إن الأحداث التي تجري في الإقليم منذ 7 أكتوبر 2023 تبعر عن حالة من الجنون التي أصابت سلطة الاحتلال الإسرائيلي وصدمتها من الهجمة المنظمة التي قادتها المقاومة الفلسطينية (بفصائلها المتعددة).
ولعل ما يجعلنا نتعجب لموقف الغرب من هذه الحرب ونظرتهم إلي أن القضاء علي المقاومة المتمثلة في (منظمة حماس) وإنهاء سلطتها العسكرية والسياسية في قطاع (غزة) بعد أن كانت تلك المنظمة هي (زخر سلطة الاحتلال) كما جاء في تصريحات سابقة لرئيس وزراء إسرائيل (نتنياهو) إلا أن الغرب برؤيته (الميكافيلية) والتي ترفع فيه لواء الدعوة إلي أن (الغاية تبرر الوسيلة) ولعل ما يحدث من تدبير وهدم للبنية التحتية وقتل أكثر من خمسة عشر ألف فلسطيني نصفهم من الأطفال والنساء (نحتسبهم شهداء عند الله) لهم مبررهم في ذلك.
حيث الواقع الحادث اليوم في كل وكالات الأنباء عن هذا الحدث, وغيره من أحداث عالمية أو إقليمية تثبت بأن الغاية سواء كانت نبيلة أو مجحفة ليست هي الهدف ولكن الوسيلة التي تتبع هي التي تستحق الدراسة وتستحق العناية من أصحاب القرارات المؤثرة في المجتمعات.
ولعل بتطبيق هذه النظرية علي المجال الوطني في مصر خروجا عن الأزمة التي يواجهها العالم في (معضلة) التحيز والكيل بمكيالين في القضية الفلسطينية). نجد أن من خلال الممارسات (الميكافيلية) والتي تعطينا مفهوما آخر, إذ ليست الكفاءة وحدها تهتم وتفتش بهدف النمو والتنمية مع إهمال طبيعة هذه الأشياء التي تجري تنميتها؟
ولعل هذا يقودنا إلي درس في الاقتصاد يقول إن الاقتصاد لا يتدخل بتقييم الغايات أو الحاجات وتحميص ملاءمتها أو مشروعيتها أو أخلاقياتها, ليست هذه هي مهمته, إنما مهته هي تحقيق أكبر كفاءة ممكنة في توزيع الموارد (أي الوسائل) المحددة بين الحاجات أو الغايات غير المحدودة.
فيكفي أن يكون الهدف مطلوب من بعض الناس ومستعدين لدفع ثمن له. فلا يهم بعد ذلك ما إذا كان جديرا أو غير جدير بالسعي من أجله, ومن الافتراضات الأساسية في نظرية الاستهلاك أن المستهلك يريد دائما المزيد بصرف النظر عن هذا الذي يريد مزيدا منه (من كتابات الأستاذ جلال أمين) ولعل تقديس الكفاءة مع إهمال الهدف النهائي منها مثل تمجيد السرعة, بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي تؤديه هذه السرعة مضاعفة سرعة المواصلات بغض النظر عن جدوي الرحلة أصلا ومضاعفة كفاءة وسائل الاتصال ونقل المعلومات, أيا كانت قيمة المعلومات أو محتوي الرسالة التي يجري توصيلها؟
إن تمجيد الوسيلة علي حساب الغاية يذكرنا بما يقوله ناقدو الحضارة الغربية بأنهم قالوا كل ما أصبح ممكنا هو بالضرورة مرغوب فيه فإذا كان عبور الأطلنطي في ساعتين بدلا من أربع ساعات قد أصبح ممكنا تكنولوجيا فلابد أنه جدير بالتطبيق!
إن الكفاءة في بلادنا ومنذ حقبات متعددة من الزمن أصبح لا قيمة لها حيث اقترنت الاختيارات بأهل الثقة مرة, وبأصحاب المصالح مرات, وبالمعارف والأقارب, والإخوة مليون مرة.. رحم الله أهل الكفاءة في بلادنا!!