تقاس أهمية الإنسان, لا بماله, ولا بذكائه, ولا بمركزه الاجتماعي, ولا بجماله وتفوقه, وإنما تعود أهمية أي إنسان الحقيقية بما يقدمه لمجتمعه وأهله وذويه من خدمات إنسانية وفكرية وعلمية ومادية وروحية, فالله قد تفضل وخلق الإنسان ليعمر هذا العالم ويضيف له كل جديد ونافع. فلم يخلق الإنسان لنفسه فقط, بل لكي يكون فردا في هذا الكون الفسيح كله, أي لا ليكون فردا حتي في مجتمعه وحسب, بل ليكون فردا في هذا الكون والعالم الفسيح. الحقيقة أن الكون كله أسرة واحدة منها المصري والأمريكي والروسي والأسترالي والصيني والياباني والعربي والأفريقي وهكذا الكل فرد في هذه الأسرة الكبيرة, ليست هذه مجرد تأملات إنها واقع يفرض علينا نفسه لكننا للأسف لا نستوعبه جيدا.
فنحن أبناء أب واحد هو آدم, وأم واحدة هي حواء, وكلنا متساوون بالخلقة, فالله العدل هو الذي خلقنا مثل بعضنا ولم يفرق بيننا. هكذا كلنا أسرة واحدة في العالم هي الأسرة الإنسانية, لا فضل لأمريكي علي أفريقي ولا لأوروبي علي صيني فكلنا واحد.
والإنسان يعرف ذلك خلال الأزمات التي يتعرض لها العالم, سواء الأوبئة أو الأمراض, أو مشاكل الطبيعة والمناخ أو أي مشكلة إنسانية. فوقت الأزمات والمصائب والمحن يشعر الإنسان. في كل مكان أنه فرد في أسرة واحدة هي الإنسانية, لكنه سرعان ما ينسي. من أجل ذلك قال الأديب الأيرلندي الساخر.. برنارد شو.. الإنسان الفاضل هو الذي يعطي مجتمعه أكثر مما يأخذ منه.. فالذي يأخذ ولا يعطي هو إنسان أناني لا يهتم إلا بنفسه, وقد خلقنا لنساعد بعضنا ونتعاون علي حل مشكلة الحياة الصعبة وهناك أشخاص عرفوا هذه الحقيقة وآمنوا بها وعملوا علي أن يكونوا بؤرة نور وخدمات لغيرهم, وبخاصة من يحتاجون إليهم.
المحامية الإنسانية الأستاذة نهاد أبو القمصان عرفت ذلك جيدا فكانت لها رسالة في حياتها مهمة جدا وهي حل مشاكل المرأة في المجتمع المصري والعربي التي تفاقمت في السنوات الأخيرة بشكل مخيف يهدد المجتمع والأسرة والرجل أيضا لأن مشاكل المرأة مرتبطة بمشاكل الرجل ولابد من حل المشكلة لمصلحة الجميع.
الإحصاءات التي تسمعها وتعرض علينا حقا مخيفة مرعبة, وهي صادرة عن موقع هيئة الأمم المتحدة, تقول أن واحدة من ثلاث نساء في العالم تعرضت لعنف جسدي أو جنسي علي الأقل لمرة في حياتها. وتعرضت 200 مليون فتاة حول العالم قبل بلوغهن سن الخامسة لتشويه الأعضاء التناسلية أو الختان. أما 30% من النساء فتعرضن لعنف من قبل الأزواج.
ويؤكد المصدر أن الفتيات والنساء يشكلن نسبة 70% من ضحايا الإتجار بالبشر. هذا غير ما يحدث في عالمنا العربي ومصر من امتهان حقوق المرأة وانتشار الطلاق بنسبة مخيفة تجعلها أعلي نسبة في العالم تهدد المجتمع ووجوده, ثم هي تهدد الأجيال الجديد من الأطفال وتشردهم وتنشر أولاد الشوارع والجريمة وكل الموبقات.
الحال الأكثر من سيئة ومرعبة لهذه الجرائم التي ترتكب ضد النساء في أغلبها, علي الأقل 80% منها. لهذا يأتي دور الأستاذة نهاد أبو القمصان المهم والمستنير في الدفاع عن المرأة ومنحها حقوقها الشرعية والوراثية والدينية والإنسانية. وهي دراسة للقانون والشرع, وعلي قدر من الثقافة يؤهلها علي القيام بهذا الدور الكبير المستنير في مجتمعنا.
قمت بزيارة الأستاذة نهاد أبو القمصان في مكتبها لأهديها أحدث مؤلفاتي كتاب: المرأة أيقونة الإنسانية.. فقد أردت أن أتقابل معها كوجه مشرق للمرأة المصرية والعربية, وأتناقش معها في حوار أسعدني وأشبعني, وإن كان قصيرا, رحبت بنا أنا وزوجتي الكاتبة الصحفية مني الملاخ, واستقبلتنا علي باب مكتبها في لفتة تواضع إنسانية رائعة, وهي الأستاذة المرموقة الفاضلة. وهي تعرف أن العمل في مهنة المحاماة رسالة إنسانية أكثر منها مجرد أكل عيش. وقد ذكرتني بما قاله السيد [أبراهام لنكولن] 1809 ـ 1865م الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية, ومحرر العبيد الذي ألغي نظام الرق وعشق القانون, وكان يعرف معني أن يكون رئيسا لأكبر دولة في العالم, ويقدر المسئولية التي تقع علي عاتقه نحو كل إنسان في هذا الكون.. قال عن المحاماة: المحامي الشريف لا يجعل جمع المال نصب عينيه, إذ أن أعظم أجر يتقاضاه المحامي الحر هو انتصاره في قضية ترافع فيها عن متهم بريء, أو فقير مظلوم, أو يتيم أو أرملة أرجع إليهم جميعا حقوقهم المهضومة, أما جمع المال فهو هدف التاجر, وهناك فرق بين التجارة والمحاماة.
تحية للأستاذة نهاد أبو القمصان, ورسالتها الإنسانية من أجل المجتمع والمرأة والرجل..
إلي لقاء