سألوا الحكيم:ما الفرق بين القلب والعقل؟أجاب:العقل ينصح بالأنفع بينما القلب ينصح بالأنبليحكي أن أحد الأشخاص لم يجد حافظة النقود التي تخصه,فبدأ الشك في ابن الجيران وكان يظن هكذا:الشاب يشبه اللص,يسير ويتحرك ويتكلم كاللص.لكنه بعد قليل وجد حافظته في أحد الأدراج,فنظر إلي ابن الجيران مرة أخري,وأدرك أنه يسير ويتكلم كأي شاب آخر في عمره.
نتعلم من هذا الموقف درسا واضحا,كم من المرات التي فيها نحكم عقلنا بطريقة خاطئة معتمدين علي المظاهر والأحكام السريعة وندين الآخرين دون تروي أو استشارة القلب والمشاعر الإنسانية؟كم من الشرور التي نلصقها بالغير سواء كانوا من الجيران أو زملاء العمل حتي من الأسرة ذاتها؟كم من المرات التي فيها اتهمنا الآخرين ظلما وشوهنا سمعتهم ولن نستطيع محو هذه الاتهامات أو العيوب عنهم؟كم من المرات التي فيها اعتبرنا أننا أذكياءنفهمها وهي طايرة ونستطيع أن نقيم كل شخص ونعرف ما بداخله وحقيقته؟كل هذه الطرق تجعلنا نصنع شباكا لنصطاد بها الآخرين ونغلق عليهم حتي أنهم لا يستطيعون الإفلات أو الهروب منها ثم ينغلقون علي ذاتهم لأننا سببنا لهم يأسا وخوفا من المجتمع.
لذلك علمنا السيد المسيح قائلا:لا تدينوا لئلا تدانوا,فكما تدينون تدانون,ويكال لكم بما تكيلون(متي7:1-2) لذلك يجب علينا أن نستغل الذكاء الذي وهبنا الله إياه من أجل الخير,وأن نميز بين الذكاء والمكر,لأن الأول هو كمال العقل,بينما الثاني هو رذيلة تدفع الإنسان ليبحث عن مصالحه الشخصية ورفاهيته فقط,فالذكاء سمو ولكن المكر غلظة.ونستطيع بالذكاء الذي هو فضيلة العقل والإدراك أن نسير علي غريزة الأنانية والمصالح الشخصية,أما المكر الذي يرتدي رداء الذكاء هدفه الانتصار علي الخصم,وأن يطأ كل شخص وكل شئ يعتبره عائقا لمصالحه الشخصية.
كتب البابا يوحنا بولس الثاني:الإيمان والعقل جناحان تستطيع بهما الروح البشرية أن تسمو لتصل إلي معرفة الحق.
إذا يستطيع الإنسان أن يجد طريقا آخر للوصول إلي المعرفة بجانب العقل,وهو طريق الحب الذي يستطيع به أن يدرك ماوراء العقل وتقول الكاتبة الفرنسيةGeorge Sand في هذا الصدد:العقل يبحث ولكن القلب يجد.إذا يجب علي الإنسان أن يعي جيدا بأنه مخلوق محدود,وينبثق نور معرفته من العقل والقلب معا حتي وإن لم يصل إلي الحقيقة كلها.
قال المعلم لأحد تلاميذه:هل أنت معجب بذكائك؟,أنت كالمحكوم عليه والسعيد لسعة مساحة زنزانته المحبوس فيها,هذا واقع لأن عقلنا كالزنزانة التي لا تستطيع أن تحتوي كل شئ مهما كانت فسيحة,فالحقيقة من الله,إذا غير محدودة وكل ما نستطيع أن نصل إليه هو ذرات ومضات وشظايا لذلك ليس من الحكمة أن نحتقر الحجرة الصغيرة التي ندير بحثنا فيها,وأن نقلل من شأن الذكاء الذي منحنا إياه الله كعطية منه.وعندما طلب التلميذ من المعلم أن يساعده للحصول علي الحكمة,أجابه:اذهب واجلس وصومعتك ستعلمك الحكمة,ورد التلميذ قائلا:ليست لدي صومعة لأنني لست راهبا! فقال له المعلم:من المؤكد أنك تملك الصومعة انظر بداخلك نتعلم من هذا الدرس أننا نعيش في هذه الدنيا دون اللجوء للعقل فقط أو احتقار الذكاء الذي هو عطية كم الله.
ولكن يجب أن نشعر بأننا كلما ازدادنا معرفة كلما عطشنا إلي المزيد منها,لأنه مع المعرفة ينمو الإحساس في داخلنا بقلتها.كما أننا نجد من يريد أن يتبحر في المعرفة والعلم من أجل ذاته فقط,ولايهتم بما يعود علي الجنس البشري مع نفع,ونجد من يتحلون بالذكاء ولكنهم يتعالون علي الآخرين مقتنعين بأنهم يملكون مفاتيح الوجود والحقيقة,ويحتقرون آراء الآخرين,لكن الحكمة الحقيقية تقود صاحبها إلي الشعور بأن المعرفة التي يمتلكها جزء مما يمتلكه الجميع,وهذه الحكمة تقوده إلي التواضع والقناعة بمحدويته وإمكانيته البسيطة لذلك يقول الفيلسوف باسكال:يجب أن نتبع أيضا أفكار القلب ونتجنب مبالغتين,استبعاد العقل أو الاستسلام له فالإنسان قليل بنفسه كثير بالآخرين إذا يجب أن يتعلم من الغير, وأن يتجنب استخدام ذكائه للحكم علي الآخرين وإدانتهم أو التقليل من شأنهم ونختم بكلمات باسكال:من الممكن أن يكون العقل أبطأ من القلب في إدراك الحقائق.