاقتصاد والعلوم السياسية حيث تنتمي لأسرة من أعيان الصعيد (ديروط). تزوجنا عام 1977م كانت تعمل في بنك أجنبي وتعرفنا مهنيا ثم تقدمت لخطبتها, وعارضت أسرتها معارضة شديدة لأنهم أرادوا لها مستقبلا أفضل بالارتباط بدبلوماسي أو ما شابه فما بالك برجل صناعة علي أول الطريق, هي شخصية منطقية تتسم بأنها صانعة سلام, مفكرة, ذات رأي في الأشياء والأحداث ويمكن اعتبارها من الأشخاص الذين يتسمون بالخاصية الطاردة للغضب وهي تجمع بين الحزم في موضعه واللين أيضا في موضع اللين, لدينا ثلاثة أبناء: الابن الأكبر عندما نظرت في عينيه شعرت به أميرا فأسميته أمير ودرس إدارة أعمال, وعمل في أكبر مكاتب الاستشارات الهندسية في ألمانيا, وقد بدأ عمله معي كمدير التطوير الاستراتيجي وأصبح بعد إحدي عشرة سنة نائبا لرئيس مجلس الإدارة. ثم ابنتي التي عندما جاءت إلي الدنيا نظرت في عينيها فشعرت أنها The Piece Of Magic فأسميتها ماجي وقد درست الاقتصاد وتعمل معي. ثم الصغيرة ساندرا وأسميتها تأثرا برواية روسية بطلتها اسمها ألكساندرا وقد درست الإعلام وهي تعمل معي أيضا كقوة دافعة لرؤية الغير وقراءة التوجهات العامة في الأنماط والأذواق.
د نادر رياض والأستاذ أمير رياض نائب رئيس مجلس الإدارة
* كيف ترون الوضع الاقتصادي حاليا؟
** لاشك أن ما ننشده من تقدم وتطور لأداء الاقتصاد المصري يمثل تحديا رئيسيا بالنسبة للحكومة والدولة, كما يتطلب تجنيد كافة الجهود الوطنية نحو أدوات التفعيل الاقتصادية وصولا إلي اقتصاد قوي قادر علي إرضاء طموح جموع الشعب.
وأهم ما يميز المرحلة منذ تولي الرئيس السيسي هو إعلاء شأن العمل كقيمة أساسية والطريق الوحيد لتحقيق الطموحات علي مستوي الفرد والمجتمع في ظل وجود قائمة من أولويات العمل الوطني يتم العمل عليها وفقا لبرامج زمنية محددة, فضلا عن سرعة الإنجاز والحرص علي عدم الحديث أو الإعلان عن أي مشروع إلا عند الانتهاء منه وافتتاحه.
والأمر ليس بخاف أن ما يجري علي أرض الواقع من مشروعات قومية ضخمة في البنية التحتية وشبكة الطرق وغيرها, يؤكد أننا نحيا عصر عودة الرشد للأمة التي أصبحت تري الأحداث بنظرة مستقبلية واعدة يحدوها التفاؤل في استكمال عناصر ومقومات الدولة الحديثة بالمقاييس العالمية, سيمتد تأثير هذا كله لأحقاب قادمة ويجني ثماره الشعب من ارتفاع مستوي المعيشة وقدرة علي مواجهة موجة الغلاء.
ولقد واصل الاقتصاد المصري أداءه بصورة مشجعة وبدأت الإصلاحات تؤتي ثمارها من حيث استقرار الاقتصاد الكلي وعودة الثقة, وهو ما أسهم في الوصول لمعدل نمو بلغ حوالي 5.4% خلال الربع الأخير من عام 2018, كما وصل معدل الاحتياطي النقدي إلي معدل جيد بلغ أكثر من 44 مليار دولار.
كان لهذا أثره بلا شك في الإشادة بالاقتصاد المصري من قبل المؤسسات الدولية كان آخرها رفع التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري من -B إلي B. كما أعلنت مجموعة البنك الدولي في تقريرها الصادر مؤخرا عن تقدم مصر 8 مراكز في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2019 Doing business, كما أكد التقرير أن مصر صاحبة أكبر عدد من الإصلاحات بالمقارنة ببلدان المنطقة.
وفيما يتعلق بمصر في هذه المرحلة فإن دورها المشرف والمتنامي إيجابيا من تثبيت لأركان الدولة والأخذ بسبل التطور الاقتصادي والشراكات مع الدول شرقا وغربا والانفتاح علي التكنولوجيات الراقية والإنفاق بسخاء علي البنية الأساسية استشرافا لدولة أراها ذات طموحات عظمي سواء علي المستوي المحلي أو الإقليمي أو الدولي, فها هي مصر ترحب بكل تكليف إقليمي يطلب منها فتؤديه كأفضل ما يكون ومثال ذلك مد خبراتها الرائعة جنوبا إلي دول أفريقيا للتصدي للالتهاب الكبدي الوبائي والقضاء عليه استشرافا من التجربة المصرية التي جذبت أنظار العالم من حيث كفاءة الأداء والنتائج المبهرة, ناهيك عن الكلفة الزهيدة التي لم يصل إليها الغرب في أي وقت من الأوقات رغم أنه المكتشف الرئيسي للعقاقير والأدوية.
فازت شركة بافاريا مصر بالمركز الأول علي مستوي المنشآت المتوسطة واستحقت الحصول علي الجائزة القومية للتميز في مجال الجودة عن عام 2005
* نفذت الدولة عددا كبيرا من المشروعات الكبري من أهمها افتتاح أكبر محطات توليد الطاقة, ولقد كنتم صاحب رؤية متفردة في هذا الموضوع إذ قلتم: إن مصر أعطت قبلة الحياة لمصنع التوربينات الألماني.. حدثنا عن ذلك؟
** قد لا يري البعض أن قصص النجاح يقسم الفضل فيها بين أطرافها, وأفضل الأمثلة علي ذلك قصة النجاح المصرية ـ الألمانية في إحداث انطلاقة كبري لتوليد الطاقة في مصر بهذا القدر والتي تزيد علي 40% من الطاقة الفعلية المتاحة من قبل والتي تغطي احتياجات أكثر من 40 مليون مصري بكامل أنشطتهم الصناعية بما يوفر مليار دولار سنويا كقيمة وقود في حالة توليد هذه الطاقة بالوسائل التقليدية القديمة وذلك لتواكب احتياجات المستقبل الطموحة.
وتتمثل قصة النجاح تلك في أن حجم المشروع المصري ـ الألماني هذا كان الأكبر في تاريخ شركة سيمنس علي الإطلاق وهو ما مكن الرئيس السيسي من التفاوض علي مزايا سعرية أشاد بها رئيس شركة سيمنس في كلمته أمام العالم في الافتتاح المتزامن لمحطات البرلس وبني سويف والعاصمة الإدارية الجديدة والذي لم ينس أن يقتسم نجاح شركة سيمنس الألمانية مع شركتي أوراسكوم للإنشاءات والسويدي للكابلات وهما شركتان مصريتان تقتسمان معه النجاح.
وباستعراض تاريخ مصنع سيمنس للتوربينات الغازية في برلين الذي نشأ عام 1892 حيث عمل كمورد رئيسي للترام الكهربائي الذي بدأ انتشاره في ألمانيا آنذاك, وفي عام 1904 انتقلت ملكيته إلي شركة AEG حيث بدأ عصر البخار فشارك في هذه النهضة الصناعية بالتحول في اتجاه صناعة التوربينات البخارية, كما أنشأ علي التوازي صناعة القطارات الكهربائية بجانب التوسع المطرد في صناعة التوربينات الغازية والتي حافظت لألمانيا علي تفوقها في هذه الصناعة حتي يومنا هذا, أعيد بناء المصنع علي أحدث ما يكون بعد تدميره خلال فترتي الحرب العالمية الأولي والثانية ثم انتقلت ملكيته إلي شركة سيمنس عام 1977 حيث وصل إنتاجه إلي 800 وحدة توليد كهرباء تعمل بالتوربينات الغازية تم توريدها بنجاح لأكثر من 60 دولة, ومع عام 2015 بدأ هذا المصنع يعاني من مشكلات اقتصادية حادة في ظل ما يكتنف أوروبا من منافسة تحكمها اقتصاديات السوق الحر مع وجود 3700 عامل وكذا تراجع الطلب علي التوربينات الغازية مع توسع ألمانيا والدول الأوروبية في استخدام طاقة الرياح وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية دخل المصنع بعد ذلك في مرحلة إعسار اقتصادي يتحتم معه خفض العمالة من 3700 عامل نصفهم من المهندسين إلي ما يقل عن 800 عامل ضمن خطة إصلاح قاسية لاح معها شبح إغلاق هذا المصنع بالكامل خروجا من نفق الخسائر الممتدة.
وجاءت صفقة القرن مع مصر بما يعادل أكبر صفقة في تاريخ شركة سيمنس الممتدة لأكثر من 100 عام لتعطي قبلة الحياة لهذا المصنع العريق ذي الإمكانات المتميزة ليقف مرة أخري علي أقدام راسخة وينتج أحدث مستجدات العصر من تكنولوجيا كانت تداعب أحلام مهندسيه وخبرائه.
* كيف يمكن للصناعة المصرية أن تنافس مثيلاتها العالمية؟ وما هي آليات تحقيق ذلك؟
** لاشك أن هناك صناعات مصرية كثيرة تقف الآن علي قدم المساواة والندية مع الصناعات العالمية وهي مع تواضع عددها تشكل رأس جسر نحو العالمية سيعبر عليه الكثير من الصناعات الواعدة التي تأخذ بأسباب الجودة والتنمية البشرية والميزات التنافسية والقدرة علي الإنفاق علي البحوث والتطوير وشراء التكنولوجيات الحديثة وتطبيقها في مصر.
والأمر ليس بخاف أن تعزيز قدرات الاقتصاد ورفع تنافسيته يقتضيان بالأساس خفض كلفة الإنتاج لأن الإنتاج هو المحرك الرئيسي للقدرة التنافسية وزيادة الأرباح التي تعود علي الدولة بالمنفعة من خلال الضرائب والرسوم السيادية كما تسهم في زيادة الصادرات وتوفير العملات الأجنبية ومن ثم جذب الاستثمارات وتوليد فرص العمل والتشغيل.. إذن اقتضاء وتحصيل حق الدولة يتحقق في آخر المنظومة نتيجة النجاح الاقتصادي الذي يتحقق بدوره بنجاح المؤسسات وتهيئة بيئة العمل ومناخ الاستثمار الجاذب وليس عن طريق تحصيل الضرائب والرسوم قبل استحقاق العملية التجارية أو عن طريق بيع أراضي الدولة للأغراض الصناعية أو التجارية أو الإسكان بمبالغ باهظة بما يقلل من القدرة التنافسية ويؤثر علي الأرباح.
تبقي كلمة أخيرة في هذا الشأن وهي أن بناء القدرة التنافسية القادرة علي التصدير عبر المسافات والموانع الجمركية وغير الجمركية يحتاج إلي نظرة من الدولة قوامها السيطرة علي الكلفة الصناعية بجميع عناصرها بدءا من أسعار الطاقة بالمقارنة بالمعمول به أوروبيا وعالميا مرورا بأسعار الفائدة علي الإقراض المصرفي إذ لم يعد مقبولا أن يكون التمويل بالداخل يتعدي الـ18% بينما هو في الخارج 1.5% انتهاء بأسعار النقل والتأمين البحري والجوي والتي لا تتساوي قيمتها بين رحلة الذهاب ورحلة الإياب لأسباب غير مفهومة.
* كيف جاءتك فكرة إنشاء مكتبة في الشارع؟
** تقوم الفكرة علي أن المجتمع يملك الملايين من الكتب التي تظل ساكنة لا تتحرك من موضعها ليؤول مآلها في نهاية الأمر إما إلي صناديق المهملات وإما إلي إهدارها أو بيعها لتجار البيكيا, وفي هذا خسارة كبيرة للمجتمع, ولقد عانت ثقافة الكتاب كثيرا بعد زوال سور الأزبكية واختفاء مكتبة الأسرة ومهرجان القراءة للجميع.
انطلقت المبادرة منتصف عام 2017 تحت اسم ضع كتابا وخذ كتابا بوضع ثلاث مكتبات بشارعي الألفي وعماد الدين تضم كل مكتبة 160 كتابا لمختلف الكتاب والثقافات يتبادلها المواطنون في سلاسة ويسر بالتنسيق مع محافظة القاهرة وحي الأزبكية دون تدخل أو رقابة إشرافية وبهذا يتم إتاحة المجال لهذه الكتب التي انتهي أصحابها من قراءتها ولا يحتاجون إليها لمبادلتها بكتب أخري, وبذا تتحرك الأفكار والثقافات والمعارف الموجودة بالكتب بين البشر مخاطبة عقولهم وأفئدتهم.
فالمشروع في صورته المثلي يتمثل في أن كل من يأخذ كتابا سيترك كتابا مقابله, وفي صورته العملية يتمثل في أن المكتبات تحتاج كل فترة إلي التنقية من الكتب غير المفيدة والاستعاضة عن العدد المتناقص منها بجديد نوفره لها.
* كيف تنظر للحياة من خلال شخصيتك؟
** الطاقة الذهنية وطاقة الحماس هما الوقود السحري لرحلة الحياة كما أن الطموح يمثل رحلة للمستقبل.
* ما هي هواياتك؟
** كنت أمارس بعض الهوايات مثل الملاكمة خلال التعليم الثانوي واهتممت بركوب الخيل واقتنيت أحصنة ثم ركبت البحر في قوارب شراعية والتزحلق علي الجليد, وحاليا أمارس الرياضات الذهنية والتأمل والبحث في دوافع البشر إن خيرا وإن شرا, كما أحب قيادة السيارات أما القراءة فهي عملية مستمرة لا تتوقف.
* ما هو هدفك المستقبلي؟
** هدفي هو الحفاظ علي وضوح الرؤية والهوية ونقلها للآخرين لأن تغيير الواقع إلي واقع أفضل يحتاج إلي مرحلة بناء وكفاح, وأن أعلم أبنائي أن يظلوا متحرري الفكر, وأن يجدوا السعادة في البحث عن حقيقة الأشياء والمواقف, سواء علي المستوي الشخصي أو المستوي القومي الوطني.
* لدينا رؤوس أقلام لأسئلة سنطرحها عليك وتأتينا بأول رد فعل يخطر علي بالك بشأنها:
* فلسفة في حياتك؟
** لكل إنسان رسالة ومن عرف رسالته وجد حياته.
* حلم لم يتحقق بعد؟
** القدرة علي عمل توازنات تجمع بين البدائل المختلفة بمعني جمع المزايا الأهم معا ما أمكن ذلك.
* المرأة؟
** هي هبة من السماء.. بدونها ما كانت للحياة أن تصبح جميلة.
* مثلك الأعلي؟
** لي مثل أعلي في كل مجال أعجب به وأري فيه التميز الذي يحتذي به. مثلي الأعلي علي سبيل المثال في أينشتاين لذكائه العملي, وشوقي لعمق كلماته, ومحمود سامي البارودي في اشتعال عاطفته, ونابليون في علوم الإدارة.. ويبقي أبي هو الأعظم حيث ترك في أفضل صفاته التي أكتشفها تباعا كلما احتجت للجديد منها.
* مبدؤك؟
** ابحث عن ذاتك فإن وجدتها تحددت معالمك وعشت سعيدا, وإن لم تجدها فإن البحث سيبقيك سعيدا.
* أكثر ما يغضبك؟
** أكثر ما يغضبني إهمال المهنيين أو عدم حزمهم وتفانيهم في العمل.
في احتفال رسمي بمقر السفارة الألمانية بالقاهرة يوم 23/6/2003 تم تقليد الدكتور مهندس / نادر رياض رئيس شركة بافاريا وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى من السفير الألماني بالقاهرة البارون فون مالتسان نيابة عن رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية .
* ما هو سر نجاحك؟ أو بمعني آخر ما هي فلسفتك التي قادتك لتحقيق هذا النجاح؟!
** صناعة روح الفريق وتنمية أدواته هي القاعدة وراء كل نجاح, كما أن التغيير ضرورة وهدف حيث يجب أن يظل التغيير هدفا استراتيجيا للمؤسسة الصناعية, وجودة اليوم ستصبح قاصرة عن ملاحقة متطلبات الغد.. وفي رأيي أي مشروع يمضي عليه 30 عاما دون أن يطور من نفسه علي الأقل كل عشر سنوات سيخرج من سباق التطور, ويتجلي ذلك في أوضح صوره -علي سبيل المثال- في صناعة السيارات فنجد أن صناعة السيارات الناهضة, والتي يشتد الإقبال عليها تحرص أشد الحرص علي الإتيان بالعديد من الابتكارات والتعديلات مع ظهور موديل جديد من منتجاتها رغم أنها قد تتبوأ الشريحة العليا وهي تؤدي بذلك سلوكا قياديا يأخذ بالمبادأة Leading Attitude وهي صورة من صور حسن استثمار النجاح.
* ما دور الحظ في حياتك؟!
** سيظل قاصرا عند إعطائي حرية الاختيار, أما تحقيق الاختيار فسيظل دوما نتيجة للعمل الجاد المبني علي المدي المتوسط والبعيد, والحظ في حياتي لا يتعدي فتح الباب بمعني إتاحة الفرصة أما تحقيق النجاح فقاربه ومجدافه هو العمل الجاد.
* ما هي الأسس التي تختار علي أساسها مساعديك ومستشاريك في العمل؟!
** التأهيل الأمثل للوظيفة التي يتولاها والقدرة علي التطور والتطوير, والصفات القيادية التي تمكنه من إدارة فريق عمل بروح الفريق دون أي تحزب أو انحياز.
* بماذا تنصح أي شاب يقدم علي العمل الحر؟!
** ابحث عن مبادئك تجد حياتك, ضع لنفسك قواعد الفواعل والنواهي تجد أخلاقك, اعمل من أجل الغد فلا تشعر بتعب اليوم, قليل من التهور كثير من التعقل كثيرا ما يكون سر النجاح, وأخيرا أتمني له النجاح بعد أن أقدم علي قبول التحدي وهي الخطوة الأولي لأن يجد نفسه.
* كلمة أخيرة تقولها للشباب؟!
** أنتم نصف الحاضر وكل المستقبل, وأنتم أغني منا بمقياس الصحة والمتبقي من رصيد العمر وقدرتكم علي التمرد علي الواقع والإتيان بالجديد, فلا تعطلوا هذه الطاقات فهي أشبه بالقارب الجيد وإن كان صغيرا كما أن مجدافه قوي سيكبر ويشتد وينمو له شراع بالاستعمال المستمر.
* ماذا تقول لشركائك في النجاح.. فريق العمل بشركة بافاريا مصر دون استثناء؟
** يقول البعض: إن طريق الكفاح مفروش بالأشواك, أما الكتيبة الصناعية فتقول إن طريق الكفاح مفروش بالسعي الدءوب للبقاء في الصدارة, وتكلفة هذا جهد بلا تحفظ لأفراد الفريق بالكامل, إذ أن النجاح واستهدافه وتحقيقه هو عمل جماعي لا يمكن أن ينسب لفرد وإنما أدوار النجاح توزع علي أفراد الفريق بالكامل, كل في تخصصه فالعمل الجماعي هو سر النجاح.
* ماذا عن صداقتك بالمهندس يوسف سيدهم؟
** تمتد صداقتي بالمهندس يوسف سيدهم لعشرات السنين تزاملنا في بعضها أعضاء بالمجلس الملي, وخبرته مديرا من الطراز الأول من خلال إدارته لمؤسسة (Egypt-Copt) لتنمية الشباب مهنيا وهي مؤسسة خيرية غير هادفة للربح, وبجانب موهبته الإدارية فإن له شخصية جاذبة للاحترام والتقديرتراها فيه من الوهلة الأولي.
والمهندس يوسف سيدهم هو امتداد عضوي ومهني لوالده أنطون سيدهم رجل الأعمال ومؤسس جريدة وطني -رحمه الله- تلك الشخصية المحورية التي التفت حولها القلوب والعقول من خلال العمل الجاد والدءوب لجريدة وطني حيث اتسمت الجريدة بموقفها الحيادي من جميع الأطياف السياسية والاجتماعية فلم نرها تنحاز يوما لحزب أو لمعارضة منفلتة وغير رشيدة, هذه الميزة الكبري عليها ما عليها أيضا من أنها لم ترض يوما كل الأطراف إلا أنها احتفظت بالصداقات الجادة التي تحترم منطق الأحداث.