كلمة (دجما) كلمة أصلها يوناني, لكنها موجودة في كل اللغات العالمية, شأنها شأن معظم الكلمات يونانية الأصل والتي أصبحت كلمات مشهورة عالميا في كل اللغات تقريبا مثل كلمة, ديموقراطية وغيرها. الدجما أساسا هي المباديء الدينية الثابتة التي يؤمن بها أصحاب دين معين, وهي أيضا مستخدمة في السياسة وقد دخلت في تراث الأمم ولا يمكن تغييرها بل أصبحت جزءا من التراث وتحملها الأمثال الشعبية تعبيرا عن القواعد التي يسير عليها المجتمع. هكذا أصبح لبعض العادات والتقاليد, دجما, لا يمكن تعديلها أو تغييرها. وهذا يعبر عن الجمود أيضا, فالدجما في التراث مهما كانت لا تتفق مع الحاضر أو التطور أو حتي تضر بالحياة, فالناس تتمسك بها لأنها جزء من التراث وهو شيء عزيز علي الجميع. وإذا أردنا أن نضرب مثلا علي ذلك نقول إن ختان البنات كان دجما في التراث, ومع التطور والعلم اكتشفنا خطورة هذا الختان, وبدأت الدول المتحضرة المتمدينة منعه وتجريمه. ومع ذلك هناك صراع بين فئات الشعب حول منعه الآن, لأنه دجما تراثية صعبة التغيير.
أتحدث عن الدجما وما فعلته بالمرأة, وكيف أصبحت جزءا من التراث والأمثال الشعبية التي أساءت للمرأة وحياتها. نحن نسمع عن, كيد النسا, ولا نسمع عن كيد الرجال مع أن كيد الرجال أصعب وأكثر انتشارا لأنهم يمثلون القوة والأكثرية, فماذا نقول عن الزوج الذي يرفض طلاق زوجته مع أن الحياة بينهما أصبحت مستحيلة, لكنه يقول: لن أطلقها حتي تكون مثل البيت الوقف, لن أدعها حرة, إذا أرادت الحرية فلها حق الخلع, وفي هذه الحال تتنازل عن كل حقوقها وتخرج من بيتي بملابسها فقط!! أليس هذا كيد الرجال الذي ينتقص من حرية المرأة؟!وأليس كيد النسا هذا وهما حقيقيا؟! نعم هناك سيدات سيئات متعبات لكن نسبتهن قليلة, فقد أثبتت الإحصاءات أن عنف الرجل 80%وعنف المرأة 20% هنا تظهر المفارقة. نسبة كبيرة من الأمثال الشعبية التي ضد المرأة وتحمل التفكير الذكوري لأن الرجل هو المسيطر, وهو الذي يلوكها وينشرها مثل.. اكسر للبنت ضلع يطلع لها اثنين..
فن البنات من المكرمات.. الحما حمة.. المية والنار ولا حماتي في الدار.. زوجة الأب خدها يارب.. ولي مع المثل الأخير وقفة وحكاية تمثل خطأ هذا المثل. وهي حكاية, أبراهام لنكولن, رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السادس عشر 1861م.
ولد أبراهام عام 1809 من أبوين كريمين, الأب توماس كان رجلا أميا يعمل نجارا ومزارعا أحيانا, والأم نانسي سيدة فاضلة تكد وتتعب من أجل أسرتها, فقد كانت الأسرة فقيرة, ومع ميلاد الطفل بدأت الحياة تبتسم لهم, فانتقلت الأسرة إلي مزرعة أخري علي شاطئ نهر نوب, ثم استطاع الوالد شراء مزرعة صغيرة, ومارس هوايته في الصيد التي أغنته فامتلك عددا كبيرا من الحيوانات, غزلان وخنازير وأرانب وديوك رومية وغيرها. اهتم الوالد بتعلم طفله فأرسله إلي مدرسة أولية تعلم فيها القراءة والكتابة والحساب, وأظهر الطفل أبراهام, منذ نعومة أظفاره حبا ورغبة شديدة للقراءة والمعرفة ازدادت معه كلما كبر في السن, وكان الوالد والوالدة يشجعانه علي ذلك, اهتمت السيدة نانسي والدة الطفل في أن تقرأ معه الإنجيل وتشرحه له وتلقنه تعاليمه الأخلاقية المهمة في حياة الناس. من هنا نشأ أبراهام علي حب الناس وكراهية الظلم والإيمان بالمبادئ السامية. وتتعرض الأسرة لحادث مؤسف وهو مرالأم ثم وفاتها تاركة طفلين لزوجها, وحزن طفلنا الذي يبلغ تسع سنوات من العمر علي والدته حبيبته, وتعبيرا عن هذا الحب اشترك مع والده في إعداد وصناعة التابوت الخشب الذي دفنت فيه.
شعر الوالد بثقل المسئولية الملقاة علي عاتقه, وبخاصة أن الطفلين صغيران, وأخذ يفكر ماذا يفعل؟ وفجأة تذكر صديقة قديمة له قبل الزواج وكان يحترم فيها أنها مثله متدينة مستقيمة. ثم قرر أن يبحث عنها ويقابلها. تم اللقاء ووجد أن السيدة سارة بوش تعاني من الوضع الذي يعانيه هو فقد مات زوجها وترك لها ثلاثة أطفال, عرض عليها الزواج, ولم يمنع وجود الأطفال عند الطرفين من إتمام الزواج, وانتقلت سارة مع أطفالها إلي بيت توماس لتعيش معه. كان من حسن حظ طفلنا أبراهام أن يتزوج والده من هذه السيدة الفاضلة, سارة بوش, كالتي كانت تعيش في حب الله ومع تعاليم الإنجيل, وتهوي القراءة مثل أبراهام, وقد ورثت عن أبيها مكتبة صغيرة نقلتها معها إلي بيتها الجديد استفاد منها الطفل كثيرا. كان إيمان وتدين وثقافة هذه السيدة سببا في تعاملها بحب وحنان لأبنائها وأبناء زوجها, لا تفرق بينهم, فالكل أبناؤها, وقد شعر أبراهام وأخته بذلك, وهناك بعض الأحداث التي تدل علي ذلك, ففي يوم أراد أحد أبنائها تحطيم ظهر سلحفاة كانت تعيش في البيت ليعرف ماذا تحته؟ ووجد أبراهام في ذلك جريمة ضد الحيوان, لكن ابنها صمم علي ذلك فقال له أبراهام.. لو فعلت ذلك سأضربك! لكنه فعل فعلا فضربه أبراهام. كانت الأم غائبة عن البيت وبعد عودتها عرفت الحكاية فقالت لابنها.. لو لم يضربك أبراهام لضربتك أنا لأنك أسأت للحيوان وعذبته.. ونظرت إلي أبراهام واحضنته. كان سارة أما ثانية لأبراهام تعطف عليه وتحبه وتقرأ معه الإنجيل وبعض أعمال شكسبير, وتشجعه علي الدراسة والتفوق. الحدث الثاني والمهم الذي ساعدت فيه الأم سارة أبراهام هو تحديد مستقبله, إذ أن والده كان يريد له أن يدرس دراسة متوسطة, ليعمل نجارا مثله, لكن سارة زوجة أبيه الثانية ـ زوجة الأب ـ كانت تعلم طموح أبراهام وتفوقه الثقافي وحبه لدراسة القانون, توسلت لزوجها, توماس, أن يتيح لأبراهام الدراسة العليا في الجامعة فوافق الأب, ودرس القانون وأصبح محاميا يدافع عن المظلومين ولا يهتم بالأجر, فالمحاماة بالنسبة له رسالة إنسانية وليست مجرد عمل لأكل العيش, وزادت شعبية أبراهام لحب الناس له, والتفاف المظلومين حوله, ورشح نفسه في انتخابات المجلس التشريعي ونجح في أن يكون عضوا به, ثم رشح نفسه لعضوية الكونجرس الأمريكي ثم لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية عن الحزب الجمهوري ونجح ليكون رئيسا لأمريكا عام 1861, وكان أول قرار له هو قرار تحرير العبيد, فهو القائل: الذين يحرمون الحرية علي الآخرين لا يستحقونها لأنفسهم لأن الله العادل خلقنا جميعا أحرارا, كما كانت أول زيارة له بعد توليه رئاسة أمريكا من 1861 ـ 1865م هي إلي سارة بوش أمه الثانية وزوجة أبيه التي اعتبرته ابنها فعلا فأحبته واعتنت به وشجعته علي العمل والدراسة والتفوق, وأعدته ليكون رئيسا للبلاد, زارها وقبل يدها وتناول معها طعام الغداء قبل أن يبدأ عمله كرئيس لأمريكا اعترافا بالجميل.. إنها زوجة الأب التي تثبت خطأ الدجما ضد المرأة..
إلي لقاء قادم